في حلقة جديدة من حلقات تفشي ظاهرة “الإسلاموفوبيا” في فرنسا، تحولت إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس إلى محور للنقاشات في الشارع الفرنسي حول التمييز.
يأتي ذلك بعد قيام مدرس في إحدى ثانويات منطقة “تراب” باتهام المسلمين بالاستيلاء على المنطقة ودفع المسيحيين واليهود لمغادرتها إلى مناطق أخرى، زاعمًا تعرضه للتهديد من قبل مسلمين.
وأشار عدد من سكان “تراب”، لـ”الأناضول”، إلى أن قيام المدرس “ديدييه لومير” بسَوْق هذه المزاعم وتركيز السياسيين ووسائل الإعلام الفرنسية على الخوض فيها يندرج في إطار حملة دعائية من أجل الترويج لمشروع قانون “النزعات الانفصالية” الجاري مداولته في البرلمان.
وأمس الثلاثاء، صوتت الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة الأولى بالبرلمان)، في قراءة أولى لصالح مشروع قانون مكافحة “الانفصالية”، الذي يستهدف المسلمين وليس أعداء الجمهورية، كما يراه كثيرون، وسيحال للنقاش في مجلس الشيوخ أبريل المقبل.
وإلى جانب المسلمين، يعيش في منطقة “تراب” العديد من المسيحيين واليهود من أصل أوروبي، وخاصة البرتغاليين، وقد بدأت وسائل الإعلام الفرنسية قبل أيام بنشر أخبار تتماشى مع مزاعم “لومير”، وتتهم المسلمين بالاستيلاء على المنطقة.
وبهذا الخصوص، قالت إحدى طالبات مدرسة “La Plaine-de-Neauphle” الثانوية، حيث يعمل لومير: إنها غير مرتاحة لأن المنطقة التي ولدت ونشأت فيها باتت متهمة بمزاعم “الانفصال عن فرنسا”.
وأشارت الطالبة، مفضلةً عدم نشر اسمها، أن مزاعم مدرسها لا تعكس الحقيقة، وقالت: “لا يوجد في منطقتنا حياة مبنية على التمييز بين الأفراد، في منطقتنا يعيش المسيحيون والمسلمون معًا”.
وأكدت الطالبة أنه على الرغم من اختلاف أسلوب حياة المجتمعات التي تعيش في المنطقة، فإن الاستمتاع بقضاء الوقت معًا يعد دليلًا على الانسجام الاجتماعي.
وأضافت: “السكان المسلمون في تراب يشعرون بالقلق للغاية، فنحن في مكان صغير ونخشى أن تؤثر هذه النقاشات على حياتنا التعليمية”.
وتابعت موضحةً: “نشعر بالخوف من التقدم إلى مدارس وجامعات في مدن أخرى، نخشى أن يتم رفضنا لأننا أتينا من تراب”.
وأشارت الطالبة إلى أن طلاب مدرستها يشعرون بعدم الراحة من تواجد الإعلاميين بشكل مستمر أمام المدرسة وإعدادهم تقارير غير دقيقة عن منطقتها.
بدورها، اشتكت زيردي زوليكا، التي تدير مطعمًا في “تراب” منذ 7 سنوات، من قيام وسائل الإعلام الفرنسية والسياسيين بتحويل المنطقة إلى مادة في حملة دعائية.
وذكرت زوليكا أن التقارير الإعلامية التي يجري إعدادها حول وجود حالة من العزل الاجتماعي بين المجتمعات الموجودة في المنطقة “لا تعكس الحقيقة”.
وتابعت: “لا أعرف المدرس الذي أطلق تلك المزاعم، لكن سمعت أنه قد تراجع عن كلامه”.
وشددت أنه “علينا أن نسأله (المدرس) لماذا طرح مثل هذه الكذبة، لماذا يسعى للتجريح بسكان المنطقة؟ هل هناك قوة أو سلطة ما أجبرته على اختلاق تلك الأكاذيب؟”.
يجب الكف عن تهميش بعض المناطق الفرنسية
وأشارت زوليكا إلى أن سكان منطقة تراب يعيشون بسلام وانسجام وفق القيم الإنسانية والعالمية مثل بقية المناطق في فرنسا، وأنها لم تشهد حدوث مشكلة اجتماعية أو صراعات.
وتابعت: “يوجد مركز شرطة بالقرب منا، يمكنك الذهاب إلى هناك والسؤال عن الوضع الأمني للمنطقة، هل شهدوا أي مشكلات في هذا المكان منذ 7 سنوات على الأقل؟ أبدًا لا”.
وأردفت قائلةً: “الجميع في المنطقة يحترم بعضهم بعضاً، إلا أن بعض السياسيين يعملون على تحويل هذه المنطقة إلى أداة للدعاية تخدم مشاريعهم الخاصة”.
وأضافت مستنكرةً: “كل ما نريده هو أن يتركنا رجال الإعلام والسياسيون في فرنسا وشأننا، بما أننا لا نضايق أحداً فلا يجب أن يضايقونا، نحن في إحدى ضواحي فرنسا العادية، كلنا مواطنون فرنسيون، الاحترام هو كل ما يتطلبه الأمر للعيش معًا”.
وأشارت زوليكا إلى أن أتباع مختلف الديانات بمن فيهم البوذيون والملحدون والمسلمون والمسيحيون، يعيشون في المنطقة جنبًا إلى جنب في ظل أجواء تسودها الأمن والاحترام المتبادل، مؤكّدة أن السكان لا يستطيعون فهم استهداف الإعلام الفرنسي لمنطقتهم.
وأشادت بالأنشطة التي ينفذها رئيس بلدية المنطقة “علي رابح”، وقالت: “إنه (رابح) ينفذ سلسلة من الأنشطة الخاصة بالأطفال من التعليم إلى الثقافة والسفر والموسيقى منذ عدة سنوات”.
وتابعت: “بصفتي امرأة أشعر بالأمان، فأنا أمارس الرياضة والمشي في هذه المنطقة، أولئك الذين يغادرون تراب سرعان ما يعودون إلى هنا مرة أخرى بعد فترة لأنهم اعتادوا على الفسيفساء التي تمنح هذا المكان جماله الخاص”.
من الطبيعي ممارسة العبادة بالعربية في المسجد وبالفرنسية في الكنيسة
بدورها، قالت فيرسترايتن سيلفيه: إنها تعيش في “تراب” منذ 32 عامًا، وإنها تعيش في المنطقة مع أطفالها وأحفادها، مشيرة إلى أن المشكلات الموجودة لا تختلف عن مشكلات المدن الأخرى في فرنسا.
وشددت على أن المنطقة تشهد حياة اجتماعية غنية، وأنه ليس من المعقول التعامل مع جميع المسلمين كإرهابيين لمجرد ذهاب بعض الذين عاشوا في “تراب” إلى سورية وانضمامهم إلى تنظيم “داعش” الإرهابي.
وذكرت سيلفيه أن بعض السياسيين ينتقدون ممارسة المسلمين لشعائرهم الدينية بالعربية، وقالت: “يقولون: إن تراب مليئة بالمصلين العرب، نعم هذا صحيح، بقدر ما أن المنطقة مليئة بالمصلين الذين يتعبدون في الكنيسة باللغة الفرنسية اللاتينية”.
واستطردت: “يوجد في المنطقة أيضًا كنيس يهودي، يتعبد الناس فيه باللغة العبرية”.
وأكدت أن المنطقة تعيش مناخًا من التسامح ليس من الصحيح تجاهله، كما أن سكان الحي ودودون ويشتهرون بالتعاون والتسامح مع الآخرين.
في غضون ذلك، أعلن علي رابح، رئيس بلدية “تراب”، تلقيه تهديدات عديدة عقب المزاعم التي ساقها “لومير” تجاه المنطقة.
وأشار رابح عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي أنه تقدم بشكاوى رسمية للسلطات الفرنسية المعنية على خلفية تلقيه بعض التهديدات العنيفة.
وذكر أن الجهات الأمنية طالبته بأخذ التهديدات على محمل الجد وإبلاغها بكل التطورات.