فيما أعلن نائب وزير الدفاع الأمريكي، ديفيد نوركفيست، في العام الماضي، أن القوات الأمريكية تنوي إجراء نحو 40 تجربة لصواريخ فرط صوتية قبل عام 2024. ثم يجب أن يبدأ الجيش الأمريكي يتسلم هذه الأسلحة.
كشف تقرير رسمي أمريكي أن هناك مشاكل تواجه برنامج وزارة الدفاع الأمريكية لتطوير الأسلحة فرط الصوتية التي تعادل سرعتها خمسة أمثال سرعة الصوت وما يزيد.
فمثلا، ما زالت الولايات المتحدة تفتقر إلى تكنولوجيات متطورة لتصنيع هذه الأسلحة.
وجاء في تقرير كتبه خبراء جهاز المحاسبات التابع للكونغرس الأمريكي: “إننا اكتشفنا عددًا من التكنولوجيات المهمة التي لم ترتق في وقت إطلاق البرنامج، إلى مستوى التطور اللازم، وهو ما قد يعيق تحقيق أهداف البرنامج”.
ومن المعوقات التي قد تطيل مدة تحقيق البرنامج تعقيدات فنية تتعلق بقدرة الأنظمة فرط الصوتية على تحمل الضغط الشديد أثناء التحليق.
ووفق الخبير العسكري الروسي إيغور كوروتشينكو، فإن الولايات المتحدة لا تملك السلاح فرط الصوتي ولن تحصل عليه في الأعوام القريبة المقبلة.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أفادت وسائل الإعلام الروسية باختبار صاروخ جديد أُطلق من قاعدة “دومباروفسكي” في جبال “الأورال”، وليس هذا بجديد، فقد عُرف عن موسكو تنوع وتعدد تجاربها الصاروخية، ولكن الجديد الذي كشف عنه تقرير “الإيكونوميست” هو أن الصاروخ مدرج تحت الأسلحة “فرط الصوتية”.
وأطلقت موسكو الصاروخ نحو سماء البلاد، ولكن الرأس الحربي لم يعاود التوجه نحو الأرض بل اتجه تلقائياً بسرعات خارقة نحو هدف مخطط على بعد آلاف الكيلومترات في “كامشاتكا”، ووصف الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” تجربة الصاروخ “أفانجارد” بالهدية المثالية للعام الجديد.
ما الأسلحة “فرط الصوتية”؟
السلاح “فرط الصوتي” هو عبارة عن صاروخ يمكنه الانطلاق بسرعة “5 ماخ” – أي أسرع خمس مرات من سرعة الصوت على الأقل – وهو ما يعني أن بإمكانه اجتياز ميل (1.6 كيلومتر) في الثانية الواحدة.
كانت هناك تجارب في الماضي لتحليق طيران تجاري بطائرات “كونكورد” بسرعات تفوق الصوت (واحد ماخ فأعلى)، وتم إنهاء هذا المشروع لاحقاً، ولكن هناك محاولات حديثة لإحياء الفكرة، وهناك مقاتلات حربية تخدم في جيوش دول مختلفة تفوق سرعاتها “2 ماخ” أو “3 ماخ”.
يجري تطوير نوعين من أسلحة فرط صوتية حالياً، الأول الصواريخ “الجوالة” المزودة بمحركات نفاثة تدفعها لاجتياز سرعات الصوت، والآخر “الرؤوس الحربية فرط الصوتية” التي يمكن إطلاقها من مقاتلات، وهناك بالفعل أنواع من الصواريخ الجوالة “كروز” تنطلق بأسرع من الصوت مثل “توما هوك”.
لكن الصواريخ فرط الصوتية مختلفة لأنها تعتمد على الإطلاق في الطبقات العليا من الغلاف الجوي – أعلى من الصواريخ الباليستية التقليدية – ثم تنفصل منها الرأس الحربي فرط الصوتية بسرعات هائلة نحو مستويات أدنى (إلى الأهداف المحددة).
على غرار “أفانجارد”، يمكن لهذا النوع من الصواريخ حمل رؤوس نووية أو رأس حربي تقليدي ينطلق بسرعات هائلة لتدمير أهداف بدقة شديدة دون الحاجة لوقود دافع – بل باستخدام الطاقة الحركية فقط.
من أجل عدم التقليل من أهمية تأثير الطاقة الحركية، يمكن تخيل كيلوجرام من مادة “تي إن تي” شديدة الانفجار تنطلق بأسرع عشر مرات من الصوت تستخدم الطاقة الحركية.. ما حجم القوة التدميرية وقتها؟
تعد الصواريخ الباليستية الحالية سريعة للغاية لكنها ليس لديها القدرة على المناورة بنفس درجة الصواريخ الجوالة التي تتميز بقدرتها على المناورة – لكنها ليست سريعة للغاية.
أما الصواريخ فرط الصوتية، فقد جمعت بين السرعة الخارقة والقدرة على المناورة وضرب وتدمير أهداف بعيدة المدى.
سباق تسلح من نوع جديد
بالطبع، تثير التجربة الحديثة لصاروخ “أفانجارد” القلق حيث تسلط التجربة الضوء على بدايات لسباق تسلح من نوع جديد لن يقتصر هذه المرة على روسيا والولايات المتحدة فقط بل تدخل أيضاً الصين على خط المنافسة.
تستعد القوى الثلاث لعصر جديد من الصواريخ الأسرع والأذكى والأعلى قدرة على التدمير، وفي ظل تركيز التنافس على موسكو وواشنطن وبكين، لا يجب إغفال قوى أخرى لديها التكنولوجيا والقدرة الاقتصادية لتطوير أسلحة فرط صوتية، ومن بينها فرنسا والهند وأستراليا.
تعمل اليابان ودول أوروبية على تطوير محركات فرط صوتية لكن لاستخدامات مدنية مثل محركات الدفع الصاروخية للمركبات الفضائية.
كيف يمكن التصدي للأسلحة فرط الصوتية؟
تشكل الصواريخ فرط الصوتية تحدياً كبيراً أمام أنظمة الدفاعات الجوية نظراً لأنه بإمكانها مراوغة الرادارات المعادية نتيجة التحليق على أطوال موجية قصيرة والتحول نحو مستويات منخفضة أدنى من موجات الرادار بالإضافة إلى عدم إمكانية التنبؤ بمسارها.
بالتالي، لا توجد أنظمة دفاع جوية (حالياً) لها القدرة على التصدي للأسلحة فرط الصوتية نظراً لكون هذه الأنظمة مخصصة لاكتشاف الصواريخ الباليستية ضعيفة المناورة – ذات سرعات أدنى – فضلاً عن تحليقها على مستويات مرتفعة.
كشفت دراسة أجراها مركز “RAND” البحثي أن انطلاق صاروخ أسرع عشر مرات من سرعة الصوت نحو هدف على بعد ألف كيلومتر سيقلل زمن القدرة على ردعه إلى ست دقائق، وهو زمن طويل في الحروب.
في المرحلة القادمة، ستركز دول متقدمة على استكشاف وسائل للدفاع عن نفسها في مواجهة هذا الجيل الجديد من الأسلحة، ولكن المشكلة ستكمن في التكلفة الباهظة، حيث إن الأمر سيتطلب مستشعرات تثبت في الفضاء يمكنها تتبع الأسلحة فرط الصوتية ورؤوسها الحربية كبداية.