د. أحمد عيسى
أصدرت مؤخراً شركة «YouGov” المختصة ببيانات الرأي العام تقريراً عن الجيل القادم للألعاب والرياضات الإلكترونية، أوضحت فيه تفضيلات وسلوكيات اللاعبين عبر 24 سوقاً عالمياً، وقد أدت ظروف العزلة الناجمة عن جائحة فيروس كورونا إلى ارتفاع نسبة اللعب والإدمان عليه، في هذا المقال سنناقش أبعاد الموضوع ومشكلاته خاصة على الشباب والأطفال.
الألعاب استحوذت عليَّ حتى اعتبرت أبنائي نوعاً من التشويش لأنهم يريدون بعضاً من وقتي!
أمضى أحد مدمني الألعاب الإلكترونية 48 ساعة كاملة أمام الكمبيوتر، وقال: “استحوذت الألعاب عليَّ، ووصلت في مراحل متقدمة إلى اللعب طوال اليوم، وكل يوم”، وتابع: “اعتبرت أبنائي نوعاً من التشويش لأنهم يريدون بعضاً من وقتي، في حين لم أكن قادراً على إعطائهم من وقتي وحبي، أتذكر أنني كنت أصرخ في شريكتي لتبعد الأطفال عنيّ”!
وقال أحد المعالجين: إن من مرضاه فتاة في الثامنة عشرة قالت: إن الألعاب استحوذت على حياتها منذ بدأت اللعب على هاتفها قبل ستة أشهر، وقالت: إنها تشعر بالخزي والخجل، فعزلت نفسها عن أسرتها وأصدقائها، ولزمت غرفتها، “وأحياناً يصيبني التعب الشديد بسبب السهر من أجل اللعب، وينعكس الأمر على مزاجي وأفقد التركيز، أتمنى ألا أعتمد على الألعاب لأشعر بالرضا عن نفسي، وأستغل وقتي المهدر لعمل شيء مجدٍ”(1).
مرض اضطراب الألعاب
أدرجت منظمة الصحة العالمية إدمان الألعاب الإلكترونية ضمن الأمراض النفسية، ووفقاً لصفحة المنظمة حول اضطراب الألعاب، فإنه يوصف «بضعف السيطرة على الألعاب، وإعطاء أولوية متزايدة للألعاب على الأنشطة الأخرى إلى الحد الذي تنال فيه الألعاب الأسبقية على الاهتمامات الأخرى والأنشطة اليومية، واستمرار أو تصاعد اللعب رغم حدوث عواقب سلبية»، وقالت المنظمة: إن الإدراج يعتمد على مراجعات الأدلة، ويعكس إجماع الخبراء من مختلف التخصصات والمناطق الجغرافية الذين شاركوا في عملية المشاورات الفنية، كما يأتي أعقاب تطوير برامج العلاج للأشخاص الذين يعانون من ظروف صحية مماثلة، وسيؤدي إلى زيادة اهتمام المتخصصين بمخاطر تطوير هذا الاضطراب، وزيادة اتخاذ تدابير الوقاية منه وعلاجه(2).
بحسب توقعات شركة “YouGov”، يعد الهاتف المحمول أكبر منصة للألعاب في جميع الأسواق، خاصة في آسيا، ومع ذلك؛ فإن ألمانيا لديها ضِعف عدد مستخدمي أجهزة الألعاب، وبريطانيا لديها ضعف عدد مستخدمي ألعاب الكمبيوتر، يمثل اللاعبون المعتدلون (يلعبون لمدة 1 – 10 ساعات في الأسبوع) أكثر من نصف لاعبي الهواتف الذكية في كل بلد، 12% منها تلعب بكثافة (10 – 25 ساعة في الأسبوع)، يوافق 53% من مشجعي الرياضات الإلكترونية على أنه إذا قامت شركة برعاية فريقهم، فسوف يشترون منتجاتها مقارنة بحوالي 31% من مشجعي كرة القدم.
تايلاند تتصدر ألعاب الفيديو بنسبة 82% ثم الفلبين 80% وبالشرق الأوسط مصر بنسبة 68% تليها الإمارات فالسعودية
وتعد منطقة الشرق الأوسط سوق ألعاب سريعة النمو، إذ تطورت قدرات السكّان من ممارسة الألعاب غير الرسمية إلى ألعاب الواقع الافتراضي والمشاركة في الرياضات التنافسية، ومع تزايد مجتمع اللاعبين النشطين وانتشار الإنترنت، فمن المرجح أن تشهد صناعة الألعاب والرياضات الإلكترونية في المنطقة طفرة كبيرة، وتظهر الدراسة أنه في مجال ألعاب الفيديو، تتمتع دول جنوب شرق آسيا بأعلى نسبة من اللاعبين؛ حيث تتصدر تايلاند بنسبة 82% من السكّان الذين يلعبون ألعاب الفيديو، ثم الفلبين بنسبة 80% من السكّان اللاعبين، أمّا في منطقة الشرق الأوسط، فتتمتع مصر بأعلى نسبة من هواة ألعاب الفيديو بنسبة 68% من السكّان اللاعبين، تليها الإمارات 65%، ثم السعودية 61%(3).
في عصر تسوده قواعد تباعد اجتماعي، ويحفل بالضغوط النفسية، يبدو أن ممارسي ألعاب الفيديو على الإنترنت، وجدوها وسيلة لجلب قدر من الراحة؛ وهو ما ظهر في التزايد الهائل في الإقبال على تلك الألعاب خلال فترة الوباء؛ حيث وجد فيها الكثيرون وسيلة تواصل مطلوبة، بل إن الألعاب صارت تجتذب من كانوا يرفضونها، ففي أمريكا أظهرت إحدى الدراسات أن 80% مارسوا إحدى ألعاب الفيديو خلال الشهور الستة السابقة للبحث، ولذا لم يكن مستغرباً أن يزدهر قطاع تلك الألعاب على نحو كبير، في وقت تمر فيه قطاعات كثيرة بضائقة شديدة، ويتوقع زيادة أرباحه بنسبة 20%، لتبلغ قرابة 175 مليار دولار(4).
ممارسة الأطفال لألعاب الفيديو أكثر من 9 ساعات أسبوعياً تشكل خطراً عليهم بمشكلات سلوكية
الشباب والأطفال
لماذا ينجذب الشباب لألعاب الفيديو؟ قد يكون هذا راجعاً لأنواع التسلية التي تمنحها من التسلية الشاقة أو السلسة أو الجادة، أو التسلية الجماعية مع الأصدقاء، وأظهرت دراسة أن ممارسة الأطفال لألعاب الفيديو لأكثر من 9 ساعات أسبوعياً تشكل خطراً عليهم بمشكلات سلوكية، وصراع مع نظرائهم وتقليل مهاراتهم الاجتماعية، وأن ممارسة ألعاب الفيديو لمدة ساعة أو ساعتين فقط أسبوعياً ترتبط بتحسن المهارات الحركية وبعض القدرات الإدراكية(5).
وقد تسببت لعبة “الحوت الأزرق” في حدوث حالات انتحار عديدة لأطفال ومراهقين في أنحاء العالم، وقد أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى بتحريم المشاركة في اللعبة، وطالبت “من استُدرج للمشاركة في اللعبة أن يسارِع بالخروجِ منها”، وناشدت دار الإفتاء الآباء مراقبة سلوك أبنائهم، وتوعيتهم بخطورة هذه الألعاب القاتلة، وأهابت بالجهات المعنية تجريم اللعبة، ومنعها بكل الوسائل الممكنة، لما تمثله من خطورة(6).
ويمكن أن تؤدي مشكلة الألعاب الرقمية إلى عدد من النتائج السلبية للأطفال والمراهقين، بما في ذلك: التضحية بعلاقات الحياة الحقيقية، وقلة العلاقات الواقعية، والهوس بالألعاب، وقلة المشاركة في الأنشطة خارج المنهج المدرسي، وقلة النوم، وقلة الانتباه والتركيز، وزيادة العدوان ومشاعر العداء، وانخفاض الأداء المدرسي، ومشكلات في الذاكرة اللفظية، والضغط العصبي، وتدني احترام الذات، والشعور بالوحدة، واختلال آليات المواجهة، والتحديات النفسية الجسدية(7).
ساعد طفلك أن يختار اللعبة المفيدة البعيدة عن العنف والقتل والإجرام والإباحية والأفكار الوثنية
نصائح للوقاية
– اختيار الألعاب: إذا كان ولا بد من لعبة إلكترونية؛ فساعد طفلك أن يختار اللعبة المفيدة، البعيدة عن العنف، والقتل، والإجرام، والإباحية، والموسيقى الصاخبة، والأفكار الوثنية، أو إهانة للمقدسات، وأن يكون اللعب نافعاً، تعود فائدته على النفس أو الذهن أو البدن، وألا يشغل عن واجب شرعي، كأداء الصلاة أو بر الوالدين، أو واجب حياتي كالعمل وطلب العلم النافع.
– وضع الحدود: إذا كان طفلك يقضي وقتاً طويلاً مع الألعاب الإلكترونية، فيجب تعيين حدود زمنية، وعليك أن تتمسك بقرارك، حدد مسبقاً عدد الساعات والأيام، مع تخصيص يوم واحد أسبوعياً لألعاب الفيديو.
– الأنشطة البديلة: أشركْ طفلك في أنشطة بديلة، مثل حفظ القرآن، والقراءة من الكتب الورقية كسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، أو الرسم، أو الألعاب التركيبية، أو مسابقات المعلومات، وشجعهم على فعل الأشياء الإبداعية، واطلب منهم مساعدتك في الأعمال المنزلية، مثل إعداد مائدة العشاء أو طي الغسيل.. ستمنحك هذه الأنشطة أيضاً فرصة لقضاء وقت ممتع معهم.
– الهواء الطلق: شجعهم على الخروج واللعب معك، أو مع أصدقائهم (مع مراعاة الاحتياطات الصحية).
– جائزة أو مكافأة: اجعل طفلك يكسب امتياز اللعب، فيمكنك السماح له باللعب لمدة ساعة إذا قرأ كتاباً أو قام بعمل منزلي؛ فسيؤدي ذلك إلى تطوير مهارات إدارة الوقت عنده ومساعدته على تحديد أولويات الأنشطة.
– الاقتراب والتفاهم: أفضل طريقة لمنع الطفل من إدمان ألعاب الفيديو هي التحدث إليه مباشرة، اشرح له العواقب السلبية للإدمان، كن على اتصال مفتوح معهم حتى لا يحجموا من مشاركة مخاوفهم معك، ومن وقت لآخر راقب ساعات لعبهم ونوع الألعاب، ولا تحتفظ بالهاتف أو الكمبيوتر الشخصي في غرفة أطفالك.
اشرح له قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال؛ عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه»، ووضح له أن الوقت رأس مال الإنسان، وهو مسؤول عنه أمام الله.
_______________________________________________________________________
(1) ألعاب الفيديو: «فقدت وظيفتي وأسرتي بسبب الألعاب الإلكترونية» BBC 15 March 2019.
(2) Addictive behaviours: Gaming disorder. WHO, 14 September 2018.
(3) Gaming and esports next generation. https://yougov.co.uk/topics/technology/articles-reports/2020/10/21/gaming-and-esports-next-generation
(4) الألعاب الإلكترونية: كيف تساعد في الحفاظ على صحتنا النفسية في زمن الكورونا؟ BBC 23 December 2020
(5) https://www.dw.com/ar 30 October 2016 دراسة: اللعب طويلاً بالألعاب الإلكترونية خطر على الأطفال
(6) كيف يمكن تجنيب الأطفال والمراهقين مخاطر ألعاب الفيديو؟ BBC, 3 July 2018.
(7) Kuss DJ. Internet gaming addiction: current perspectives. Psychol Res Behav Manag. 2013;6:125–137.