لا شك أن الشريعة الإسلامية دائماً تحث على حسن التصرف في كل موقف وحسب نوع الموقف، ومن هذه التصرفات الحسنة التي دائماً يحثنا عليها دين الله تعالى ما هو ظاهر وبيّن بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: “إِيَّاكُم وَالْجُلُوسَ في الطُّرُقاتِ”، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، فقال صلى الله عليه وسلم: “فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِس فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ”، قالوا: ومَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رسولَ اللَّه؟ قال عليه الصلاة والسلام: “غَضُّ الْبَصَر، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بالْمَعْروفِ، والنَّهْيُ عنِ الْمُنْكَرِ”.
في هذه الرواية أعلاه الجميلة تحمل نظرة شاملة لحسن التصرف والتعامل مع الطريق ومن هم في الطريق؛ ففيها فن التعامل وحسن التصرف مع الجالس والمار والمسالم المسلم ورد السلام، ولا شك يحمل الكثير من السلوكيات الراقية التي تنسجم مع الشريعة والأخلاق الإسلامية.
ولا شك أن من يطبق ما صدر في هذه الرواية سيكون مشمولاً بثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وذلك بقوله: “نضَّر الله امرءًا سمِع مقالَتي فوعاها وحفِظها وبلَّغها فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقهُ منه”.
وأيضاً من حسن تصرف المؤمن أن يكون ذا فطنة وكياسة، وإذا مر بتجربة سلبية يتجنبها مستقبلاً أو يصححها حتى لا يقع فيها مرة ثانية والعكس صحيح، وهذا التصرف الحسن أظهره لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”.
نعم.. حسن التصرف يحتاج إلى المعرفة والتجربة والاستفادة من التجارب سلباً وإيجاباً لتكون الحصيلة المعرفية للإنسان هي الموجه لحسن التصرف، ولا شك حينها يكون حسن التصرف له أثره على الآخرين ومن ثم الاقتداء والسماع بدقة ووعي ومن ثم التأثير الإيجابي على الغير.
حسن التصرف أمر يدركه أو يتعامل فيه صاحب التجربة والمعرفة والعقل الراجح الذي استفاد من تجاربه في حياته سلباً وإيجاباً، وحقيقة سورة يوسف في القرآن العظيم؛ تؤكد وتبين رجاحة العقل وبُعد النظر، ومن ثم حسن التصرف الذي نطق به سيدنا يعقوب عليه السلام وهو ينصح ولده نبي الله يوسف عليه السلام يوم أن قص عليه الرؤيا؛ فقال له: لا تتحدث في رؤياك هذه لإخوتك، ومن ثم يزداد تصرفهم السلبي نحو أخيهم يوسف لفطنته وإدراكه لتصرفاتهم التي توحي بالمكيدة، وذلك حينما قال: (يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً) (يوسف: 5).
من حسن التصرف في الدعوة إلى الله تعالى أن تبدأ بالأيسر والتدرج مع المقابل، بالأخص إذا ما شعرت أن المقابل له إقبال على قبول الدعوة، وهذا منهج نصحنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك يوم أن نصح سيدنا معاذ عند إرساله إلى اليمن؛ فقال له: “إنَّك تأتي قومًا أهلَ كتابٍ فليكن أوَّلُ ما تدعوهم إليه شهادةَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، فإنْ هم أطاعوا لك بذلك فأعلِمْهم أنَّ اللهَ افترضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في اليومِ واللَّيلةِ، فإنْ هم أطاعوا لك فأعلِمْهُم أنَّ اللهَ افترضَ عليهِم صدقةً تُؤخذُ من أغنيائهم فترَدُّ في فقرائِهم”.
هذه الرواية مدرسة ومنهج لوضع الخطوط والمحاور لحسن التصرف خطوة بخطوة، وكل خطوة لها مرحليتها وزمنها التي تهيئ المقابل لاستقبال الخطوة التي بعدها.
فمعرفة المقابل من الأمور المهمة التي تجعل الإنسان يجيد حسن التصرف مع المقابل، فلذلك من حسن الدعوة أن تبدأ مع المقابل بالمتفق عليه وتؤجل المختلف عليه كما قال الداعية الإمام الشهيد حسن البنا يرحمه الله تعالى: “نبدأ بالمتفق عليه ونؤجل ما اختلفنا عليه”.
ولا شك نحن في زمن متسارع في كل شيء؛ وخصوصاً في الأخبار ونقل المعلومات، فلذلك نكون أكثر حاجة لحسن التصرف، مع نشر الإشاعات والغبش، وإشاعة الكذب المتعمد أحياناً، وحتى لا يكون أحدنا ضحية هذه الإشاعات والأكاذيب، فلا بد من الوعي ومتابعة الحصفاء وتصرفاتهم والاستفادة من خبراتهم وأقوالهم وأفعالهم، حتى لا نقع فيما لا تحمد عقباه بسوء التصرف.
ومن حسن التصرف:
(وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) (النساء: 86).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: 6).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) (المائدة: 101).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) (محمد: 33).
(وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة: 195).
(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) (لقمان: 15).
(وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) (الأنفال: 60).
(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104).
________________
إعلامي كويتي.