انتقدت مؤسسة «الحق لحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان» وهي منظمة حقوقية مصرية، أمس الثلاثاء، مقترحاً قدمته رئاسة الوزراء المصري لمنع التصوير داخل المحاكم.
وطالبت في تقرير بعنوان «تقنين الاستثناء» بأن «يعمل النص المقترح على الموازنة بين حق المتهم وعدم تشويه سمعته ومبدأ علنية المحاكمات، بالإضافة إلى ضبط النص بما يسمح للصحافة والإعلام بتغطية جلسات المحاكمات ومنح المتهم حق قبول أو رفض تصويره أو نشر بياناته الشخصية وحذف أي نص يؤثر سلباً على الحريات».
وفي 16 ديسمبر الماضي، أعلنت الحكومة المصرية عن نيتها بإضافة مادة جديدة لقانون العقوبات جاء نصها كالتالي: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صور أو سجل أو بث أو نشر أو عرض، كلمات أو صوراً لوقائع جلسة مُخصصة لنظر دعوى جنائية أثناء انعقادها بأي وسيلة كانت بدون تصريح من رئيسها، وذلك بعد موافقة النيابة العامة، والمتهم، والمدعي بالحق المدني، أو ممثلي أي منهما، ويحكم بمصادرة الأجهزة أو غيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، أو ما نتج عنها، أو محوه، أو إعدامه حسب الأحوال”.
وحسب تقرير المؤسسة الحقوقية: «جاء بيان رئاسة الوزراء في هذا الشأن ليشير إلى أن التعديل المقترح جاء بهدف منع تصوير المتهمين إعلامياً لحين صدور حكم بات في القضايا التي يحاكمون بها حماية لهم، لأن الأصل في الإنسان البراءة، وهذا الأصل يتمتع به كل متهم حتى يصدر ضده حكم بات على نحو يجعل له الحق في ألا تلتقط له أي صورة في وضع يجعله محل ازدراء الآخرين أو شكوكهم».
وأكد التقرير أن «الأصل في المحاكمات الجنائية -خاصة وأن أحكامها تصدر باسم الشعب- هي أن تكون علانية، إلا أن القانون منح لرئيس المحكمة سلطة استثنائية لفرض السرية على بعض المحاكمات شريطة أن تكون أسباب ذلك التحول الاستثنائي متعلقة بالحفاظ على الآداب، أو مراعاة للنظام العام».
ولفت إلى أن «الدستور المصري في المادة (187) نص على أن جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام، أو الآداب، وفي جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية، ما يعني أن كل ما يجري في المحاكمات العلانية يصبح من حق الرأي العام الوقوف عليه، ومن ثم يجوز نشره بالطرق المختلفة للنشر».
وأوضح أن «العلانية تعطي الحق لكل فرد أن ينقل ما يجري في هذه المحاكمات من إجراءات إلى الرأي العام فضلاً عن النشر الذي تقوم به الصحف، لأن الصحافة تملك حرية في نشر ما يجري في المحاكمات العلانية من إجراءات، وهذه الحرية تتمثل بحق التعبير عن الرأي من جهة، وبحق المعرفة والإعلام من جهة أخرى».
وتابع «بعض الفقهاء يذهبون إلى أن العلانية التي تتحقق عن طريق النشر، وخاصة الصحافي منه، تفوق في أهميتها تلك التي تتحقق عن طريق حضور الجمهور لجلسات المحاكمة، فالعلانية الفعلية للجلسات لا تتحقق بمجرد حضور أشخاص لا صفة لهم تجمعهم الصدفة، بل هي تتحقق عن طريق النشر بكافة وسائله».
وزاد: «لا تعد علانية المحاكمات ضمانة فردية للمتهم فقط، بل أن تلك الضمانة تنتقل للمجتمع بأسره، فإطلاع الجمهور على وقائع المحاكمات، وما تنتهي إليه المحكمة من قضاء يؤدي دون شك إلى ثقة المواطنين واطمئنانهم إلى المنظومة القضائية، وعليه فإنه لا خلاف ولا جدال فيما يتعلق بعلانية المحاكمات، فالأمر حسم دستورياً واستقر الفقه القضائي والجنائي عليه على مدار سنوات طويلة ولا مجال للشك في هذا الأمر».
واختتم التقرير أنه «بدون نشر إجراءات المحاكمة لا يمكن أن تتحقق العلانية الفعلية، وبالتالي لا تتحقق الرقابة الحقيقية على إجراءات المحاكمة، لكن على الرغم من أهمية النشر لتحقق العلانية إلا أن النشر وحده لإجراءات المحاكمة لا يكفي لتحقق العلانية لهذه الإجراءات وذلك لأنه من غير المقبول القول إن حصول الجمهور على المعلومات عن طريق الصحف أو غيرها من وسائل النشر يكفي لتحقق العلانية».
وكانت شعبة المصورين الصحافيين ولجنة الحريات في نقابة الصحافيين المصريين انتقدت في وقت سابق المقترح.
وجاء في بيان مشترك لهما أن «مثل هذا التصريح غير المفهوم أو المقبول، يعد صدمة في الوسط الصحافي وبين الزملاء المصورين على وجه الخصوص بما حمله من عقوبة قاسية، فجميعنا يعلم أن القانون يجيز التصوير والعمل الصحافي بدون قيود إلا فيما يتعلق بالأماكن والمنشآت التي تحتاج إلى تصريح خاص قبل التصوير».
وتابع البيان: «لا يمكن القبول أبداً بأن تؤدي الصورة الصحفية بصاحبها إلى الحبس لمدة عام أو الغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه».
وزاد: أن «التعديل الذي تنوي الحكومة وضعه في قانون العقوبات يشكل حصاراً آخر على عمل المصورين الصحفيين، والغريب أن يأتي هذا بعد القيود التي فرضها ما يسمى بتصريح التغطية الصحافية؛ وهو التصريح الذي صعّب من عمل المصورين وجعلهم معرضين للاستهداف والحبس رغم نصوص الدستور التي تضمن حرية التصوير وحرية الكتابة».
وطالبتا الحكومة بـ«التراجع الفوري عن هذا التعديل الذي يزيد من الحصار المفروض على مهنة الصحافة، ويخالف الدستور الذي يضمن حرية العمل الصحافي ويلغي الحبس في قضايا النشر، ويجعل الصحافيين والمصورين معرضين لعقوبات مخيفة وغير منطقية».