قرار وزارة الخزانة الأمريكية، الشهر الماضي، تصنيف سويسرا دولة متلاعبة بالعملة جاء متأخراً نحو 6 أعوام، وبجرعة جيدة من السخرية.
ألقى البنك الوطني السويسري بأسواق العملات في فوضى كاملة، في يناير 2015، عندما تخلى بشكل غير متوقع عن سقفه على قيمة الفرنك، بعد أيام من تكرار مسؤول كبير التزام البنك المركزي بالحفاظ على الآلية المعمول بها، تكبدت البنوك والمستثمرون خسائر فادحة، وأفلست شركات سمسرة، واستمرت النزاعات القانونية لأعوام بسبب القرار الصاعق.
لكي نكون منصفين للبنك المركزي السويسري، لم يكن أمامه خيار سوى التمسك بموقفه إلى أن وصل النقطة التي تخلى فيها عن سياسته.
على الرغم من ذلك، كان كبار الشخصيات في الصناعة غاضبين في السر، وجادل كثيرون بأن تلك الخطوة هي تعريف التلاعب بالعملة ذاته ولا شيء سواه، كان من رأيهم أنه من خلال الوعد بالحفاظ على ما يسمى الحد الأدنى لسعر الصرف، سمح البنك المركزي بتراكم رهانات كبيرة على أن اليورو لن يضعف إلى ما دون 1.20 فرنك سويسري، وعندما تراجع البنك الوطني السويسري، انهار اليورو في الوقت الذي تدافع فيه المستثمرون لتصفية رهاناتهم، ما تسبب في ارتفاع الفرنك 40% تقريباً.
مع ذلك، عبرت وزارة الخزانة الأمريكية، في تقرير أصدرته بعد ثلاثة أشهر، عن نبرة تفاهم، وامتنعت عن اعتبار دولة جبال الألب متلاعبة بالعملة.
لكن في العام الماضي، عندما اضطر البنك المركزي السويسري إلى التدخل في أسواق العملات لإيقاف ارتفاع قيمة الفرنك، في الوقت الذي تدفق فيه المستثمرون نحو الأمان من الاضطرابات الناجمة عن الوباء في الأسواق المالية، أثار ذلك استجابة صارمة من إدارة ترمب المنتهية ولايتها: تم تصنيفها رسمياً متلاعبة بسعر الصرف.
وفي الوقت الذي أغرق فيه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي العالم بتريليونات الدولارات، أثبت تدخل صانعي السياسة السويسريين المقدر بـ98 مليار دولار في أسواق العملات أنه أمر لا يمكن قبوله بالنسبة لمسؤولي وزارة الخزانة الأمريكية.
قال ديفيد أوكسلي، وهو اقتصادي أعلى عن المنطقة الأوروبية في “كابيتال إيكونوميكس”: وفقاً للحدود الضيقة لمعايير وزارة الخزانة، هذا يعد دليلاً على أن سويسرا مذنبة، لكن قائمة المعايير والحجة لمصلحة الادعاء مليئة بالثغرات أكثر مما يوجد في قطعة كبيرة من جبنة إيمينتال.
أشار أوكسلي إلى أن وزارة الخزانة نفسها اعترفت بأن النمو في الفائض التجاري لسويسرا مع الولايات المتحدة هذا العام –أحد المعايير الثلاثة التي أدت إلى التصنيف– يرجع أساساً إلى مشتريات الولايات المتحدة من الذهب السويسري، كما لم يأخذ التقرير في الحسبان قطاع الخدمات، حيث تتمتع الولايات المتحدة بفائض كبير.
لكن كان قرار البنك المركزي السويسري بالتدخل في سعر الفرنك هو النقطة الفاصلة، التدخل في العملة يحمل وصمة عار معينة لأن البنوك المركزية لديها اتفاقيات والتزامات بالسماح لأسعار الصرف الخاصة بها أن تكون مدفوعة بالسوق، عادة ما يلجأ صناع السياسة إلى إجراءات الصرف الأجنبي المباشرة فقط عندما يتم استنفاد جميع الخيارات الأخرى، مثل خفض أسعار الفائدة الرئيسة.
تجاوزت سويسرا منذ فترة طويلة الاهتمام بالمجاملات، لأن أدوات السياسة الأخرى نفدت منها، كما أن سعر الفائدة الرئيس لديها هو الأكثر سلبية بين دول مجموعة العشر، عند سالب 0.75%، وسوق السندات المحلية صغيرة نسبياً، وفي أوقات الشدة ترتفع قيمة الفرنك الذي يعد ملاذاً آمناً.
في بيئة السياسة ما بعد الوباء، قد تواجه بعض البنوك المركزية الكبرى خيارات غير مريحة أيضاً، أدى تدفق الأموال التي أطلقها الاحتياطي الفيدرالي إلى وضع الدولار تحت ضغوط خلال العام الماضي ودفع اليورو إلى أعلى 10% تقريباً مما كان عليه في بداية عام 2020، ما تسبب في صداع متزايد للبنك المركزي الأوروبي.
لذلك ليس من المستغرب أنه في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه وزارة الخزانة قرارها، قال البنك الوطني السويسري: إنه “يظل على استعداد للتدخل بقوة أكبر في سوق العملات الأجنبية”.
وهو مضطر لذلك، فحتى بعد الارتفاع القوي في الأصول المحفوفة بالمخاطر في عام 2020، كان الفرنك أقوى 10% تقريبا مقابل اليورو، مقارنة بالأعوام الخمسة من الحدود الدنيا لسعر العملة، في غضون ذلك، واجه الدولار خسائر كبيرة خلال العام الماضي وفقد أكثر من 7% من قيمته مقابل سلة من نظرائه، مقابل الفرنك السويسري فقد نحو 9% من قيمته في عام 2020.
قلة من المحللين يتوقعون متابعة جادة من وزارة الخزانة الأمريكية، من المتوقع أن يتخذ الرئيس المنتخب جو بايدن أسلوباً أقل مواجهة في التجارة من سلفه، ويعتقد المحللون أن الفرنك السويسري من غير المرجح أن يغير اتجاهه نتيجة التوصيف الأمريكي.
قال أوكسلي: التوصيف إهانة مضاعفة للبنك المركزي السويسري لأنه إذا كان صانعو السياسة السويسريون يحاولون الحصول على ميزة تنافسية، فمن الواضح أنهم ليسوا ناجحين في عملهم!