نشر موقع “المونيتور” مقالاً تحليليًا عن الأسباب الحقيقية وراء زيارة “حزب الله” الاستثنائية إلى روسيا، حيث استهل الكاتب والمحلل السياسي أنتون مارداسوف تقريره بالكشف عن تفاصيل الزيارة بقوله: وصل وفد من “حزب الله” اللبناني برئاسة رئيس الكتلة النيابية للحركة محمد رعد إلى موسكو، في 14 مارس، في زيارة لمدة 4 أيام عشية الذكرى العاشرة لبدء الحرب السورية.
وفي 15 مارس، استقبل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الوفد الذي ضم رئيس العلاقات الخارجية في “حزب الله” عمار الموسوي ومساعده أحمد مهنا، كما أجرى الوفد محادثات منفصلة مع ميخائيل بوجدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي والممثل الرئاسي الخاص للشرق الأوسط.
زيارة وفد “حزب الله” إلى روسيا جاءت بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية “الإسرائيلي” أشكنازي
ويلفت الكاتب الانتباه إلى مصادفة غريبة وهي أن زيارة وفد “حزب الله” إلى روسيا جاءت بالتزامن تقريباً مع زيارة وزير الخارجية “الإسرائيلي” جابي أشكنازي، الذي وصل موسكو في 17 مارس، علاوة على ذلك، جرت محادثات “حزب الله” مع لافروف في نفس اليوم الذي عقد فيه نائبان لوزير الخارجية الروسي، وهما أوليج سيرومولوتوف، وسيرجي ريابكوف، لقاء مع نائب المدير العام للشؤون الإستراتيجية بوزارة الخارجية “الإسرائيلية”، جوشوا زرقا، ومن المعروف أن سيرومولوتوف، الرئيس السابق لجهاز مكافحة التجسس التابع لجهاز الأمن الفيدرالي وترقى إلى رتبة جنرال بالجيش، يشرف على إجراءات مكافحة الإرهاب؛ لذا فإن سلسلة الاجتماعات هذه تبدو أكثر من مجرد مصادفة.
ويضيف الكاتب أن أي اتصالات رسمية بين موسكو و”حزب الله” تثير ضجة، وليست المشكلة فقط في تصنيف الحركة كجماعة إرهابية من قبل دول كثيرة بما فيها “إسرائيل”، بل أيضاً في طبيعة علاقات “حزب الله” بالدبلوماسيين والمسؤولين الأمنيين وأجهزة المخابرات في روسيا، ويمكن للمرء أن يتذكر الضجة التي اندلعت في ديسمبر عندما تهم السفير الروسي في “إسرائيل” أناتولي فيكتوروف “تل أبيب” بزعزعة استقرار الوضع في الشرق الأوسط بدرجة أكبر من طهران، وحاول فيكتوروف أيضاً التبرير للمنظمات العسكرية المتحالفة مع طهران، وخاصة “حزب الله”.
موسكو سئمت من الصراع وترغب في تجميد إيران و”حزب الله” نشاطهما في المنطقة
ويقول الكاتب: إن زيارة “حزب الله”، في 15 مارس، تعد ثاني زيارة رسمية للحركة إلى موسكو، وجاءت الأولى في أكتوبر 2011، وضم الوفدان رعد، المقرب لزعيم “حزب الله” حسن نصر الله، وبالنظر إلى الفاصل الزمني بين الرحلتين، فمن المنطقي مقارنة دوافع الزيارتين، خاصة أنه لم يكن هناك نقص في الاتصالات بين ممثلي موسكو و”حزب الله” على الأراضي اللبنانية في الفترة الفاصلة.
وبينما وصل الوفد الأول لـ”حزب الله” بدعوة من البرلمان الروسي، اتسمت المحادثات بالسرية، وكانت هذه السرية مفهومة لأن “حزب الله” كان يحاول قياس مواقف روسيا من نقطتين رئيستين؛ الأولى: مدى قبول موسكو للخطوط الحمراء الشيعية بشأن التعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان ومقرها هولندا، التي سعت للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005، ثانياً: وربما الأهم، سعي “حزب الله” إلى قياس مستوى دعم موسكو لرئيس النظام السوري بشار الأسد.
وعن دوافع الزيارة يقول الكاتب: كانت دوافع روسيا في ذلك الوقت غير واضحة، ففي عام 2011 زعمت روسيا أنه ليس لديها مصالح في سورية، بينما كان خبراؤها يفكرون في إمكانية حدوث انقلاب ضد الأسد، وبحسب بعض التقارير، حتى “حزب الله” لم يكن لديه رأي موحد حول مدى الدعم الذي يجب أن يقدمه للأسد، مع وجود كثير من الانتقادات للأسد وخاصة في الجناح السياسي للحركة.
موسكو تسعى إلى زيادة نفوذها من خلال أدوات القوة الناعمة في المنطقة
وهذه المرة، كانت رحلة “حزب الله” أكثر انفتاحاً، ووصف رعد محادثاته التي استمرت 40 دقيقة مع لافروف بأنها كانت منفتحة وصريحة، ويرى مراقبون أن هناك سببين يستدعيان زيارة ممثلي حزب الله لروسيا.
يتعلق السبب الأول بالخطة الفرنسية للتغلب على الأزمة السياسية في لبنان، وكان لافروف قد أيد المبادرة علناً، كما شدد في محادثاته مع “حزب الله” على أهمية تشكيل حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري لمساعدة البلاد على الخروج من الأزمة الحالية، ومع الأخذ في الاعتبار الزيارة الأخيرة إلى موسكو من قبل أمل أبو زيد، مستشار الرئيس ميشال عون، يبدو أن هدف موسكو الحقيقي كان إقناع “حزب الله” وعون وصهره جبران باسيل بالتوقف عن عملية تخريب الدولة التي تجري الآن في لبنان.
ويتعلق السبب الآخر بالحرب السورية، فقد سئمت موسكو من الصراع، ومع ذلك، فإن خطتها لتحقيق السلام تفترض مسبقاً أن إيران و”حزب الله” سوف يجمدان بطريقة ما نشاطهما في المنطقة.
وظاهرياً، تعد هذه الأسباب جذابة ومنطقية، ومع ذلك، فقد أفرطت في تبسيط الوضع إلى حد ما، ويبدو فعلاً أن روسيا سعت لتأجيل زيارة “حزب الله” إلى موسكو بسبب رحلة لافروف إلى الشرق الأوسط، وبالتالي فإن توقيت اللقاء مع “حزب الله” غير مرتبط بالمحادثات مع الحريري.
روسيا تحاول إضفاء الشرعية على نظام الأسد من خلال إثارة احتمالية تراجع الوجود الإيراني في سورية
ثانياً: لدى روسيا مصالحها الخاصة في لبنان، وتسعى موسكو إلى زيادة نفوذها من خلال أدوات القوة الناعمة وعبر نشر المشاريع الاقتصادية السياسية التي تنفذها شركتا روسنفت ونوفاتك.
ثالثاً: ربما تفضل موسكو الوقوف ضد الخطة الفرنسية للبنان، بالرغم من الدعم العلني لمبادرات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتفضل موسكو على الأرجح عدم انتقاد أي عروض بناءة علنا نظراً للوضع المتدهور بسرعة في لبنان والمشكلات التي يخلقها ذلك للعملة السورية.
رابعاً: ربما تحاول روسيا إضفاء الشرعية على نظام الأسد من خلال إثارة احتمالية تراجع الوجود الإيراني في سورية، رغم أن كلاً من طهران و”حزب الله” يسعيان لترسيخ وجودهما في البلاد، وفضلاً عن ذلك فإن الوضع الحالي للعلاقات بين لبنان وروسيا يتطلب أن ينسق اللاعبون مواقفهم.
وإجمالاً: فإن القضايا الرئيسة ذات الاهتمام المشترك بين روسيا وإيران و”حزب الله” هي المأزق السياسي في لبنان ومستقبل نظام الأسد، ونجح الأسد في البقاء، لكنه لا يستطيع السيطرة على الموارد النفطية والزراعية في شرق البلاد وحل مشكلة الاكتفاء الاقتصادي الذاتي، ومن الصعب حل كلتا القضيتين دون تنازلات جدية قد تكون تكلفتها أعلى من تكلفة التدخل في حرب خارجية.