لا يحق للمقدسيين الاقتراع في انتخابات البرلمان “الإسرائيلي” (الكنيست) لأنهم لا يحملون الجنسية “الإسرائيلية” بل الهوية الزرقاء التي تصنفهم مقيمين لا مواطنين، ويقف المقدسي متفرّجاً على هذه العملية التي ستجرى في 23 مارس المقبل للمرة الرابعة في غضون عامين.
وفي حال كان حق الاقتراع متاحاً للمقدسيين، فإنهم سيعزفون عن المشاركة في الانتخابات، كما صرح بعضهم لـ”الجزيرة نت”؛ لأن نسبة مشاركتهم في انتخابات البلدية -التي يحق لهم التصويت بها- لا تتجاوز في أحسن الأحوال 2% لإدراكهم ضرورة مقاطعة انتخابات المؤسسة التي تعمل دوائرها المختلفة يوميًا على التضييق عليهم لدفعهم إلى الهجرة خارج المدينة، ومن ثمّ فقدان حق إقامتهم بها.
المقدسي عبد الكريم أبو سنينة (56 عاماً) شهد على عدد من انتخابات الكنيست، وقال: إن المقدسيين لا يأبهون لسيرها ولا لنتائجها، واعتادوا أن يجلدهم اليمين “الإسرائيلي” بشكل علني بهدم منازلهم والاعتداء على مقدساتهم واعتقالهم ومصادرة أراضيهم، في حين يستخدم اليسار الأسلوب الناعم، وهما وجهان لعملة واحدة.
وأضاف، في حديثه لـ”الجزيرة نت”: “لن نحقق كفلسطينيين شيئاً عن طريق التصويت ولا الترشح للكنيست، وفي العاصمة المحتلة يتمتع المقدسيون بوعي عال تجاه موضوع الانتخابات “الإسرائيلية”، ويعزفون حتى عن تلك التي يتاح لهم المشاركة بها”.
ديمقراطية زائفة
وعلّق أبو سنينة على الانتخابات البرلمانية المقبلة في “إسرائيل” ساخراً بقوله: إن العملية الديمقراطية تتكرر للمرة الرابعة على التوالي في غضون عامين، في دولة تدّعي الديمقراطية ولا تمارس أيًّا من أشكالها على الأرض.
أبو سنينة كمعظم المقدسيين تعرض على الصعيد الشخصي لكثير من الإجراءات التعسفية إذ هُدم منزله في حي البستان ببلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى، ولوحق في قبر عائلته، كما يستهدف الاحتلال حي وادي الربابة الذي يقطن فيه حالياً، وهذا جميعه بإيعاز من أذرع الحكومة “الإسرائيلية” المختلفة، فكيف لمقدسي أن يستبشر بانتخاباتها خيراً؟ حسب تعبيره.
معاناة مضاعفة
ويتوافق رأي السيدة المقدسية دلال نجيب -التي تسكن في حي باب حطة بالبلدة القديمة- مع رأي أبو سنينة، وقالت: إن معاناة المقدسيين تتضاعف يوماً بعد يوم منذ احتلال المدينة عام 1967، وإنهم لا ينتظرون شيئاً من حكومة محتلة تسعى جاهدة لتنغيص حياتهم ودفعهم إلى الهجرة من المدينة.
“يضيّقون على سكان البلدة القديمة عيشهم يومياً ويخالفون التجار فيها سعياً إلى تفريغها، وأشهد يومياً على إجراءات الشرطة في المسجد الأقصى المجاور لمنزلي، ولولا أننا شعب صابر هدفه أجر الرباط في هذه المدينة لغادر معظم المواطنين منذ زمن بعيد، لأن ما يتحمله المقدسي لا يمكن لأي إنسان على الكرة الأرضية تحمّله”.
ولا تتأمل نجيب خيراً من أي حكومة “إسرائيلية” مستقبلية، مشيرة إلى أن الأهداف باتت واضحة وعلنية بحسم الديمغرافيا لمصلحة اليهود في المدينة، وتحويل المقدسيين إلى أقلية مبعثرة لا يمكنها تشكيل أي قوة أو جسم يمثلها في العاصمة المحتلة.
الكاتب والمحلل السياسي المقدسي راسم عبيدات قال: إن المقدسيين يطمحون إلى انتخابات تعبّر عن هويتهم وانتمائهم الفلسطيني، وليس إلى انتخابات تتمخض عنها حكومة “إسرائيلية” جديدة، مضيفاً أن الرفض المقدسي الواسع للمشاركة بانتخابات البلدية يؤكد أن المسألة لا تتعلق بتحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية وإنما برفض المقدسي الاعتراف بسيادة الاحتلال على مدينة القدس.
صمود رغم التيه
وعن الأسباب وراء عدم اكتراث المقدسيين بسير العملية الانتخابية في الكنيست، قال عبيدات: إن كل الحكومات اليمينية واليسارية لم تغير شيئاً بوضع المقدسيين، بل عملت على ممارسة مزيد من التهويد في العاصمة المقدسة.
“هناك حالة من الضياع يعيشها الفلسطينيون بالمدينة لافتقادهم إلى مظلة تمثلهم، وتشكل حاضنة لحماية هويتهم وقوميتهم، في ظل انعدام سيادة السلطة الفلسطينية على المدينة وإغلاق مؤسساتها، ومع ذلك لا بد من استمرار المطالبة بضرورة دعم صمودهم أمام إجراءات الاحتلال التعسفية اليومية”.
ومع انطلاق الدعاية الانتخابية للأحزاب المتنافسة في انتخابات الكنيست المقبلة تحدث أستاذ الدراسات “الإسرائيلية” في جامعة القدس المفتوحة عادل شديد، عن مدى حضور القدس في الدعاية الانتخابية للأحزاب “الإسرائيلية”.
وقال: إن المدينة كانت تأخذ مساحة مهمة في النقاش والحملات الانتخابية عندما كان الحديث يتمحور حول حلّ الدولتين والانسحاب من القدس الشرقية، لكنها لم تعد كذلك على الأقل في العامين الأخيرين لتركز الحملات الانتخابية على قضيتين: الأولى بقاء رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو أو رحيله، والثانية علاقة الدين بالدولة والنقاشات المتشعبة في هذا المجال، ومن ثمّ لم تعد تحتل القدس ولا القضية الفلسطينية مكانة مهمة في النقاش “الإسرائيلي” العام المرتبط بالانتخابات.
وعما إذا كان السبب في تغييب المدينة عن الحملات الانتخابية يتعلق بأن “إسرائيل” تعدّ المدينة بشقيها الشرقي والغربي عاصمة موحدة لها ولا نقاش مستقبلاً حول ذلك، أوضح شديد أن هذا هو السبب الرئيس؛ إذ تتصرف “إسرائيل” بشكل علني أن موضوع القدس أُسقط من النقاش وحسم لمصلحتها، خاصة بعد إعلان ترمب، ولا عودة لهذا الموضوع مستقبلا، وتدرك تماما أنه من الصعب على أي إدارة أميركية إلغاء قرارات ترمب خاصة فيما يتعلق بموقع السفارة الحالي في القدس.
وعما إذا كانت جماعات الهيكل تستخدم المسجد الأقصى للضغط على الأحزاب في دعايتها الانتخابية، قال الأكاديمي المتخصص في الشأن “الإسرائيلي”: إن “هذه الجماعات الآن أقوى من أي وقت مضى، وأصبحت جزءاً من النظام والحالة السياسية في “إسرائيل”، ومن ثمّ لا يجرؤ أحد من الأحزاب مثلاً على التطرق إلى موضوع نقل شرقي القدس التي تضم المسجد الأقصى إلى السلطة الفلسطينية”.