تسود في الشارع الفلسطيني حالة من الانتظار والترقب، لما ستسفر عنه مطالبات السلطة الفلسطينية للمجتمع الدولي والأوروبي، الضغط على” إسرائيل” من أجل السماح بإجراء الانتخابات في القدس المحتلة، التي تماطل في الرد على طلب السلطة والأطراف الدولية “السماح” بإجراء الانتخابات في القدس المحتلة، مع صدور رسائل تلميحية في أكثر من مرة، تفيد برفضها الطلب.
ويعتقد باحثون في الشأن السياسي الفلسطيني أن الرد “الإسرائيلي” سيحدد معالم الخارطة السياسية المقبلة في فلسطين، ويحصر خيارات الفلسطينيين في اختيار ممثلين في الضفة وغزة، أو القبول بتأجيل الانتخابات والبحث في بدائل أخرى.
فراغ دستوري
ويرى الباحث السياسي وسام عفيفة أن الظروف التي تمر بها الحالة الانتخابية تعطي مؤشرات واضحة على أن خيار التأجيل بات حاضرا بشكل لافت، بعد تصريح قيادات وازنة في السلطة مؤخرا في حال استثناء القدس، مضيفا: “إذا كان هذا الخيار أو القرار سهلا من قبل السلطة يمكن اللجوء إليه مباشرة بعيدا عن الذرائع المعلنة ووضعها في خانة القدس فقط رغم أن هناك توافقا فصائليا كبيرا في تثبيت حق القدس بالمشاركة“.
ونوه الباحث الفلسطيني في حديث مع” قدس برس” إلى أن قرار التأجيل سيكون امتدادا للفراغ الدستوري الحاصل في الضفة وغزة، مردفا:” كان من المفترض أن يكون لدينا مرسوم رئاسي يجعل الحالة والمؤسسات الرسمية للسلطة ضمن مرحلة انتقالية، إلى حين إجراء الانتخابات، وليس تعليقها“.
وبيّن أن تجميد المؤسسات وتعليقها، دون تقديم بديل دستوري أو توافق، قد يدخلنا مجددا في أزمة سياسية ودستورية وتشريعية، مستدركا: “سوف تكون هذه المؤسسات في حالة تآكل كبير وإتاحة الفرصة لأطراف داخلية وخارجية التشكيك بشرعيتها“.
ويرّجح عفيفة أن يتفرّد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس باتخاذ قرار التأجيل دون الرجوع إلى الفصائل الفلسطينية أو الحصول على توافق وطني بشأن الوضع الحالي، خاصة أنها تتمسك برفضها إجراء انتخابات دون القدس، قائلا: “القرار المنفرد سيدخل الحالة الفلسطينية في أزمة، وسيعيدها إلى مربع أسوأ من قبل“.
مرونة حماس
وفيما يتعلق بالطرف الفلسطيني الآخر، فيعتقد عفيفة أن “حماس” بذلت الكثير من الجهود لتذليل العقبات، وفتح آليات جديدة للتفاهم مع السلطة والوفد المصري والأوروبي على مدار الأشهر القليلة الماضية، “ستثبت مجددا موقفها الرافض من تأجيلها”، مشيرًا إلى أن “حماس قدمت مرونة واستجابة لمطالب فتح، والأطراف الضامنة للانتخابات، واستعدادها لأجل الوصول إلى شراكة حقيقية“.
وذهب عفيفة إلى أن “حماس”، ستتجه إلى بناء جبهة فلسطينية داخلية؛ لاستدراك ما سيفرزه الفراغ الدستوري والتشريعي، وفقا لقاعدة أنه لا يمكن الاستمرار بالتفرد في القرار الفلسطيني والذهاب نحو المجهول.
تهيئة الرأي العام لقبول التأجيل
بدوره، يرّجح الباحث السياسي إياد جبر تأجيل الانتخابات، لا سيما أن الكثير من استطلاعات الرأي المتعلقة بنتائج الانتخابات هدفها محاولة التقليل من رغبة الجماهير والرأي العام الفلسطيني من مسارها، مضيفا: “نحن الآن في مرحلة تهيئة الرأي العام الفلسطيني بتجميد الانتخابات“.
ولفت جبر إلى أن الأطراف الإقليمية لها دور كبير في الضغط على السلطة الفلسطينية، فيما يتعلق بسير الانتخابات، خاصة بعدما شهدته الأشهر القليلة الماضية من حوارات مكثفة بين المخابرات المصرية والأردنية وقيادات من السلطة حول المشهد القادم.
وتابع أن “استخدام القدس كذريعة لتأجيل الانتخابات، هي ورقة تستخدم لتعطيل المسار الديمقراطي والحفاظ على المنصب“.
وذهب جبر، إلى أن “حماس” ستتجه نحو تشكيل قائمة قوية مع طرف فلسطيني له وزنه من حيث التوزيع السياسي والجغرافي والشخصيات التي تضمه، وهو “ما يفسر اللقاءات الأخيرة بين قيادات من السلطة وصلت إلى القطاع وأخرى من حماس لبحث مجريات الأمور الخاصة بذلك“.
ويعتقد جبر أن “فتح” لن تكون جادة في إعادة ترتيب وضعها الداخلي، بعد الخلافات الأخيرة التي طفت على السطح، وأفرزت ثلاث قوائم مرشحة للانتخابات، مشيرا إلى أن الظروف الحالية بالنسبة لـ”حماس وفتح” تختلف عما كانت عليه عام 2006، خاصة أن السيادة “الإسرائيلية” أمنيا وعسكريا على القدس المحتلة تتوسع.
وشدد عفيفة على أن تأجيل أو إلغاء الانتخابات سيدخل الشارع الفلسطيني حالة من الإحباط الشديد، بعد أن علق آمالا عريضة على دور الانتخابات في تغيير الوضع السياسي والاقتصادي المتدهور.
ولا يستبعد أن يتسبب صدور قرار بتأجيل أو إلغاء الانتخابات، في بروز حالة جديدة من الاحتجاجات والفوضى على مستويات شعبية، في ظل الشعور باستمرار الأزمات والعودة إلى المربع الأول.
يذكر أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس “أصدر في منتصف يناير 2021، مرسوما رئاسيا حدد فيه مواعيد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير) على ثلاث مراحل، لتكون المرة الأولى منذ خمسة عشر عاما، التي تنظم فيها مثل هذه الانتخابات.
وكشفت “حماس” مؤخرا على لسان نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري، أنها أوصلت رسالة إلى “إسرائيل” بعدم قبولها منع الانتخابات، وجهوزيتها لمعركة الانتخابات في القدس عبر اصطفاف وطني شامل في مواجهة الاحتلال.