الشاب “مسلم” الذي يبلغ الثلاثين من عمره اليوم والذي فقد ساقه خلال اشتباكات مع الشرطة التونسية قبل عشر سنوات، لا يزال يخوض حتى اليوم معركة الاعتراف به رسميا كضحية من ضحايا ثورة 2011، مما يمكن أن يؤمن له تعويضا معنويا وماديا.
في الذكرى العاشرة لـ”ثورة الحرية والكرامة”، يجدد “مسلم” والضحايا امثاله طلبهم نشر قائمة الجرحى والشهداء في الجريدة الرسمية ليضمنوا اعترافا رسميا فعليا بهم و بالضرر مادي الذي لحق بالمواطنين.
يقول مُسلم انه “ما لم تعترف الدولة بالشهداء والجرحى لا يمكن الحديث عن ثورة. لقد قدمنا دماءنا لكتابة التاريخ، ويجب أن يُكتب التاريخ اليوم بتطبيق القانون وإصدار القائمة”.
كان مسلم قد أصيب برصاص في أحداث منطقة الوردانين شرق البلاد، في 15 كانون الثاني 2011، ما تسبب في بتر ساقه، وقام بعمليات جراحية عدة، ويخشى أن تتدهور صحته ويلقى مصير أربعة جرحى توفوا منذ الثورة بسبب سوء المتابعة الصحية.
“من اجل العيش بكرامة”
بالنسبة اليه “رجال السلطة لا يريدون الاعتراف بالثورة… هذا عار! يستكثرون على أبناء تونس الاعتراف لهم بالثورة”. ويتابع مسلم “خسرت ساقي في أحداث الثورة ومستعد للتضحية بالأخرى من أجل البلاد”، مضيفا “لن أندم ولو أقتل بالرصاص… ضحينا بأرواحنا من أجل العيش بكرامة، وهذا حق”.
رشاد العربي هو شاب آخر كان ضحية الاحداث التي تلت سقوط النظام التونسي. في 13 كانون الثاني 2011، اخترقت صدره رصاصة في مواجهات مع قوات الأمن في منطقة مرناق (شرق)، وتسببت له بإعاقة لزم على إثرها كرسيا متحركاً.
يقول رئيس “الهيئة العامة للمقاومين وشهداء وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية” عبد الرزاق الكيلاني “هناك تذبذب وعدم استقرار حكومي… هناك ربما مخاوف على الأمن العام وربما غضب واحتجاج من طرف من لم يتم إدراج أسمائهم”.
“انتهاكات”
تترأس المحامية لمياء الفرحاني منظمة “أوفياء” التي تهتم بعائلات شهداء وجرحى الثورة، وقد فقدت شقيقها أنيس خلال أحداث الثورة. وتقول “ليست هناك إرادة سياسية لضبط هذه القائمة”، لأن في صدورها “اعترافا ومسؤولية بارتكاب انتهاكات من المؤسسة الأمنية والعسكرية” بقتل وجرح متظاهرين. تُضاف الى ذلك “مسؤولية سياسية للحزب الحاكم قبل 2011″، التجمع الدستوري الديموقراطي”. ولا يزال عدد من الشخصيات التي كانت مسؤولة داخل هذا الحزب، ناشطا ومتواجدا على الساحة السياسية اليوم.
ينتقد العديد من التونسيين عودة ظهور رجال نظام بن علي في الحياة السياسية، بعضهم ينشط داخل أحزاب لها ثقل برلماني والبعض الآخر تم تكليفه بمهام سياسية ووظائف عليا في الدولة دون أن تكون هناك محاسبة أو مصالحة معهم لما اقترفوه في حق الشعب.
في 2014، تم إنشاء “هيئة الحقيقة والكرامة” بهدف تحقيق العدالة لضحايا الحكم الدكتاتوري. وحوّلت الهيئة ملفات الى القضاء بعد جلسات استماع وتحقيق طويلة في قضايا انتهاكات واغتيالات وقمع. وبدأت محاكمات في 2018، بعضها حول قتل متظاهرين في 2011، لكن لم تصدر أحكام الى اليوم.