ترك رحيل المفكر د. عبدالستار قاسم أثراً في نفوس الفلسطينيين؛ فمواقع التواصل الاجتماعي الفلسطينية كانت تشيد بمواقفه الوطنية، ووقوفه إلى جانب المقاومة وتصديه لكل مشاريع التصفية للقضية الفلسطينية.
ود. عبدالستار اعتقله الاحتلال عدة مرات، وكتب في الأسر عن التجربة الاعتقالية وظاهرة العملاء (العصافير) داخل الأسر، وكان لهذا الكتاب فضل على الحركة الأسيرة للتحذير من ظاهرة العملاء المتلبسين بالثوب الوطني في السجون في غرف خاصة.
قامة وطنية
المهندس وصفي قبها، وزير الأسرى السابق من جنين، يقول: “البروفيسور عبدالستار قاسم القامة الوطنية العالية، المناضل والمجاهد الأسير المحرر، صوت الشرفاء، صوت المظلومين والمضطهدين، صوت المقهورين والمحرومين، الصوت المقاوم ونصير وصوت وداعم للمقاومة نصير الأسرى في سجون الاحتلال، ونصير المعتقلين السياسيين، صوت والكرامة الوطنية والإنسانية الخالصة”.
وأضاف: “رحل عنا الرجل الشجاع قلماً وحنجرة، صاحب الكلمة الجريئة والمواقف المبادئية الشجاعة والعطاءات المميزة والمشرفة، رحل عنا سيد الرجال الذي لم يُرهبه كاتم الصوت، ولم تُخفه ملاحقات أجهزة أمن سلطتنا”.
وتابع قائلاً: “رحل عنا الأكاديمي المميز، الأستاذ والمعلم والمحاضر المتألق عضو الهيئة التدريسية في العلوم السياسية والدراسات الفلسطينية في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، رحل المرجع العلمي مخرج الأجيال، مناقش ومعتمد رسائل الدراسات العليا، المفكر الحر، السياسي المخضرم، صاحب النظرة الثاقبة وصاحب الكلمة الصادقة القائد الوطني الذي آمن بقضيته وعمل من أجلها”.
رفض نهج التسوية
واستطرد قائلاً: “الراحل عبدالستار قاسم رفض نهج التسوية والمفاوضات السياسية، ووقف بقوة في وجه نهج أوسلو ومسلكيات الأسلويين، رحل من اعتبر التنسيق الأمني “خيانة عُظمى”، وتصدى للفساد والفاسدين في أروقة السلطة الفلسطينية ومؤسساتها ودوائرها المختلفة، وكان من الموقعين على بيان العشرين، رحل الكاتب والمفكر والمحلل السياسي تاركاً خلفه صدقة جارية حوالي 30 كتاباً والعشرات من الدراسات الرصينة والمقالات السياسية الوازنة، ورصيداً سياسياً ونضالياً وطنياً كبيراً”.
عبدالستار الملاحَق
د. مصطفى الشنار، المحاضر في جامعة النجاح من مدينة نابلس، قال عن الراحل قاسم: “ربطتنا علاقة قوية مع الدكتور الراحل لتشابه الحال والمواقف والمعاناة، فكلانا عانى من الاعتقال السياسي غير المبرر، وكنا نتبادل اللقاءات والحوارات في الشأن الوطني والعربي، مع العديد من الزملاء داخل الجامعة وخارجها، ووقفنا معه في محطات محنته لشعورنا بالظلم، الذي كان يقع عليه بحكم الخلل في منظومة العدالة في المجتمع الفلسطيني، التي يلاحق فيها المواطن والنخب السياسية والفكرية الفاعلة على خلفية المواقف الوطنية والسياسية التي تتعارض مع مواقف النخب المتنفذة والمهيمنة في السلطة، وكان الرجل رغم حجم الظلم الذي وقع عليه إنساناً متحضراً في إدارة الخلاف، وكانت وسيلته الوحيدة إلى جانب قلمه ولسانه، هي اللجوء إلى القضاء الذي برأه من التهم الكيدية التي ألصقت به لإسكاته، التي عانى منها من اليوم الأول لقدوم السلطة بفعل معارضته الصارمة لاتفاقية أوسلو، ووصلت حد محاولة اغتياله من مجهولين أكثر من مرة وإطلاق النار عليه، وإحراق سيارته والاعتداء عليه في الشارع العام أكثر من مرة، لكن أكثر المواقف المؤلمة التي أذكرها عنه أنه تم اعتقاله على خلفية مقالة قبيل العيد بأيام، ووضع مع السجناء الجنائيين في بيئة غير صحية، ولما تم الإفراج عنه بعد أربعة أيام فجر العيد، كان يعاني من حالة صحية سيئة، وذهب صوته من آثار البيئة غير الصحية التي وضع فيها”.
ضريبة قلمه ولسانه
وأضاف: “كانت ضريبة قلمه ولسانه ومواقفه قاسية وباهظة، وكان يُسر لي دائماً أنه شعر بالخذلان من الجميع عندما قرر عام 2005 الترشح للانتخابات الرئاسية، لكنه قرر الانسحاب عندما علم أن الفصائل الإسلامية واليسارية والوطنية المعارضة لأوسلو قررت عدم خوض الانتخابات الرئاسية لا ترشيحاً ولا دعماً أو إسناداً لأي أحد، فقرر الانسحاب، وقرر قبل وفاته بعد الحديث عن توافقات الانتخابات أن يترشح للرئاسة، ويشكل كتلة مستقلة عن الفصائل، وجمع حوله شخصيات وطنية وأكاديمية، وربما كانت له فرصة لإحداث تغيير لكن الموت كان أسرع”.
كان ربيعاً في زمن الجفاف
بدوره، قال د. عيد دحادحة، المحاضر في جامعة بيرزيت: “ارتحلَ المفكِّرُ د. عبدُالستار قاسم، الرجل الذي أدّى ما عليه، بعدما أجرى في فلسطينَ دَفَـقاتٍ تُـرَوِّي بساتينَ الإباءِ والكرامة، فقد كان ربيعا في زمن الجفاف”.
كتاب التجربة الاعتقالية
المحرَّر فتحي الحايك، من سلفيت، قال: “استطعت معرفة العملاء (العصافير) من خلال قراءة التجربة الاعتقالية للراحل عبدالستار قاسم قبل الاعتقال، وذلك عام 1987، وعندما سألني ضابط التحقيق: كيف عرفت العصافير العملاء؟ أخبرته عن كتاب التجربة الاعتقالية لعبدالستار قاسم”.
جنازته استفتاء
جاءت جنازة المفكر الراحل من مدينة طولكرم إلى مسقط رأسه في دير الغصون شمال طولكرم لتكون بمثابة استفتاء على ما كان عليه من تصد للظلم ومقاومة كل أشكال التصفية للقضية الفلسطينية وظاهرة الفساد.
النائب التشريعي عن حركة “حماس” الحاج أحمد الحاج علي قال في تأبينه أثناء عملية الدفن: “عبدالستار قاسم أدى ما عليه من مقاومة لكل أشكال الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فهو صاحب إرادة، وأغاظ كل الفاسدين والمحتلين، فهو لديه بصمة لن تنسى، وسيكون بعده جيل يواصل المسيرة التي كان عليها عبدالستار قاسم”.
المحرر القيادي عمر البرغوثي من بلدة كوبر في رام الله الذي أمضى أكثر من 30 عاماً في السجن، وهو شقيق الأسير نائل البرغوثي الذي دخل عامه الاعتقالي الـ40 في سجون الاحتلال، ووالد شهيد وأسير محكوم بالسجن المؤبد، وهدم الاحتلال منزله، ألقى كلمة نارية قال فيها: “أنت صوت المظلومين والمقهورين والمجروحين، وصوت الأسرى، وصوت من لا صوت له، فقدناك ولكن نحن امتدادك وأنت تحت التراب، وسيكون لك شارع باسمك في يافا وعكا وصفد بعد التحرير؛ فيافا وحيفا قبل رام الله ونابلس.. لن يكون ضياع لإرثك الغالي، فنم قرير العين”.