تُعرف جماعة “براود بويز” (Proud Boys) أو “الأولاد الفخورون بأنفسهم” على أنها جماعة متطرفة يمينية راديكالية تؤمن بتفوق العرق الأبيض، وتنشر “الإسلاموفوبيا” وكراهية المهاجرين في أمريكا، وقد كشفت وثائق وتحقيقات رسمية أمريكية أن بعضهم كان ينوي بعد اقتحام الكونجرس الأمريكي قتل نواب، منهم نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، وإلصاق التهمة بالمسلمين!
أحد الذين اعتقلهم مكتب التحقيقات الأمريكي من المهاجمين ويدعي كليفلاند ميرديث قال في التحقيقات، وبحسب الوثائق الرسمية: إنه كان يريد قتل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، والركض في شوارع واشنطن بلثام أسود ويصرخ “الله أكبر”، وزعم أنه كان سيفعل هذا على سبيل التسلية، بيد أن المحققين رجحوا أنه كان يستهدف إلصاق تهمة قتل نواب الكونجرس بالمسلمين.
https://twitter.com/MacFarlaneNews/status/1348058375444193283
ووجهت أصابع الاتهام في الفوضى التي شهدتها واشنطن إلى جماعة “براود بويز”، التي برزت خلال الانتخابات الرئاسية بوصفها واحدة من الجماعات اليمينية الداعمة للرئيس دونالد ترمب، والتقطت صور لهم وهم يضعون أقدامهم على مكتب رئيسة مجلس النواب بيلوسي أو يرفعون علم الولايات الانفصالية الأمريكية أو يجلسون على مكتب رئيس مجلس الشيوخ.
وكان من بين المشاركين في اقتحام الكونغرس مجموعات تؤمن بنظريات المؤامرة والمنظّرين لها، إلى جانب متطرفين يمينيين جاؤوا من جميع أنحاء البلاد ليُناقشوا ما اعتبروه “فرصتهم الأخيرة لإنقاذ أمريكا”.
من هم “براود بويز”؟
هم جماعة تأسست عام 2016م من قبل الناشط الإعلامي غافن ماكنيسمن من أجل نصرة الجنس الأبيض وكراهية المسلمين والمهاجرين، وهم أنصار دونالد ترمب الذين زرعوا الفوضى في حرم الكونغرس الأمريكي وتم كشف هويات الكثير منهم، ومن بينهم امرأة أصيبت إصابة قاتلة مع بدء أعمال العنف، وأغلبيتهم ينشطون كثيراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
شارك أعضاء المنظمة في مسيرات بجميع أنحاء الولايات المتحدة، وتحول الكثير منها للعنف، وبعضهم يحمل السلاح في المظاهرات ويفتخر بأنه عنصري أبيض، وقد امتدحهم ترمب عدة مرات آخرها في المناظرة الرئاسية، في 29 سبتمبر 2020م، ثم أدانهم حين قاموا بأعمال عنف نسبت له.
أشهرهم هو ريتشادر بارنيت، الناشط المؤيد لحمل السلاح، وهو من أهل الجنوب المميزة من ولاية أركنساس، ودخل إلى مكتب رئيسة مجلس النواب الديمقراطية بيلوسي ووضع قدميه عليه وكتب لها رسالة تهديد تركها على مكتبها، وهو معروف محلياً بإشرافه على مجموعة عبر شبكة “فيسبوك” مؤيدة لحمل السلام معروفة تحت اسم “تو إيه إن دبليو إيه ستاند”.
وجايك أنجيلي، المؤيد لنظرية المؤامرة، الذي ظهر مرتدياً زي قرون الجاموس الأمريكي على غرار مقاتلي الفايكنيج وتلوين وجهه “كمقاتل روحاني”، كما يصف نفسه، ويقدم جايك نفسه على أنه جندي رقمي في “كيو أنون” (QAnon)، الحركة المؤيدة لنظرية المؤامرة التي تعتبر دونالد ترمب بطلاً، وقد اعتبر اقتحام مقر الكونغرس انتصاراً كبيراً.
ومنهم أيضاً ماثيو هيمباك، من حركة النازية الجديدة، وآدم جونسون، سارق المنضدة الذي ظهر حاملاً منضدة بيلوسي، وآشلي بابيت، العضوة السابقة في سلاح الجو التي قُتلت وهي تقفز داخل مقر الكونجرس برصاصة أطلقها عنصر من شرطة الكابيتول، وهي من مؤيدي نظرية المؤامرة، ورأت أن توجه أنصار الرئيس ترمب إلى واشنطن بأعداد كبيرة “عاصفة” ستنقل البلاد من الظلمة إلى النور، ومن أعضاء جماعة “براود بويز”.
200 ألف متطرف
وقد قدرت صحيفة “نيويورك تايمز” عددهم بما يصل إلى 200 ألف فرد مليشيا نشط في نحو 300 مجموعة، يتألَّف ربعهم من محاربين قدامى ومن مجموعات المليشيات المتطرفة في الولايات المتحدة.
وكشف تحقيق استقصائي أجرته مجلة “The Atlantic” الأمريكية حول مجموعة “Oath Keepers” (حرَّاس القَسَم)، وهي واحدة من أبرز المجموعات المتطرفة، قاعدة بيانات مسربة لحوالي 25000 عضو حالي أو سابق، ثلثاهم من خلفيات عسكرية أو قوات شرطة سابقين.
وتنامت مليشيات مؤيدة لترمب وأنصار تفوق العِرق الأبيض في أمريكا في السنوات الأخيرة إلى الحد الذي باتت معه تُشكِّل التهديد الإرهابي المحلي الرئيس، حتى بالرغم من محاولة إدارة ترمب التهوين من خطرهم.
بعضهم من المهمشين الغاضبين
ويقول د. نايل شافعي، المصري الأمريكي، في تفسيره لاقتحام الكونجرس: إن هناك غضباً كامناً أو “مرجلاً” في الغرب الأوسط، وإن شغب الكابيتول الأمريكي، في 6 يناير 2021م، كان أحد نفثات مرجل يغلي ويضطرم لثلاثين عاماً أو يزيد.
ويوضح مطالبهم قائلاً: اتهم الجنوبيون البنوك (الشمالية) بالمغالاة في تمويل الميكنة لحقول الجنوب، مما كان يعني رهن ثم استحواذ الشماليين على مزارع الجنوب، كما أن تسريح عبيد المزارع دمر البنية الاجتماعية للولايات الجنوبية فنشبت الحرب الأهلية.
وفي القرن الـ21، أصبحت مئات البلدات في الغرب الأوسط الأمريكي بلا مصادر للرزق، وسكانها غير قادرين على الانتقال خارجها، وليس لديهم مؤهلات لوظائف جديدة، ويعتاشون على الضمان الاجتماعي، مما يثقل كاهل الدولة.
وفي هذه البيئة الآسنة، انتشرت المخدرات وآخرها أزمة الأفيونيات (الترامادول) في السنوات العشر الأخيرة، التي تقتل سنوياً نحو 70 ألف مواطن، يتركزون في الغرب الأوسط، أي ضعف قتلى كورونا، وهي أزمة هتكت النسيج الاجتماعي، حتى إن هدايا الزواج هي شرائط أوكسي كونتين.
وعلى مر الـ45 عاماً الماضية، لم يحرك رئيساً أمريكيا ساكناً تجاه معضلة المرجل الأمريكي، وتراوحت ردودهم بين نموذجين؛ الأول: يختلق حرباً تضخ المال إلى مصانع السلاح، على أمل أن بعض المال سينساب لأسفل ليصل لكل الناس، سواء كعمال بمصانع مغذية أو كمجندين.
والثاني: إزالة القيود التنظيمية، مثلما فعل كلنتون بالقطاع المصرفي عام 1999، وكما فعل ترمب بإلغاء القيود البيئية على إنتاج الفحم والنفط والغاز، وكلاهما باء بنتائج كارثية.
ولم تنجح الكنائس ولا المبشرون التلفزيونيون في اختراق الغرب الأوسط، إذ ليس لدى السكان ما يتبرعون به من مال، ولديهم الكثير من الغضب والنقمة؛ لذا أفرزت هذه البيئة تنظيمات عنصرية متطرفة، مثل “Proud boys”، لذلك حين ترشح دونالد ترمب في عام 2016، تفاخر بعدم انتمائه للماكينة السياسية للحزبين، وبعدم اكتراثه بقواعد اللعبة، أي لعبة، ما أوجد قبولاً له في الغرب الأوسط، واعتبروه تجسيداً لغضبهم.
وحازت حربه التجارية مع الصين على قبول وتأييد هائل من الغرب الأوسط، حتى ولو لم تأت بنتائج لذلك، فتواري ترمب لا يعني حل أو اختفاء معضلة “مرجل الغرب الأوسط”، بحسب تعبيره، والوضع الاقتصادي لهذه الشريحة الهائلة من المجتمع الأمريكي يزداد سوءاً، وقدرة الدولة الأمريكية على تقديم الحلول تنكمش باستمرار.