يعد صندوق النقد الدولي الذراع المالية الدولية الثانية، وهو منظمة مدرجة تحت منظومة الأمم المتحدة، وأنشئ بموجب معاهدة دولية في عام 1945م، بزعم العمل على تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي، ويعد المؤسسة المركزية الأقوى في النظام النقدي الدولي؛ أي نظام المدفوعات الدولية وأسعار صرف العملات الذي يسمح بإجراء المعاملات التجارية بين البلدان المختلفة.
وتأتي أموال الصندوق من الدول الأعضاء فيه، وتبعاً لحجم الحصص يتحدد عدد الأصوات المخصصة لكل بلد عضو، وكلما ازداد حجم اقتصاد العضو من حيث الناتج وازدياد اتساع تجارته وتنوعها؛ ازدادت حصته في الصندوق وفرصته في الحصول على قروض أكثر من الآخرين، وبالمناسبة تتربع الولايات المتحدة الأمريكية على عرشه حيث تبلغ حصتها 17.6%، ولهذا فهي قائدة الاستعمار الاقتصادي الجديد عالمياً.
سياسات صندوق النقد الدولي تحرص على تكبيل الدولة الراغبة في الاقتراض بالانضمام إلى عضوية كافة مؤسساته
تحرص سياسات صندوق النقد الدولي على تكبيل الدولة الراغبة في الاقتراض بالانضمام إلى عضوية كافة مؤسساته، وهي: البنك الدولي للإنشاء والتعمير، والمؤسسة الدولية للتنمية، ومؤسسة التمويل الدولية، والوكالة الدولية لضمان الاستثمار.
وأوجز خبراء الاقتصاد العالميون المحايدون الانتقادات لصندوق النقد الدولي في العديد من النقاط، أهمها:
– سيطرة الدول المتقدمة على قرارات الصندوق وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية؛ لأنها تملك 20% من موارد الصندوق وقوته التصويتية ووجوده في نيويورك عاصمة المال الأمريكي.
– توجه معظم القروض والمساعدات للدول الصناعية المتقدمة (أوربا والولايات المتحدة الأمريكية)؛ فقد حصلت بريطانيا عام 1965م على 1907 ملايين وحدة حقوق سحب خاصة، في حين حصلت الدول النامية جميعها على 910 ملايين وحدة حقوق سحب خاصة.
– انهيار قاعدة «ذهب – دولار» عام 1971م، وأصبح العالم بلا قاعدة ذهبية؛ أي يعتمد على الدولار كعملة عالمية بدون رصيد، وهذا الأمر أصبح بحاجة للعلاج، ومنذ ذلك التاريخ لا يوجد إصلاح أو توجه للإصلاح.
اعتماد نظام النقد الدولي على عملة أمريكا أدى لوجود تناقض أساسي انتهى بسيطرتها على الاقتصاد العالمي
– استخدام مصطلح المشروطية حرم الدول النامية ذات التوجه الاشتراكي من موارد الصندوق، وزاد من نصيب الدول ذات التوجه الرأسمالي في فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، ويقصد بالمشروطية اتباع الدول النامية للإصلاح الاقتصادي الذي يقوم على تحرير التجارة، وإصلاح العجز في ميزان المدفوعات، وإصلاح عجز الموازنة عن طريق تقييد الطلب؛ الأمر الذي يخفض حجم التدخل الحكومي، ويؤدي لزيادة العرض وتخفيض الدخول مما أدى للدخول في الركود.
– اعتماد نظام النقد الدولي على عملة وطنية هي عملة أمريكا؛ ما أدى لوجود تناقض أساسي انتهى بسيطرتها على الاقتصاد العالمي اقتصادياً وسياسياً.
– تردي الأحوال الاجتماعية نظراً لعدم وجود مساعدات اجتماعية يقدمها الصندوق، وبالمقابل كانت القروض والمساعدات توجه لإصلاح العجز في ميزان المدفوعات وتحرير التجارة؛ الأمر الذي دفع الشعوب للاحتجاج، ورفعت شعار محاربة الصندوق، فتراجع عام 1998م وأقام مؤتمر الإنصاف الاجتماعي في نيجيريا، وتبنى برامج إصلاح اجتماعي وتمويل بعض البرامج الاجتماعية في الصحة والتعليم والتأهيل للقوى العاملة.
البنك الدولي أذاق الشعوب مرارة الارتفاع الجنوني بأسعار المتطلبات الحياتية التي لا غنى عنها
– أصبح الصندوق عام 1990م الأداة الأولى والمهمة لتحقيق شعار العولمة، وبادر منذ ذلك التاريخ بالعولمة الاقتصادية، وإجبار الدول على تحرير تجارتها، والانضمام لمنظمة التجارة العالمية التي تأسست عام 1995م؛ أي أصبح ركن العولمة مع منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، وهذه السياسات والانتقادات التي تعرض لها الصندوق لا يمكن حلها أو التغلب عليها ما دامت أمريكا تسيطر على الصندوق وإدارته، والحل الوحيد لإصلاح هذا النظام هو إيجاد عملة دولية ليس لها جنسية واعتمادها كمقياس للعملات العالمية يصدرها الصندوق باتفاق جميع الدول.
البنك الدولي
يعد البنك الدولي -من حيث التشكيل- مؤسسة تعاونية تم إنشاؤها عام 1947م عقب الحرب العالمية الثانية، ويضم في عضويته 189 دولة مساهمة فيها يمثلون مجلس المحافظين، ويقوم ممثلو الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية -المساهم الأكبر- بوضع سياساتهم في البنك الدولي، ويتكون المحافظون من وزراء المالية أو وزراء التنمية، ويجتمعون سنوياً ويفوضون 25 مديراً تنفيذياً يعملون داخل مقر البنك الدولي.
يبرز أول مظهر تمييزي داخل البنك الدولي أن «المديرين التنفيذيين» يمثلون أكبر 5 دول مساهمة؛ حيث يقوم كل بلد يمتلك أكبر عدد من أسهم رأس المال باختيار مدير تنفيذي يمثله، أما البلدان الأخرى فلها مديران تنفيذيان منتخبان، ويترأس مجموعة البنك الدولي مجلس المديرين التنفيذيين الذين يضعون سياساته ويحددون اشتراطات الاقتراض وضوابطه وتنفيذها والموافقة على القروض والضمانات، والسياسات الجديدة، والميزانية الإدارية، وإستراتيجيات المساعدة القطرية، وقرارات الإقراض والقرارات المالية، وهي تختلف من دولة لأخرى.
يحاول البنك الدولي الترويج لنفسه بكثير من المزاعم، منها:
أولاً: أنه قام منذ نشأته حتى الآن بتمويل أكثر من 12 ألف مشروع إنمائي عن طريق القروض التقليدية والائتمان بدون فوائد، وتناسى القائمون عليه أنه أذاق الشعوب مرارة الارتفاع الجنوني في أسعار كل المتطلبات الحياتية اليومية التي لا غنى عنها.
ثانياً: يزعم القائمون على البنك الدولي أنهم يعملون مع البلدان المتعاملة معه على تحسين أنظمة القياس، وتتبع التقدم المحرز في الخريطة الاقتصادية لتحقيق أهدافهم الإنمائية، وتناسوا أنه يطحن الشعوب الفقيرة، ويصادر إراداتها وقدرتها على الاستقلال السياسي والوقائع في ذلك كثيرة، ووصل الأمر إلى قيام الدول الكبرى –المسيطرة على البنك الدولي- بخلع الحكام الذين يرفضون تنفيذ ما يطلب منهم من التبعية، وخير دليل على هذا دولة النيجر وما حدث بها.
تتطلب الموضوعية والحيادية التأكيد على نجاح بعض برامج الإصلاح الاقتصادي في قليل من الدول؛ حيث ظهرت آثاره الإيجابية من ارتفاع النمو، وانخفاض مستوى التضخم، وزيادة الاحتياطي النقدي، إلا أن غالبية التجارب ذاقت مرارتها الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تحملت أعباء الديون من حياتها اليومية في ظل الغلاء الفاحش، ومحاباة مسؤولي الدول الفاسدين للأثرياء وغيرهم ممن ترتبط مصالحهم الاقتصادية بالدول الكبرى والمؤسسات الاقتصادية العالمية، مثل الشركات متعددة الجنسيات.
النقد الدولي إحدى الأدوات التي تسيطر من خلالها الشركات الكبرى على اقتصاد العالم
اعترافات دولية
يعد أصدق تعبير لدور صندوق النقد والبنك الدوليين ما قاله «جون بيركنز»، مؤلف كتاب «الاغتيال الاقتصادي للأمم»؛ حيث أشار إلى دوره كإحدى أدوات بناء إمبراطورية عالمية تسيطر من خلالها منظومة الشركات الكبرى على اقتصاد العالم، وتقوم بنهب وتدمير اقتصاد الدول النامية، لاستمرار تبعيتها للسياسة المالية العالمية، والترويج للمفاهيم الخادعة مثل تحرير التجارة وحقوق المستهلك.
وعلى الدول التي تقبل هذه المفاهيم خصخصة الخدمات القومية مثل الصحة والتعليم وخدمات المياه والكهرباء؛ أي أن تبيعها للشركات الكبرى دون أي حماية للمواطنين، كما تقوم المنظمات المالية الدولية بخلق ظروف تؤدي لإخضاع الدول النامية لهيمنة النخبة المالية العالمية التي تدير المنظمات والشركات والبنوك، بتوافق مع المنظمات المالية على تقديم قروض للدول النامية المستهدفة، بزعم تطوير البنية الأساسية وإصلاح الاقتصاد مع وضع شروط مجحفة، ويتم تنفيذ هذه الخطط والمشروعات بأدوات المنظمات المالية العالمية بإشراف وهيمنة أمريكية من واشنطن، وهذه الأموال بهذه الطريقة لا تغادر الولايات المتحدة، حيث تتحول ببساطة من حسابات بنوك واشنطن، إلى حسابات شركات في نيويورك أو هيوستن أو سان فرانسيسكو.
كما يعترف عالم الاقتصاد «ميشيل تشوسودوفيسكي» بأن برنامج صندوق النقد الدولي يترك البلد المستهدف في بعض الأحيان فقيراً كما كان من قبل، لكن مع مديونية أكبر وصفوة حاكمة أكثر ثراءً.
إيجابيات قليلة
على الجانب الآخر، يحاول البعض الترويج لإيجابيات المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، وأهمها:
– أنها أسهمت في دعم الاستقرار النقدي العالمي وزيادة حجم التبادل التجاري؛ ومن ثم زيادة حجم الناتج العالمي وزيادة معدلات النمو وتحسين ظروف ومستوى المعيشة، ليس في أوروبا، بل وفي أكثر دول العالم، ويستحق أن يطلق عليه دعامة النظام العالمي.
ـ استقرار أسعار صرف العملات للدول الأعضاء في الصندوق حتى عام 1968م؛ مما ساهم في دعم وتحفيز التجارة والنمو الاقتصادي.
– تنمية وتطوير التجارة الدولية؛ الأمر الذي انعكس إيجاباً على الناتج العالمي.
– حل مشكلة المدفوعات الدولية عن طريق اعتماد الدولار أداة دفع عالمية ساهمت في التخلص من التكتلات النقدية وأنظمة المدفوعات الثنائية التي أثرت سلباً على التجارة الدولية.
– تقديم القروض والمساعدات للدول النامية، وبشكل خاص التي اتبعت النظام الرأسمالي، في حين كانت المساعدات نادرة للدول التي اتبعت طريق التطور الاشتراكي وذلك لمحاربة الاتحاد السوفييتي آنذاك.
– هذه المزايا انعكست إيجاباً على الاقتصاد العالمي، ولاحظنا أن الفترة من عام 1945 حتى 1980م لم يواجه العالم أي أزمة اقتصادية أو مالية، بل كانت معدلات النمو في تزايد مستمر، وكانت الدول توجه جزءاً كبيراً من دخولها لتحسين مستوى المعيشة للسكان.