شهدت الساحة الدولية تحركات حثيثة في الفترة الماضية بين عدد من الدول الكبرى والأمم المتحدة، لبحث الوضع الإنساني الحرج في سورية، وقد ناقشت دول أعضاء بمجلس الأمن الأسبوع الماضي في اجتماعات غير رسمية، عناصر مسودة مشروع قرار تتعلق بالتجديد لقرار مجلس الأمن رقم (2533)، المتعلق بعمليات تقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود للشمال الشرقي والشمال الغربي لسورية عبر باب الهوى على الحدود التركية السورية الذي تنتهي صلاحيته في 11 يوليو القادم.
وشهدت المساعدات الإنسانية تراجعاً العام الماضي، بسبب منع روسيا والصين الداعمين الأساسيين لنظام الأسد في مجلس الأمن، من استخدام المعابر المتعددة في إيصال المساعدات، وحصر ذلك بمعبر “باب الهوى” الذي يسيطر عليه النظام؛ وكانت الأمم المتحدة قد توقفت عن استخدام تلك المعابر بسبب استخدم حق النقض من موسكو وبكين، ضد آلية عابرة للحدود تستخدم أربعة معابر، ولم تبق إلا على معبر باب الهوى مفتوحاً.
الموت يطارد السوريين
قال مارك لوكوك، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أمام اجتماع لمجلس الأمن، خصص لبحث الوضع الإنساني في سورية: “إن الاحتياجات في سورية أصبحت أكبر من أي وقت مضى، ويقدر أن هناك أكثر من 13 مليوناً في جميع أنحاء سورية يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وهي زيادة بنسبة 20% عن العام الماضي”.
وأضاف: “كما تعلمون الصراع في سورية بلغ عامه العاشر، ولا يزال الموت والدمار والتشريد والمرض والرعب واليأس يطارد السوريين”، مستدركاً: “فاقم الأمر التراجع الاقتصادي الكبير، الذي زادت من حدته جائحة كوفيد – 19، وأدى إلى زيادة تلك الاحتياجات، حيث انخفضت قيمة الليرة السورية لمستويات غير مسبوقة، وزادت أسعار الأغذية بشكل لا مثيل له، ونتيجة لكل هذا نرى ارتفاع مستويات الجوع وسوء التغذية بما فيها بين الأطفال الرضع”.
من جهته، ناشد رئيس الجلسة، وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي ترأس بلاده مجلس الأمن هذا الشهر، المجتمع الدولي وضع خلافاته جانباً ومد يد العون لملايين السورين الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية ماسة.
وأكد ضرورة أن تضع الدول الأعضاء في مجلس الأمن خلافاتها جانباً وتسمح بإعادة فتح كل من معابر؛ باب السلام واليعربية والتجديد لاستمرار تقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود عبر باب الهوى.
يشار إلى أن المعابر الثلاثة أغلقت بسبب استخدام كل من الصين وروسيا للفيتو ضد التجديد لاستخدامها العام الماضي، وهناك مخاوف دولية بأن روسيا قد تصر على تقديم المساعدات حصرا عبر معبر باب الهوى الذي يسيطر عليه النظام السوري، حيث تؤكد تقارير دولية أنه يضع العراقيل اللوجستية والبيروقراطية أمام تدفق المساعدات.
وتابع بلينكن حديثه بالقول: “يحتاج اثنان من بين ثلاثة سوريين لمساعدات إنسانية، و60% يواجهون خطر الجوع، وفيما يجتمع مجلس الأمن لنقاش الوضع الإنساني في سورية كل شهر فإن هذه الأرقام الضخمة تتزايد، وقد ننسى في خضم النقاشات أن وراء هذه الأرقام أنفس بشرية وليست مجرد أرقام”.
وختم بلينكن حديثه بالقول: إن “الحل الوحيد للصراع في سورية هو سياسي بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن رقم (2254)، ولكن إلى حين التوصل إلى حل لا يمكن أن نغفل الحاجة الماسة التي يعاني منها السوريون، ومن الواضح أن النظام السوري لن يلبي هذه الاحتياجات الماسة، بما فيها الحصول على الغذاء والدواء الكافي”.
من جهتها، استعرضت المديرة التنفيذية لـ”يونيسف” وضع أطفال سورية ومعاناتهم خلال السنوات العشر الأخيرة؛ بما في ذلك النقص الحاد بالاحتياجات الأساسية للملايين منهم.
وتشير معلومات المنظمة الدولية إلى أن قرابة 12 ألف طفل في سورية جرحوا أو قتلوا خلال السنوات العشر الأخيرة، كما يحتاج قرابة 6 ملايين طفل إلى المساعدات الإنسانية، وهو رقم يشكل نسبة 90% من عموم أطفال سورية، وبحسب معلومات المنظمة فإن هناك قرابة نصف مليون طفل سوري دون سن الخامسة يعانون من “التقزم” بسبب سوء التغذية المزمن.
وفي وقت سابق كشفت “يونيسف” في تقرير لها بمناسبة مرور عشر سنوات على اندلاع الحرب في سوريا، أنها تسببت في مقتل وإصابة حوالي 12 ألف طفل، ونقل التقرير عن المديرة التنفيذية لـ”يونيسف”، هنرييتا فور قولها: “لا يمكن أن تمر هذه الذكرى كمجرد معلم قاتم آخر يمر مرور الكرام على نظر العالم، بينما يستمر كفاح الأطفال والعائلات في سورية”.
وأضافت: “لا يمكن للاحتياجات الإنسانية أن تنتظر، ينبغي للمجتمع الدولي أن يبذل قصارى جهده لإحلال السلام في سورية وحشد الدعم للأطفال”.
وبحسب التقرير، فإن مرور عقد من الصراع خلف أثراً مريعاً على الأطفال والعائلات السورية، إذ ارتفع سعر السلة الغذائية العادية في العام الماضي أكثر من 230%.
مخاوف من “فيتو” جديد
ومع تجدد المساعي الدولية لإحياء العمل بقرار مجلس الأمن رقم (2533)، الداعم لعمليات تقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود، تشير التكهنات إلى احتمال معاودة داعمي الأسد في المجلس استخدام حق النقض من جديد، ووضع حد لآمال السوريين بالمساعدات الأممية.
برز ذلك في مزاعم ساقها السفير الروسي للأمم المتحدة ومجلس الأمن، فاسيلي نبنزيا، خلال اجتماع المجلس الشهري حول الوضع الإنساني في سورية، في 25 فبراير الماضي، قال فيها: “علينا أن نقول بكل جدية: إنه لو كان علينا أن نقرر يوم غد حول التجديد للآلية العابرة للحدود، فأخشى أنه لا يوجد لدينا أي سبب يدفعنا للإبقاء عليها”.
وأكد: “ضرورة إعطاء الأولوية وزيادة تقديم الأمم المتحدة للمساعدات عبر خطوط التماس” أي عبر الأراضي التي يسيطر عليها النظام، وعلى ضرورة أن تكثف الأمم المتحدة من تعاونها مع النظام السوري بشكل أكبر في هذا المجال.