غطاء وسادة، هذا كل ما وضعه الجنود على رأس أيمن أبو عليا من قرية المغير، الذي قتل جنود آخرون (ومن يعرف، ربما يكونون هم أنفسهم) ابنه علياً (15 سنة)، هذه الجزئية التي ذكرتها الأم الثكلى عرضاً خنقت حنجرتي بشكل خاص، غطاء وسادة: ما الأكثر بيتياً من هذا؟ شيء من غرفة النوم استحوذ عليه الجنود بعدم مبالاة المنتصرين، وبمشاهد السيادة المتسامحة مع الذات، ووضعوه على رأس شخص مكبل اليدين لتشويش إدراكه ولإذلاله.
الأب الثاكل الغارق في الألم على ابنه الميت، اقتيد فجراً في الشوارع المظلمة، ربما غطاء الوسادة الأبيض هو الشيء الواضح الوحيد الذي تمكن سكان القرية من رؤيته عندما نظروا إلى الخارج، 24 شخصاً من سكان قريتي المغير وكفر مالك الفلسطينيتين، تم اعتقالهم في الليلة بين 13 – 14 يناير، أطلق سراح عشرة أشخاص منهم بعد بضع ساعات، ومن بينهم أبو عليا.
وقال الجيش الإسرائيلي و”الشاباك” بشكل صريح: إن الاعتقالات استهدفت ردع سكان القرى عن التظاهر ضد البؤر الاستيطانية القديمة والجديدة، التي تلقي الرعب على كل المنطقة بدون إزعاج.
جاء قبل سنتين إسرائيليون مسلحون من البؤرة الآخذة في التوسع، “عيدي عاد”، وأطلقوا النار على مزارعين من قرية المغير، أصيب تسعة أشخاص وتوفي حمدي النعسان متأثراً بجروحه، لم يتم تقديم القاتل للمحاكمة.
يتم تكليف مئات الجنود أبناء 19 – 21 عاماً، كل ليلة بالقيام بمهمة إرهاب الدولة، يقتحمون بيوت الفلسطينيين في الضفة، بدون أمر من قاض أو إشراف جسم ليست له مصلحة.
الصلاحية أمر عسكري صدر قبل 54 عاماً، عندما اعتقدنا الاحتلال مؤقتاً، ولكن خاب أملنا، والآن لا يمكن فهم مجتمعنا دون الأخذ بعين الاعتبار عشرات آلاف الإسرائيليين الذين ارتكبوا، في وعيهم “أنا أستحق”، هذه الانتهاكات الجسيمة لخصوصية ملايين الفلسطينيين، كم من تلك القوة التي تمنحها “إسرائيل” لهؤلاء الجنود الشباب، يطرقون الأبواب أو يقتحمون بصوت تفجير يخترق نوم الساكنين في البيت، بصراخ وهدير يقتحمون الغرف وبنادقهم مصوبة، ويطلبون من الأولاد والشباب والشيوخ النهوض من الأسرة، تخيلوا، هؤلاء الأبطال الكبار: مسلحون كالعادة وأحياناً معهم الكلاب، والخوذ على رؤوسهم، ويقفون أمام أشخاص يرتدون البيجامات، يقومون بتجميع أبناء العائلة في غرفة واحدة أو غرفتين، وأحياناً يقومون فوراً بالاعتقال، وأحياناً يفتشون في أدراج الملابس الداخلية ويثقبون الفرشات بالرصاص، وأحياناً يفرغون أكياس الأرز والسكر، وأحياناً يسيطرون على البيت ويجعلونه موقعاً عسكرياً، ينبحون بالأوامر، ويصرخون “اصمت”، وأحياناً يخرجون أبناء البيت خارجاً في الطقس البارد، هل الظلام أو انغلاق القلب الذي اكتسبناه هو الذي يمنع الجنود من رؤية شفاه الأطفال الزرقاء.
إن الحرص على شعور أبناء العائلة بالبرد يعدّ عرضاً آخر للسيطرة، مثل اقتحام البيت بالقوة والبنادق مصوبة نحو رؤوس الشيوخ والنساء، في الاعتقالات التي جرت في قرية المغير قبل عشرة أيام تقريباً، لم يسمح الجنود للمعتقلين بارتداء ملابس دافئة، هل وصل إليهم هذا الأمر بصورة بدهية، إلى الأولاد المدللين لعشرات الأمهات اليهوديات، أم أن القائد أمرهم بالحرص على أن يشعر المعتقلون بالبرد؟ “في مظاهرات أيام الجمعة أنتم أبطال، أما هنا فأنتم بنات”، هكذا استهزأ مسؤول الشاباك من معتقل قريتي المغير وكفر مالك، بعد أن تجرأ أحدهم على القول بأنه يشعر بالبرد. لا يجب أن تكوني خبيرة في النوع الاجتماعي كي تستوعبي منهم حدود عالم رجل الشاباك الصغير ذاك. أجلس المعتقلون في الشارع وأياديهم مكبلة وعيونهم معصوبة. وعندما قال أحدهم لجاره شيئاً ما، ضربه الجندي وضربه. قام جندي بين الحين والآخر بشد القيود على أيدي أحدهم كي يصبح مؤلماً أكثر. وقد سمعنا عن هذه الترهات قبل عشرين أو ثلاثين سنة. فهل الضربات وتشديد القيود هي ممارسات يتم نقلها عبر جينات الإسرائيليين، أو أن هذه أوامر يتم نقلها من دورة إلى أخرى؟
الكثير من الجنود والقادة ومسؤولي الشاباك هؤلاء – أبطال وضعوا سكاناً مدنيين في حالة رعب وخوف وألم – تحولوا عندنا إلى رؤساء أحزاب، ومتنافسين على رئاسة الحكومة، وإلى وزراء وأعضاء كنيست. والجنود برغي صغير في الشريط المتحرك لجيش الدفاع عن المستوطنين. الجهل وغياب حب الاستطلاع لديهم، هي أمور حيوية مثل الخوذات الموجودة على رؤوسهم. برغي صغير، لكنه مهم. لأن عددهم كبير، ولأن عدداً منهم يتحولون إلى قادة، لأنهم يكررون شعار الشاباك- أن كل متظاهر ومعارض للحكم الأجنبي هو إرهابي. الشعار الذي يشل أي تفكير مستقل.
إن عنف “شبيبة التلال” الإجرامي، الذين قاموا به فحطموا الأرقام القياسية الأسبوع الماضي، لهو أمر صادم. لا تزال الصدمة الناتجة عنه نوعاً من السلوك المقبول فيما يسمى “الوسط الإسرائيلي”، خاصة لأن من “يخافون الله” هاجموا أيضاً رجال الشرطة والجنود. ولكن ما هو رد جيشنا على شغب المستوطنين؟ فهو لا يقف ضدهم فقط، بل وينفذ المزيد من اقتحاماته للقرى الفلسطينية التي تتجرأ على الوقوف ضد هذا العنف. هنا “الوسط الإسرائيلي” يصمت، وبهذا يدعم العنف. لأنه عنف يشجع هؤلاء على مواصلة التهام الأراضي بكامل القوة.
____________________
(*) عميرة هاس- “هاآرتس”.