اعتبر خبراء أن ما جرى الأربعاء، من اقتحام أنصار الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، لمبنى الكونغرس (الكابيتول) جاء نتيجة لخطاب ترامب الشعبوي والإقصائي، ولوجود فجوات في النظام الأمريكي.
وتوقع الخبراء أن تكون هناك تبعات مستقبلية لما حصل في أمريكا تتكشف نتائجه لاحقا.
والأربعاء، وقعت مواجهات بين قوات الأمن ومحتجين من أنصار ترامب اقتحموا مبنى الكونغرس في العاصمة الأمريكية واشنطن، وأسفرت عن مقتل 4 أشخاص واعتقال 52 آخرين.
وجاء اقتحام أنصار ترامب، والذي يعد سابقة خطيرة بالحياة السياسية الأمريكية، أثناء انعقاد جلسة للكونغرس، للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية، وتأكيد اسم الرئيس الفائز ونائبه.
وأدت الأحداث إلى تعليق اجتماع أعضاء الكونغرس لنحو 6 ساعات، واستأنف اجتماعاته لاحقا، وصادق رسميا على فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الرئاسة، وفق شبكة “سي إن إن”.
– تأثير الشعبوية
الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي، تحدث في تقييمه لما جرى بالقول إن “الأحداث التي شهدها مبنى الكونغرس الأمريكي، تطور خطير لحالة الانقسام التي بدأت تُظهر أسوأ ما في أمريكا”.
وأضاف أن الأحداث “أفسحت المجال للحالة الشعبوية لكي تؤثر على الممارسات الديمقراطية الراسخة في هذا البلد”.
وشدد على أن “ترامب لجأ إلى أنصاره البيض لممارسة ضغوط غير مسبوقة على المشرعين لكي يعترضوا على نتائج الانتخابات، وهي آخر محاولاته، منساقاً وراء حسابات سياسية قصيرة النظر، لكنها عظيمة الأثر على المستقبل الأمريكي والعهد الرئاسي الجديد لبايدن”.
– انكشاف أمريكا
وعن دلالات ما حصل وتأثيره المستقبلي، أضاف التميمي: “رغم أن أحداث الكونغرس يمكن أن تُطوى لتُفسِح المجال لبداية جديدة، لكنها بالتأكيد أظهرت أمريكا منكشفة أكثر من أي وقت مضى، إلى حد يصعب معه استعادة هيبة البلد خلال المرحلة المقبلة”.
وبرر ذلك بالقول إنه جاء “بعد أن اضطر زعماء العالم لإصدار تصريحات يدينون فيها الفوضى التي شهدتها واشنطن وهي واحدة من أسوأ التداعيات التي تركتها هذه الأحداث”.
وأكد أن “بايدن سيحتاج إلى وقت لا بأس به لإعادة ترميم الجبهة الداخلية في بلاده، وإزالة آثار التصدع الكبير الذي أحدثه ترامب، ومن المتوقع أن يشهد الحزب الجمهوري انقساماً سيجعله ضعيفاً وربما نشهد نشوء حزب جديد في الولايات المتحدة”.
وتابع: “من الواضح أن أمريكا أمام تحولات أخطر ما فيها أن الصراع بين مكونات المجتمع ستتأسس خلال المرحلة المقبلة على قدر من عدم الثقة بالمؤسسات والدستور والمواطنة وقوانين السلام الاجتماعي التي حكمت الولايات المتحدة خلال قرون”.
كما أشار أنه “مع استمرار نزعة أنصار ترامب لفرض خياراتهم بالقوة في مواجهة الليبراليين.. هذا يقتضي أن ينصب الاهتمام على إعادة النظر في النظام الانتخابي لسد الثغرات التي سمحت بكل هذه الفوضى”.
وعن الردود العربية الرسمية على ما حصل قال إنها “اتسمت بالترقب والأمل في أن يتمكن ترامب من تغيير نتائج الانتخابات، بعد نجاحه في جر هذه الأنظمة إلى تبني مواقف متصادمة مع قناعة الشعوب العربية وفي مقدمتها التطبيع مع إسرائيل”.
وختم بالقول “لكن ردود الأفعال الشعبية اتسمت بالارتياح وهم يرون الدولة التي قوضت الربيع العربي وأحدثت كل هذه الفوضى في بلدانهم، وهي تتجرع جزء من نتائج الفوضى والخروج على النتائج الديمقراطية”.
– شعبوية وفجوة بالنظام
المحلل السياسي التركي بكير أتاجان، قال من جانبه مقيما ما حصل إن “أمريكا لا تختلف رغم كل ما تدعيه من حرية وديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، عن الدول التي شهدت أعمال عنف بجميع أشكالها”.
وأضاف: “كان هناك رد قوي من الشرطة والأمن، وعدم احترام لما كانت تدعيه أمريكا من حقوق الإنسان وحرية وديمقراطية، وذهب ضحيته قتلى وجرحى”.
وحول مبررات ما حصل أفاد: “ليس بالضرورة أن ما حصل هو بسبب مواقف ترامب فقط، لأنه قبل أشهر حصلت مناوشات تشبه ما حصل أمس، ولكن دون أن يكون هناك تصريح لترامب، هناك فجوات كبيرة في النظام بأمريكا لم تعرف بعد، رغم الادعاء بالمثالية”.
وشدد أن تصريحات ترامب الشعبوية والإقصائية إضافة للفجوات هي سبب ما حصل، مضيفا: “ما حدث لن ينتهي بل قد يكون مقدمة لحصول مظاهرات أكبر مستقبلا وهي لا تبشر بالخير، فإن لم يتم ضبط الأمور في البلاد فستؤدي إلى انقسامات ومشاكل كثيرة”.
وختم بالقول: “أصبح مفهوما لدى شعوب العالم بأن الديمقراطية المزعومة في الولايات المتحدة وأوروبا شكلية فقط، ولا تعطي شعوبها الأهمية المطلوبة، ولذلك نجد أن هذا الادعاء يحرك شعوب العالم، سواء شعوب الدول الغربية، أو أمريكا أو بلدان الشرق الأوسط”.
– بروز الخطاب العنصري
أما المحلل السياسي الأردني حسان قاسم تميمي، فذهب إلى أنه “لابد من العودة قليلا إلى الوراء لتفسير ما جرى الأربعاء، وتحديدا إلى الأزمة المالية العالمية عام 2008، وما ترتب عليها من بطالة ومشاكل اجتماعية واقتصادية هائلة في الولايات المتحدة”.
وأردف: “كان من نتائجها بروز الخطاب العنصري العرقي الإقصائي بشكل غير مسبوق، وبالتالي كانت هناك أرضية جاهزة للخطاب الشعبوي، وفرصة ذهبية لدونالد ترامب، فهو رئيس ليس له ائتلاف أو فكرة أو حتى قاعدة جماهيرية، أو أتباع، مجرد رجل متعصب، وتبعه في المحصلة من يؤمن بهذا الخطاب العنصري”.
وأكد أنه “لمدة خمس سنوات ، سمح الجمهوريون لترامب بالحط من الثقافة السياسية من خلال التطبيع مع سلوكه، وسمحوا له بشن الحرب على الأعراف والمؤسسات الديمقراطية والقيم، وتعاملوا مع كذبه المستمر على أنه نزوة شخصية، ومع تجمعاته على أنها كرنفالات للديمقراطية، وليس كمناطق تدريب لحكم الغوغاء”.
– نتيجة طبيعية
تميمي لفت أن “ما جرى الأربعاء نتاج طبيعي لخمس سنوات من الخطاب العنصري الشعبوي الذي وجد له قاعدة شعبية عريضة في الولايات المتحدة، لكن مع هذا لن يكون له تأثير واسع على السياسة الأمريكية”.
وأوضح: “أعتقد أن ترامب أدرك من البداية أنه خسر الانتخابات رغم كل ما صدر عنه، مؤمن تماما بأنه خسر، غير أنه أراد إغراق الحزب الجمهوري، وهذا جزء مكشوف أو متوقع بالنظر إلى نرجسية وأنانية ترامب وكان واضحا ذلك في خسارتهم لمقعدي ولاية جورجيا، وبالتالي فقدان السيطرة على مجلس الشيوخ”.
وختم قائلا: “أعتقد أن ردود الفعل الرسمية العربية مضحكة ولا قيمة لها ولا تحتاج للتعليق وكانت موجهة بالأساس لشعوبها وليس للولايات المتحدة، ومفادها انظروا لأمريكا التي تحتجون بها بأنها منارة للديمقراطية”.