– هربا من البطالة، يتوجه فلسطينيون في غزة لافتتاح مشاريع صغيرة برأس مال محدود
– المشاريع بحسب اقتصاديين قد تفشل بسبب الظروف التي يمر بها القطاع من حصار وفقر
ماهر الطباع:
-المشاريع الصغيرة أحد الحلول الناجعة لأزمة البطالة على المستوى المحلي أو العالمي
-نجاح المشروع يعتمد على نوعيته وحاجة السوق له
-الحصار وجائحة كورونا تحديات كبيرة أمام استمرارية المشاريع الصغيرة
تحولت المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر في قطاع غزة، إلى قبلة للشباب، هربًا من البطالة، التي ارتفعت مؤخرا لقرابة 50 بالمئة، بفعل الحصار “الإسرائيلي” المفروض على القطاع منذ 14 عاما، وتداعيات “كورونا”.
بحسب آخر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد وصلت نسبة البطالة بين صفوف السكان بغزة إلى 49 بالمئة من إجمالي القوى العاملة.
الشابة هدى خطّاب (35 عامًا)، خريجة جامعية متخصصة في “علم الاجتماع”، لم تجد فرصة عمل في مجالها العلمي، الأمر الذي دفعها للبحث عن بديل اقتصادي؛ يمكنها من إعالة أسرتها التي تتكون من 3 أطفال.
وجدت هدى أن الاستثمار، وإن كان برأس مال “محدود” في القطاع الخاص، يوفر فرص عمل “مستدامة”؛ في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في القطاع وارتفاع نسبة الفقر.
توجّهت “خطّاب”، للاستثمار في مجال بيع الأجهزة الذكية واكسسواراتها، وتقديم الخدمات المتعلقة بالاتصالات، داخل معرض صغير، بحي النصر، غرب مدينة غزة.
تقول، إنها لم تألُ جهدا في البحث عن وظيفة مناسبة، تتوافق مع تخصصها الجامعي، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل.
تعدّ “خطّاب”، واحدة من آلاف الشبان الذين توجهوا لافتتاح مشاريع صغيرة؛ تهددها انعدام القدرة الشرائية للمواطنين والتداعيات السلبية لجائحة “كورونا”.
في غزة، يعيش ما يزيد عن مليوني فلسطيني، يعانون أوضاعا اقتصادية ومعيشية متردية للغاية جراء الحصار “الإسرائيلي” المتواصل منذ 2007م.
يبلغ عدد العاطلين عن العمل في غزة حوالي 203.2 ألفا، وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بينما تشير بيانات غير رسمية أن عددهم يفوق 300 ألف، مع إضافة فئات أخرى من العاطلين عن العمل، غير مدرجين في مؤشر البطالة.
كذلك، يعاني نصف سكان غزة من الفقر فيما يتلقى 4 أشخاص من بين كل 5 مساعدات مالية، حسب إحصائية للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مؤسسة حقوقية مقرها جنيف)، أصدرها نهاية يناير/ كانون الثاني 2020م.
تحديات عديدة
واجهت الشابة “خطّاب”، عددا من التحديات التي وصفتها بـ”الكبيرة”، خلال مرحلة تدشين مشروعها الخاص.
أول تحدٍ، وفق خطّاب أنها كسرت احتكار الرجال لهذه المهنة، حيث يندر في غزة إدارة سيدة لـ”معرض بيع الهواتف الذكية، وتقديم الخدمات التكنولوجية”.
“تعرضت لانتقادات كثيرة، كونني سيدة وأمّ لأطفال وأدير هذا المشروع، وفي ظروف معينة أستلم قسم المبيعات لأبيع الزبائن.. التحدي الثاني تمثل في الظروف الاقتصادية الصعبة في القطاع المحاصر، والذي فاقمتها أزمة كورونا”.
استكمال الدراسة
من جانب آخر، تقول العشرينية شام البطنيجي، صاحبة مشروع ” شرنقة”، لتصميم وصناعة الملابس الشبابية، إنها بدأت فكرة “مشروعها الاقتصادي كهواية”.
وتضيف، إن ارتفاع نسبة البطالة في غزة، وندرة توفر فرص العمل، تدفع بالشباب لافتتاح المشاريع الخاصة بهم.
تقول الطالبة في قسم “طب الأسنان” بجامعة في غزة، إن ارتفاع الرسوم الدراسية للفصل الواحد، في مجال تخصصها، كان الحافز أمام التوجّه للبحث عن مشروع خاص.
وتوضح أن الشباب الفلسطيني إن لم يتوجه نحو القطاع الخاص، وإن كان برأس مال محدود جدا، لن يتمكن من إيجاد فرص عمل توفّر له قوت يومه.
“تردي الأوضاع الاقتصادية، وانعدام القدرة الشرائية للمواطنين، تؤدي في الكثير من الأحيان إلى فشل المشروع، لقلة المبيعات”.
وتصف عملية افتتاحها للمشروع الخاص بـ”المغامرة”، كونه قد يحتمل -خاصة في تردي الظروف الاقتصادية- جانبا كبيرا من الخسارة.
المشاريع الصغيرة
والمشاريع الاقتصادية الصغيرة إحدى الحلول الناجعة لمواجهة أزمة البطالة وتخفيض نسبتها، سواء على المستوى المحلي أو العالمي، كما قال ماهر الطبّاع، مدير العلاقات العامة والإعلام بغرفة التجارة والصناعة، لـ”الأناضول”.
لكن هذه المشاريع بغزة، تواجه تحديات كبيرة يتمثّل أبرزها في الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع للعام الـ14 على التوالي، وحديثا جائحة كورونا.
وبفعل الجائحة، تراجع النشاط الاقتصادي خلال 2020، بنسبة تتراوح ما بين 50-90 بالمئة، في القطاعات المختلفة، بحسب الطبّاع.
كما تأثرت المشاريع الصغيرة، بضعف البنية التحتية، الأمر الذي قد قادها في بعض الأحيان إلى الفشل والإغلاق، على حدّ قوله.. “عدم وجود أنظمة تشريعية لحماية المشاريع الصغيرة، قد يؤدي إلى فشلها”.
مشاريع ممولة
يفضّل الفلسطينيون تمويل مشاريعهم عبر التوجه للحاضنات الداعمة أو لمؤسسات تقدّم لهم قروضا حسنة (بدون فائدة)، في ظل اتساع رقعة الفقر وانعدام السيولة لدى المواطنين.
يقول بلال أبو شنب، مدير دائرة الترويج في الهيئة العامة لتشجيع الاستثمار (حكومية)، إن متوسط أعداد المشاريع الصغيرة، التي تمولها هيئته سنويا، يبلغ نحو 120 مشروع.
يضيف أبو شنب، في تصريح للأناضول، إن الهيئة تمول المشاريع الصغيرة بنظام القرض الحسن، بمبلغ يتراوح ما بين (1000- 10000) دولار، على أن يتم السداد خلال مدة تقدّر بنحو 3 سنوات.
وتابع:” وأحيانا تصل قيمة التمويل إلى 20 ألف دولار حسب نوعية المشروع”.
وخلال 2020، تأثر تمويل المشاريع بجائحة كورونا، حيث انخفض عدد المشاريع التي مولتها الهيئة منذ بداية العام إلى 33 مشروع، بنسبة تصل إلى 27 بالمئة؛ مقارنة بأعداد المشاريع في السنوات الأربع الماضية، وفق أبو شنب.
ويوضح أبو شنب أنه رغم تردّي الأوضاع الاقتصادية بالقطاع، إلا أن المشاريع الصغيرة تسجل نجاحا ملحوظا.
وتنوعت نسبة استدامة المشاريع الاقتصادية وفق حاجة السوق، حيث سجلت المشاريع الزراعية النسبة الأكثر نجاحا بين المقترحات المقدّمة، ومن ثم الصناعية فالخدماتية، فيما كانت المشاريع التجارية، الأقل حظا حيث تأثرت بشكل مباشر بحالة الفقر، وفق أبو شنب.
ويضيف إن نسبة نجاح تلك المشاريع بغزة وصلت إلى 75 بالمئة، لافتا إلى أن النسبة العالمية لنجاح المشاريع بلغت نحو 80 بالمئة.