خلّف لقاء رئيس المجلس الرئاسي الليبي الجديد محمد يونس المنفي، بالجنرال الانقلابي خليفة حفتر، موجة استياء في المنطقة الغربية، وخيبة أمل لدى بعض داعميه، وقلقاً لدى آخرين بشأن تداعيات اللقاء على مستقبل البلاد، فيما اعتبره آخرون “واقعية سياسية”.
فالمنفي، المنحدر من مدينة طبرق (شرق)، اختار أن تكون أولى جولاته الميدانية إلى مدينة بنغازي مركز إقليم برقة، الذي يمثل حاضنته الشعبية.
لكن المنطقة الشرقية بالكامل خاضعة للسيطرة العسكرية لمليشيات حفتر، ما حتم على المنفي أن يبدأ زيارته لبنغازي في 11 فبراير الجاري، بلقاء حفتر، حيث كان في استقباله قيادات تابعة لمليشيات الأخير.
رئيس المجلس الرئاسي الجديد تبنى فكرة المصالحة بين الليبيين وتوحيد المؤسسة العسكرية، لذلك فإن لقاءه حفتر يدخل ضمن هذا السياق، باعتبار الأخير أحد أطراف النزاع.
البعض اعتبر اللقاء “واقعية سياسية” بينما خلق لدى آخرين قلقاً بشأن تداعياته على مستقبل ليبيا
رد الجميل
ويعلق محمود الشمام، الكاتب والإعلامي المحسوب على حفتر، على منتقدي هذه الزيارة قائلاً: الساذج سياسياً هو من اعتقد أن الرئيس الجديد المنفي يحط رجله (يزور) في بنغازي دون موافقة حاكمها الفعلي، على حد وصفه.
ويزعم شمام أن أنصار حفتر في ملتقى الحوار أدوا دوراً حاسماً في فوز المنفي برئاسة المجلس الرئاسي على حساب عقيلة صالح، رئيس مجلس نواب طبرق، حليف حفتر.
وفي هذا الحديث تلميح إلى أن المنفي التقى حفتر في إطار “رد الجميل” لوقوفه إلى جانبه ضد عقيلة صالح، الذي أحبط في 2020 محاولة الجنرال الانقلابي إعلان نفسه رئيساً للبلاد، عبر “تفويض شعبي”.
أول القصيدة كفر
لكن وجهة النظر هذه لم تلق قبولاً من عدة أطراف في المنطقة الغربية، وعلى رأسهم خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، الذي اعتبر أن الزيارة “تمثل رسالة سلبية لليبيين، ولا علاقة لها بالتوافق بعد كل ما تسبب فيه حفتر من دمار ومآسٍ”.
فأول زيارة لأي رئيس دولة بعد انتخابه تُختار بعناية شديدة، لأنها تمثل مؤشراً حول التوجهات والتحالفات المقبلة، لذلك اعتبر لقاء المنفي بحفتر، بمثابة إعلان ولاء.
إذ إنه قبل عقد أول اجتماع للمجلس الرئاسي الجديد، أو منح مجلس النواب الثقة للحكومة، اختار المنفي لقاء حفتر، ما أظهره، بحسب محللين، “كمن يرتمي في أحضان العسكر، ويعلن خضوعه لهم”.
الشمام: حفتر دعم المنفي للتخلص من حليفه عقيلة صالح والهيمنة على إقليم برقة
وعلق عبدالرحمن الشاطر، عضو مجلس الدولة، في تغريدة: “الخطوة الأولى التي أقدم عليها المنفي بزيارته حفتر، ينطبق عليها قول: أول القصيدة كفر”.
وأثار الشاطر، في تصريح صحفي، مسألة مكان اجتماع المنفي، وحفتر، التي أسالت الكثير من الحبر، قائلاً: لقاء المنفي بحفتر شابه إشكالية المكان، فهل ذهب له في الرجمة (مقر قيادة حفتر ببنغازي) أم جاءه حفتر في فندق إقامته للتهنئة؟ في الحالة الأولى خنوع الرئيس لمرؤوسه، وفي الحالة الثانية استباق من حفتر ليسجل نقطة مهمة.
بينما يوضح المحلل السياسي فرج دردور أن اللقاء لم يتم في الرجمة، كما روج له إعلام حفتر، وإنما تم في فندق الفضيل ببنغازي، حيث يوجد مكتب لحفتر هناك.
ويلفت دردور إلى نقطة مهمة، تتعلق بتحكم حفتر في الإخراج الإعلامي لزيارة المنفي، قائلاً: قام حفتر بمنع وسائل الإعلام من مرافقة المنفي، وانفرد به إعلام “الكرامة” فقط، وقام بالتقاط صور معينة ومقطع فيديو لكي يُظهر أن المنفي من أتى لحفتر، وأن السلطة المدنية من تخضع للسلطة العسكرية.
فبغض النظر عن وجاهة لقاء المنفي، حفتر أو واقعيته، فإن توقيته وترتيبه أربك المشهد السياسي، لأن الأخير أكثر شخصية جدلية في البلاد، وحروبه في الشرق والغرب تركت جراحاً يصعب التئامها.
كما أن المنفي لم يستشر نائبيه موسى الكوني، وعبدالله اللافي بشأن الزيارة المثيرة للجدل، ما قد يرسل إشارات يمكن أن يساء فهمها، مع العلم أن قرارات المجلس الرئاسي لا تصدر إلا بإجماع أعضائه الثلاثة، بحسب توافقات ملتقى الحوار.
خاسرون ورابحون
أفقدت هذه الزيارة المنفي بعض النقاط من رصيده الشعبي لدى أنصاره وحلفائه بالمنطقة الغربية، الذين كانوا يأملون في أن تزيح السلطة التنفيذية الجديدة حفتر من المشهد الليبي.
لكن المنفي قد يحتاج بعض الوقت لاستعادة الثقة لدى الفاعلين السياسيين والعسكريين في المنطقة الغربية، خصوصاً وأنه لم تكن له مواقف مؤيدة لحفتر، بل كان عضواً في مجلس الدولة في طرابلس، وسفيراً سابقاً لحكومة الوفاق لدى اليونان.
دردور: حفتر استحوذ على الإخراج الإعلامي لزيارة المنفي لتأكيد استمرار دوره في المرحلة المقبلة
بالمقابل سجل حفتر نقاطاً لصالحه، بتكريس هيمنته على المنطقة الشرقية وتوجهه نحو إزاحة عقيلة من ساحة الهيمنة والنفوذ في إقليم برقة، بالتحالف مع المنفي.
ولا يستبعد أن يتحالف النواب الموالون لحفتر، مع نظرائهم في برلمان طرابلس، خلال اجتماعهم في مدينة صبراتة، للإطاحة بعقيلة صالح من رئاسة مجلس النواب بعد توحيده، ما يعني إنهاء مساره السياسي كفاعل رئيسي في المعادلة الليبية.
وسيسعى حفتر في هذه المرحلة للحصول على مكافأته مقابل دعمه للمنفي، من خلال تعيينه على رأس المؤسسة العسكرية بعد توحيدها، وتعيين موالين له ضمن التشكيلة الحكومية التي يعدها عبدالحميد دبيبة، والاستفادة من مناصب سامية في الدولة لصالح مقربين منه.
ومن المتوقع أن تضم الحكومة الجديدة موالين لحفتر، غير أن توليه قيادة الجيش الليبي تتطلب موافقة المجلس الرئاسي بالإجماع.
وهذه مسألة صعبة في ظل رفض قطاع واسع من القيادات العسكرية والسياسية البارزة في الغرب الليبي، أي دور يمكن أن يمارسه الجنرال الانقلابي في المرحلة الانتقالية وما بعدها.
فالمشهد السياسي يُعيد تشكيل نفسه بأسماء جديدة، غير أن حفتر ما زال المتغير الثابت في هذه المعادلة، ويقاوم الانقراض، رغم أن خصومه يُحملونه المسؤولية الكبيرة عن تعثر ثورتهم، وانزلاق البلاد في أتون الحرب الأهلية، وما خلفته من دمار ومآسٍ.