ضمن جولاته الخارجية المتواصلة، وصل رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة إلى العاصمة الروسية موسكو برفقة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي، ووزيري الخارجية والنفط والغاز، ليكون في استقبالهم رئيس الوزراء الروسي.
زيارات يحاول عبد الحميد الدبيبة من خلالها إحداث توازن دولي تجاه الملف الليبي، وإيجاد نقطة التقاء بين أطراف فرقتهم المصالح في الأراضي الليبية، وأخذ كل منهم يشق طريقه المضاد لطريق الآخر.
تأتي زيارة أمس إلى الكرملين عقب زيارة حافلة أجراها رئيس الوزراء الليبي إلى العاصمة التركية أنقرة على رأس وفد وزاري ضخم، توجت بإبرام عديد الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بمختلف المجالات، لتتجدد معها أواصر العلاقة الليبية التركية المتينة.
ومن أراضي الحليف التركي إلى قلاع الكرملين، حيث الزعيم الروسي فلاديمير بوتين أبرز اللاعبين الدوليين في الملف الليبي، وصاحب ورقة الضغط القوية التي أقلقت العالم بأسره، شركة فاغنر الأمنية.
واحد من أكثر الملفات تعقيدا سيطرقه الدبيبة مع بوتين الذي وجدت أياديه الخفية طريقها إلى المياه الدافئة، بل ووضعت يدها على الذهب الأسود الليبي، فكيف سيبلي الدبيبة مع رفقائه في هذه المسألة؟ هل سينجح في رهان التسويات الدولية؟ أم أن بوتين سيظل يتنكر لذراعه غير الرسمية لتكمل ما بدأته؟
مؤشرات إيجابية
المحلل السياسي الليبي إبراهيم بلقاسم يرى أن هناك مؤشرات إيجابية من موسكو عن حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، فروسيا لها مصالح واستثمارات في ليبيا بمجال النفط والغاز وإعادة الاعمار والمجال العسكري، وما تريده هو تجديد التعاون والشراكة، بما يضمن المحافظة على مصالحها.
وما تريده ليبيا هو أن تصبح روسيا داعمة للسلطة في تنفيذ استحقاقاتها بدءا من الخدمات مرورا بخروج المقاتلين الأجانب، ووصولا إلى الانتخابات، بحسب قوله.
«روسيا لن تنسحب إلا بضمانات»
في حديث لصحيفة القدس العربي، أبدى الصحفي والكاتب السياسي الليبي موسى تيهو ساي رأيا قريبا من سابقه، حيث قال: “زيارة الدبيبة إلى روسيا مهمة للغاية، حيث يشكل الوجود الروسي الخشن في لبببا “الفاغنر” تحديا كبيرا في إطار توحيد المؤسسات الأمنية، وأعتقد أن موسكو لا تنوي أي انسحاب قريب من ليبيا إلا إذا تلقت ضمانات عديدة”.
وأوضح تيهو ساي ما المقصود بالضمانات في حديثه مبينا أنها تتنوع إلى استثمار كبير في قطاع الطاقة بليبيا، ورعاية مصالحها الاقتصادية بشكل يضاهي الاستثمار الغربي في الأراضي الليبية، خاصة في مجالات صناعة النفط والغاز، السياحة، إعادة الأعمار، وتفعيل العقود الأمنية والعسكرية السابقة المتوقفة منذ الإطاحة بالزعيم الليبي السابق معمر القذافي.
وأشار الكاتب الليبي إلى أن رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة يعي ذلك باعتباره رجل أعمال يفهم لغة الاستثمارات والمصالح الاقتصادية، موضحا أن الروس يريدون مزاحمة الغرب في ليبيا الجديدة، وأن لا تكون منطقة نفوذ خاصة بالقارة العجوز وحدها، على حد تعبيره.
ويشير إلى حديث بلقاسم وتيهوساي، مرافقة كل من رئيس الأركان العامة للجيش الليبي، ووزيري الخارجية والنفط والغاز، كما أن المكتب الإعلامي لحكومة الوحدة الوطنية ذكر أن الزيارة ستتناول ملفات التعاون الاقتصادية والعسكرية، في دلالة على سير الحوار الروسي الليبي إلى منحى التفاوضات.
من الممكن أن ينجح الدبيبة في مفاوضاته مع الدب الروسي، وذلك بتقديم ضمانات لا يستطيع بوتين رفضها، خاصة وأن الوقت ربما بات يداهم الروس، فالحليف التركي ما زال موجودا، والاتفاقيات الأخيرة المبرمة معه تجعله الشريك الاستراتيجي الأول لليبيا، كما أن البيت الأبيض يواصل ضغوطاته لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، خاصة وأن هذه البقعة من العالم تعد منطقة نفوذ لحلف شمال الأطلسي، والقوات الأمريكية في إفريقيا “الأفريكوم” واستمرار التواجد الروسي بها يعد أمرا مزعجا للغاية، ولا بد من وضع حد له.
ربما تكون خطط الكرملين في ليبيا بعيدة المدى، ستحاول خلالها إنشاء قاعدة عسكرية لها لتضمن بذلك تواجدا دائما في الشمال الإفريقي وقبالة سواحل المتوسط، وهو أمر يراه مراقبون واردا، إلا أنه سيقابل بتعامل مباشر من السلطات الأمريكية هذه المرة، عبر قواتها في إفريقيا “أفريكوم” وهو حل أخير لا ترغب الأطراف الفاعلة في الوصول إليه قبل إيجاد تسويات أخرى كالتي يحاول الدبيبة البحث عنها في زيارته.
ليست ليبيا وحدها التي تشهد مواجهة بين روسيا والولايات المتحدة، فهذه المواجهة ممتدة على أكثر من دولة وبقعة في العالم، سواء كانت مواجهات عسكرية، أو سياسية واقتصادية، إلا أن ليبيا ربما قد تعد ملفا شائكا يمس أطرافا عدة، وكل منها يصطف إلى جانب مصالحه، وهو ما يحتاج سلطة ليبية موحدة تفرض سيادتها، وتبحث بنفسها عن مساحة مشتركة لمصالح الجميع؛ لإيقاف هذا الصراع المحموم.
يأمل الليبيون أن يتمكن المجلس الرئاسي ممثلا في رئيسه محمد المنفي، وحكومة الوحدة الوطنية ممثلة في رئيسها عبد الحميد الدبيبة، من إيقاف نزيف الدم الذي تشهده ليبيا على كل الأصعدة، أمنيا، سياسيا، واقتصاديا، وأن تحقق هذه الزيارات تغيرا في وجهات النظر، وإفساح المجال أمام الليبيين عقب تشكيل سلطة موحدة، ليبدؤوا في تشييد دولتهم، وينتقلوا إلى طور الاستقرار.