يتواصل التصعيد بين فصائل المعارضة السورية، وقوات سورية الديمقراطية (قسد) المنتشرة شمال سورية، تزامنًا مع زيادة التوتر بين «الإدارة الذاتية» الكردية وقوات النظام السوري صاحبة الموقف الأضعف شمال شرقي البلاد، نظراً لما تكابده من حصار مطبق في مركزي مدينتي الحسكة والقامشلي، منذ أكثر من 20 يوماً، وذلك نتيجة الحصار الذي تفرضه «قسد» بدورها على المناطق الخاضعة لسيطرة «قسد» في مدينة حلب، وريفها الشمالي ذات الغالبية السكانية الكردية. وهو ما ترجمه مراقبون على أنه نهاية محتملة لقسد التي وضعت بين خيارين أحلاهما مر، فإما مواجهة النظام مع احتمال هجوم وشيك للجيش الوطني مدعوماً بالقوات التركية، أو الانسحاب تماما لصالح النظام السوري.
ويتهم النظام السوري المليشيات الكردية بفرض حصار خانق على مواقع سيطرته في الحسكة والقامشلي، وقطع الكهرباء ومنع دخول الآليات والمواد التموينية والغذائية إليها، فيما تفرض «قسد» شروطاً عدة لفك هذا الحصار، على رأسها فك حصار قوات النظام عن مناطق سيطرتها في مدينة حلب، حي الشيخ مقصود والأشرفية، وعن مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، حيث يمنع النظام دخول المواد الغذائية والمحروقات والأدوية، كما تفرض حواجزه الضرائب والإتاوات على السيارات التي تحمل مواد غذائية ويسمح لها بالدخول ما يرفع سعر هذه المواد في المناطق المحاصرة.
حصار متبادل
الوكالة الرسمية الناطقة باسم النظام السوري «سانا» تحدثت في تقارير لها عن توقف مخابز مدينة الحسكة نتيجة الحصار الذي تفرضه مليشيات “قسد” على مركز مدينة الحسكة وحيّين سكنيين في مدينة القامشلي، ومنعها دخول الطحين والوقود، ما يحرم نحو 100 ألف مدني من الخبز، تضاف إلى منع دخول المواد الغذائية وصهاريج المياه من الدخول منذ 17 يوماً متواصلة، وفق الوكالة.
وندد «مجلس الشعب» في جلسته السادسة بالحصار المفروض من قبل مليشيا «قسد» على أهالي مدينتي الحسكة والقامشلي ووصف هذه الممارسات بـ”اللاأخلاقية وتعد جريمة حرب وانتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان مطالبين المجتمع الدولي بالتحرك لفك الحصار عنهما ووقف الاعتداءات الإرهابية المرتكبة بحق أهلهما”.
وطالب النظام السوري على لسان مجلس شيوخ ووجهاء العشائر والقبائل السورية «قيادات «قسد» بفك الحصار بسرعة والتحلي بالتوافق والتحرر من العبودية للأمريكي الذي يريد أخذ منطقة الجزيرة السورية إلى هاوية الفتنة لضمان بقائه على أرضها من أجل سرقة النفط ومقايضة وجوده في صفقات الحلول السياسية المستقبلية» مهدداً بأن رهان قسد «على المحتل الأمريكي رهان خاسر وأن المخرج الوحيد من الوضع القائم هو الحوار الوطني بعيداً عن إملاءات الأمريكي والتمترس بالمطالب التعجيزية التي تهدد وحدة الوطن أرضاً وشعباً».
وسائل إعلام موالية للنظام، أكدت أن قوات «قسد» تواصل لليوم الـ12 على التوالي قطع الكهرباء عن الأهالي في ريف الرقة، ووصف رئيس جمعية مشيرفة الفلاحية في محافظة الرقة غانم العلي قطع الكهرباء من قبل قوات «قسد» بالكارثي على حياة المنطقة وأهلها، لما له من آثار خطيرة على الفلاحين الذين أنفقوا منذ بداية موسم زراعة القمح أكثر من مليار ليرة سورية كثمن بذار وسماد ومازوت وري وحراثة وغيرها من مستلزمات العملية الزراعية.
وحمّلت قوات الأمن الكردية التابعة «للإدارة الذاتية» النظام السوري وقواته في الحسكة «مسؤولية التوترات الحاصلة» مع الاحتفاظ بالحق في الدفاع المشروع عن أي خطر أو فتنة، وفق وصف البيان الذي اتهم ميليشيا موالية للنظام السوري باستهداف «نقاط أمنية» تابعة لها في الحسكة. وذكرت «القيادة العامة لقوى الأمن الداخلي في بيان رسمي الأحد «تستمر ميليشيا الدفاع الوطني باستكمال مشروع زرع الفتنة بين مكونات الشعب وخاصة بعد استهدافها منذ فترة زمنية حواجزنا الأمنية في مدينة القامشلي واستهدافها اليوم لنقاطنا الأمنية في الحسكة، واختلاق الأكاذيب والفتن بدعم من أطرافٍ خارجية».
احتمالات متعددة
وزعمت الإدارة الذاتية صونها وحدة الدم السوري و«التزامنا بحماية كل السوريين بمختلف انتماءاتهم، ونحمّل مسؤولي الحكومة السورية في الحسكة مسؤولية التوترات التي تحصل مع احتفاظنا بحقنا في الدفاع المشروع عن أي خطر أو فتنة لضرب التآخي واللحمة الوطنية في مناطقنا».
الباحث في الشأن الكردي بدر ملا رشيد، اعتبر أن التطورات السورية، تضع مآلات شرق الفرات والإدارة الذاتية ضمن احتمالات متعددة، يطفو منها في الوقت الراهن، وفق المتحدث لـ«القدس العربي» «وجود توجه حقيقي مدعوم من الطرف الأمريكي لإضعاف النظام السوري في محافظة الحسكة، والانتقال لخطوات متقدمة فيما يخص التعاون بين الإدارة الذاتية والمعارضة السورية. مع محاولة تأجيل قيام تركيا بعملية عسكرية جديدة في المنطقة».
وذلك وفق رؤية المتحدث لـ«القدس العربي» «بناء على الطرح الذي يتناول خروج كوادر حزب العمال الكُردستاني من الأجانب، ضمن اتفاق قد يشمل فقط منطقة شمال شرقي وشمال غربي سورية، أو يتم طرحه كبداية لحل سوري شامل».
والاحتمال الآخر «هو زيادة التوتر بين الإدارة الذاتية والنظام، وصولاً لمرحلة تكون الإدارة الذاتية بين خيارين: إما مواجهة النظام من داخل محافظة الحسكة والرقة (مع احتمال حدوث مواجهة جديدة مع تركيا وفصائل الجيش الوطني المدعوم تركياً) أو الانسحاب لصالح عودة أقوى للنظام».
تزامناً، جدد «الجيش الوطني» المدعوم من الجيش التركي، قصفه مواقع قسد على محور عين عيسى بريف الرقة، رداً على التفجيرات التي ضربت مناطق سيطرة المعارضة السورية، بريف حلب خلال الأيام الفائتة، وأسفرت عن مقتل وجرح عشرات المدنيين بينهم أطفال.
وقالت مصادر إعلامية مقربة من «قسد» للقدس العربي: إن المليشيا «تصدت لمحاولة تسلل للجيش التركي على أطراف قرية معلق غربي عين عيسى على طريق M4 الدولي بالتزامن مع قصف بالأسلحة الثقيلة» كما أشار المصدر إلى استمرار قصف الجيش التركي بالأسلحة الثقيلة على قرية «معلق» وطريق M4 الدولي.
في المقابل، ذكرت شبكة «الرقة» الإخبارية المحلية، أن «الجيش الوطني السوري» مدعوماً بالجيش التركي قصف مواقع «قسد» في قرية معلق ومنطقة استراحة صقر والطريق الدولي حلب – الحسكة في ناحية عين عيسى في ريف الرقة الشمالي الغربي. وجاء القصف التركي عقب وقوع 3 تفجيرات بسيارتين ملغمتين ضمن مناطق سيطرة «الجيش الوطني» في ريف حلب الشمالي، وأسفرا عن مقتل أكثر من 20 شخصاً وجرح نحو 50 آخرين بينهم نساء وأطفال.