بعد تصعيد رسمي وحديث عن “خط أحمر” مصري في مواجهة الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي، ورصد الحكومة المصرية تصعيداً في الشارع، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.. عادت مصر لأسلوب التهدئة؛ ما أثار تساؤلات حول أسباب ذلك.
بعد أسبوع واحد من تهديد الرئيس المصري بـأن “المساس بمياه النيل لمصر خط أحمر”، و”اللي عايز يجرب يجرب”، على حد قوله، عاد لخطاب التهدئة ونفي نية مصر الحرب، وتذكير المصريين بأنها جلبت الخراب على البلاد حين هُزم الجيش المصري في حرب اليمن 1962 وفي سيناء 1967م.
ثم عادت القاهرة لتتحدث عن أن “التعاون (مع إثيوبيا) أفضل”، و”حجم تكلفة الحروب”.
وقال وزير الري، إن “الحرب قرار صعب لا ينبغي لأحد أن يلجأ إليه إلا إذا أصبح هو الخيار الأخير”، مضيفاً أن هناك خطوات عديدة يجب أن تسبق مثل هذا القرار كالمفاوضات واللجوء إلى المجتمع الدولي.
وتحدث عن استعدادات مصرية للملء الثاني لسد النهضة؛ ما يشير ضمنا لاحتمالات عدم الرد بعنف على أثيوبيا إذا بدأت الملء الثاني للسد في يوليه المقبل.
4 احتمالات
دبلوماسيون ونشطاء قالوا لـ “المجتمع” إن هناك أربعة احتمالات وراء هذا التراجع، وحديث القاهرة عن مخاط الحروب وآثارها الضارة، وتذكير المصريين بكوابيس حرب اليمن وهزيمة يونيو 1967:
أولها وأهمها:
رفض الدول الكبرى (أمريكا الصين أوروبا روسيا) حيث حذرت الخارجية الأمريكية من “أي خطوات أحادية في أزمة سد النهضة”، وطالبت بـ”مواصلة التفاوض حتى التوصل إلى حل”.
دبلوماسيون قالوا إن رسائل أمريكية نُقلت للقاهرة عقب تصعيد مصر وحديث عبد الفتاح السيسي 30 مارس 2021م عن الخط الأحمر، تحذر من أي تصرف عنيف أو ضربة عسكرية لإثيوبيا.
كما أن رسائل فرنسية مماثلة لا تحبذ استخدام طائراتها الرفال في أي “عدوان” على إثيوبيا، واعتبرت روسيا أن هذا يضر أسطولها وقاعدتها الجديدة البحرية في السودان.
عزز هذا قول الدكتور أحمد المفتي العضو السابق بالوفد السوداني في مفاوضات سد النهضة، بأن أمريكا ستفرض تسوية على السودان ومصر لصالح إثيوبيا حتى يتم ملء السد، وتمتلك إثيوبيا القنبلة المائية وبعد ذلك تفرض إرادتها.
وقد حذر خلال لقاء على “الجزيرة مباشر” 10 أبريل 2021م من “طبخة أمريكية لصالح إثيوبيا”، وقال: “اتضح أن المجتمع الدولي بقيادة أمريكا لا يحبذ الخيار العسكري، وترك إثيوبيا لتفرض الأمر الواقع على السودان ومصر”.
وأقر بأن “المواجهة كانت الكارت الوحيد الذي تملكه السودان ومصر، والآن فقدتاه لمجرد إشارات من أمريكا أنها لا تريد المواجهة، والآن السودان ومصر لا تملكان أي كروت، والكروت كلها بيد إثيوبيا لأنها مصرة على موقفها”.
الاحتمال الثاني:
أن يكون السودان قد رفض خيار الحرب خلال اللقاءات العسكرية بين مسئولي البلدين، والأفكار التي طرحت حول استغلال أراضي السودان لانطلاق الطائرات المصرية أو فرق لتعطيل عمل السد.
وقد استبعد السودان 8 أبريل 2021م الخيار العسكري لحل الخلاف مع إثيوبيا في أزمة سد النهضة، وأكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان، أن “بلاده ليست لديها نوايا لاستخدام العنف أو العمل العسكري مع دول الجوار”.
وقالت وزيرة الخارجية السودانية، مريم المهدي، في مؤتمر صحافي بالدوحة، إنه “لا مجال للخيار العسكري لحسم النزاع مع إثيوبيا في ملف سد النهضة”، مؤكدة: “نتحدث عن الخيارات السياسية”.
خبراء عسكريون قالوا إن التدريب بطائرات الميج 29 المصرية في السودان يشير إلى أنها الطائرات التي وقع عليها الاختيار لتقوم بضرب السد إذا قررت مصر ذلك، ولكن مداها قصير ولا يمكنها الانطلاق من مصر.
لهذا فالخيار الوحيد هو السودان الذي يخشى انتقاما إثيوبيا بإطلاق صواريخ على سدود سودانية وإغراق مدن سودانية.
الاحتمال الثالث:
أن يكون الجيش المصري ذاته رافض للتدخل عسكريا في إثيوبيا بسبب التداعيات الدولية، وما حذر منه السيسي أن التدخل سيكون له آثار إقليمية ودولية.
ومعروف أنه سبق للجيش المصري أن رفض من قبل دخول ليبيا برا أو المشاركة برا مع السعودية في حرب اليمن بعدما حذر خبراء من تكرار سيناريو 1962م.
الاحتمال الرابع:
أن السيسي نفسه لا يحبذ المغامرة العسكرية لأن أعباء الحرب أو الأزمة التي قد تنشب لو قصف مصر السد ستزيد من أعباء وتدهور الاقتصاد المصري، وأنه لم يقصد بتصريحاته الدخول في حرب، ولكنه اكتفى بالتحذير والتهديد بها كورقة تفاوض دون نية الفعل.
ويرى الخبراء أن هذا سبب تراجع السيسي وحديثه لاحقا عن عدم جدوى الحرب وأن “التعاون والاتفاق (مع أثيوبيا) أفضل كتير من أي حاجة تانية”.
وقد بدأت وسائل الإعلام المصرية تهاجم من يدعون للحرب، وعلق المذيع عمرو أديب على ما قال إنه “ترويج البعض للحرب ضد أثيوبيا”، قائلا “هناك دائمًا حلول قبل الوصول إلى الحل العسكري”، موضحًا أن “التلويح باستخدام القوة يعد بمثابة الحرب”!
وقال خلال تقديمه لبرنامجه “الحكاية” المذاع عبر فضائية “mbc مصر”، مساء الجمعة 9 أبريل 2021، إن هناك ابتزازًا عسكريًا من قبل كل الدول المعادية لمصر لجرها للدخول في حرب، معلقًا: “كل الناس اللي بتكرهنا.. لا أستثني منهم أحدًا كلهم.. رأيهم أننا لازم نحارب”!.
وأضاف أن الدول المعادية لمصر بدأت تبدي إعجابها بالجيش المصري ولصفقات الأسلحة التي تعقدها مصر، معقبًا: “فجأة دول كلهم اتكلموا، ففهمت اللعبة هو عاوز يزقك (يدفعك) في أي لحظة لحرب”.
وأشار “أديب” إلى ذكريات مصر الأليمة مع حرب اليمن عام 1962، مضيفًا أن الحرب هي القرار الباقي الوحيد، خاصة أنها تؤثر سلبًا على الشعوب.
ويحاول عبد الفتاح السيسي تحجيم التطلعات الشعبية والخطاب الإعلامي المطالب بحسم قضية سدّ النهضة عسكرياً، ويتحدث عن “التكلفة العالية التي تترتب على أي مواجهات عسكرية”.
وكان السفير عبد الله الأشعل قال في رسالة مفتوحة عبر حسابه على فيس بوك إنه: “لا سبيل لإنقاذ مصر من مكر إثيوبيا وتعنتها بعد الاستخفاف بمصر والمصريين؛ ولذلك أنصح بدراسة ضرب السد أو تخريبه وإلزام إثيوبيا باحترام القانون الدولي”.
وقال: “ما لم ينفذ الخيار العسكري أيا كان حجمه؛ فإن مصر معرضة للفناء بعد أن تعرضت للإهانة وجرح الكرامة”.
وأكد أنه لا بد لمصر أن تراجع جدياً علاقاتها بمن يعينون إثيوبيا مثل “إسرائيل” وبعض الدول الأخرى، ولا بد لمصر من أن تنسحب من الإعلان (إعلان المبادئ 2015م) الذي استغلته إثيوبيا بكل المكر وسوء النية.