يبذل المحب أقصى الجهد للفوز بحب من يحبه ولتجنب إغضابه، وإذا أخطأ يسارع بالإصلاح والتعهد بعدم التكرار والاحتفال عندما يسامحه ويسعى دائماً لزيادة محبته له بالقول والتصرفات.
ونجيب عن السؤال المهم: كيف يحب أولادنا -من الجنسين وبكل الأعمار- الله ورسولنا فيتسابقون لإرضاء الله عز وجل، ويتقنون مجاهدة النفس لتجنب ما يغضبه، ويفوزون بحبه وبحب رسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه؟
أخطاء شائعة
يخطئ بعض الأهل عندما يفكرون بسذاجة الأطفال؛ قالت أم لطفلتها إذا أخطأت فسيخبرني الخالق، وتلصصت عليها واكتشفت خطأها وقالت: إن الله أخبرها! وتناست أنها تعلّم ابنتها الكذب وتعرض مقدرة الخالق عز وجل للاختبار؛ فلن تعلم معظم أخطاء ابنتها التي تفعلها دون علمها.
تخفي أمٌّ الحلوى عندما يخطئ ابنها وتقول: إن الله منعها عنه، ولن يعطيه الحلوى إلا عندما يطيعها.
والأذكى إخباره بأن حب الله هو أفضل هدية ولا ينالها إلا الأذكياء، الذين يعيشون حياة مطمئنة دون خوف من العقاب من الأهل ويفوزون برضا الله وتوفيقه وبالسعادة بالدارين.
مع زرع حب الله سبحانه بقلوب ونفوس الأولاد؛ ليمنعهم حبه ورغبتهم بالفوز برضاه من الوقوع بالأخطاء الدينية والدنيوية -ما استطاعوا- وبإخبارهم بأن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله، وأن خير وأحب لا تعني الجدية الدائمة وحرمان النفس مما تحب؛ فالله عز وجل يحب رؤية نعمه على عبيده، والحديث الشريف يقول: “إن لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه”.
وسيفوز الابن بالثواب عند الترفيه؛ إذا كانت نيته إعطاء نفسه حقها وتجديد نشاطه ليكون خير وأحب، وكذلك عندما يأكل أو ينام.
ابتسامة ويقين
عندما ينجح الأهل بربط تفاصيل حياة الابن بالشعور بوجود الله تعالى وحبه له فسيحققون نتائج رائعة.
ونوصي بالتحدث عن الله سبحانه بحب والوجه مبتسم وبتدرج بذكر ما نرغب بجرعات لطيفة تناسب كل عمر، ولا نتعامل معه وكأنه عبء نريد الخلاص منه وألا نتوقع أن الأولاد سيتغيرون سريعاً.
ونتذكر دائما ثواب حسن رعاية الأولاد ونجتهد للفوز به ولا نتكاسل، ونتحلى بالصبر الجميل وبالمثابرة وباليقين بأن الله لن يضيع جهدنا أبداً وسيباركه.
ونواصل السعي برضا لترغيب الأولاد في محبة الله سبحانه، ونبتعد عن تخويفهم بالعقاب بالسن المبكر ولا نتجاهل الترهيب، ولكن نقول للعقاب لمن يسمحون للشيطان بخداعهم والانتصار عليهم؛ فيحرمهم من السعي لمحبة الله سبحانه فيعيشون حياة فاشلة بالدارين، ونستدرك ولكنكم أذكياء ولن تفعلوا ذلك بأنفسكم.
مع تكثيف النصائح كومضات ذكية تنير بلطف ولا تكون كتسليط كشاف نور على الابن فيرهقه، ولنتذكر أننا -كباراً وصغاراً- نخطئ ونتوب وخير الخطائين التوابون، والإيمان يزيد وينقص، فعندما يزيد إيمانهم نحتفل بهم دون مبالغة، حتى لا يظنوا أنهم سيؤمنون من أجلنا ولنزرع الإخلاص لله سبحانه بداخلهم.
وعندما ينقص نقودهم برفق للزيادة، والابن المؤمن سيكون بمشيئة الله سبحانه إنسانًا ناجحًا بكل ميادين الحياة وليس بالعبادات فقط وستقر عين والديه به بالدارين.
صناعة الضمير
لا نحب الاعتماد على تخويف الأولاد من الله عز وجل؛ فالخوف وحده لا يمنح طاعة لله، فلا بد من الحب، فطاعة الخوف مؤقتة، وطاعة الحب متواصلة، ويسارع الأولاد باختيار الرجوع إليها عند قيامهم بالمعصية.
ولنجعلهم يحبون طاعة الله عز وجل ويفرحون عندما يفعلونها ويغضبون من أنفسهم عندما يخالفونها، فينمو الضمير الديني الذكي بداخلهم تدريجياً وبلطف؛ ليتضاعف اختيارهم لحب الله عز وجل وحب أوامره كلما كبروا ليصلوا للنضج الحقيقي.
ولنخبرهم بأن كل ما ننعم به من خير وجمال بالكون من صنع الله سبحانه، فوحده العاطي ولا يطلب منا سوى طاعته؛ لنهنأ بالدارين وحتى شكر النعم يكافئنا عليه، وسبحانه أكرمنا وفضلنا عن كافة المخلوقات، فكيف نهين أنفسنا ولا نطيعه بحب؛ وكل ما أمرنا به يفيدنا وما نهانا عنه لحمايتنا؟
ومن يختارون المعصية قد يربحون بعض الوقت، ولكنهم يتكلفون الكثير من المشاق؛ فاللص مثلاً يعيش قلقًا خائفًا من افتضاح أمره، ولا يشبع مهما حصل من أموال، ويجب ألا يستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه، فكما قال الإمام علي رضي الله عنه: لا تستوحشوا طريق الهداية لقلة سالكيه، فإن الناس اجتمعت على مائدة شبعها قليل وجوعها كثير.
سعداء وأذكياء
ونوصيهم ألا يحرموا أنفسهم من حب الله؛ فالحياة فرصة لن تتكرر، وحب الله وطاعته يورثان صاحبه الطمأنينة والبركة بالصحة والمال والعمر، ويجعله يعيش ناجحًا وسعيدًا بالدنيا ويفوز بالجنة بالآخرة، بعكس المعاصي، وإن سعد لبعض الوقت بالدنيا؛ فسعادته ناقصة دائماً بالدنيا ويدفع الثمن الباهظ بالآخرة.
ونذكرهم بأن القرآن أخبرنا بأن أكثر الناس لا يعقلون، فلنسعَ لنكون من الأذكياء وإن قل عددنا.
ويمكن للوالدين سؤال الولد: لماذا تأكل؟ فسيقول: لأعيش.
وسؤاله لماذا لا تأكل طعاماً مسموماً؟ فسيقول: حتى لا أمرض أو أموت.
وعندئذ يقولان له بابتسامة: لذا فأنت ذكي ستحب الله وتطيعه لتعيش سعيدًا وتستمتع بحياتك، ولتحمي نفسك من غضبه؛ وهو أبشع ما يمكن أن يحدث لمخلوق.
وليسألا الابن: هل تحبنا؟ ولماذا؟
فسيقول: لأنكما تتمنيان لي الخير وتلبيان طلباتي وتريدان إسعادي وتسعيان لحمايتي من الأخطار والأمراض، وعندما أمرض تهتمان بي حتى أشفى.
فيسألانه: فكيف ستحب من أوصانا بالاهتمام بك وأعطانا القدرة على تدليلك وإحاطتك بالحب ومنحنا أعظم مكافأة على ذلك وهي الفوز برضاه عز وجل ثم بالجنة، ألن تحبه أكثر منا؟
حب وشكر
لنعوّد الابن منذ الصغر على التوجه بالحب والشكر لله قبل المخلوق؛ فعندما تعطي الأم حلوى فلتقل له: اشكر الله أولاً قبل أن تشكرني، وتعلمه أن كل فضل وخير مصدره الله.
أما إذا حدث لنا شيء نكرهه ولم نتسبب فيه، فهو امتحان ولنكن أذكياء ولا نجزع ونخطط للنجاح به.
ولنتذكر جميعاً كأهل؛ أننا بمراحل التعليم تعاملنا مع مدرسين حاولوا تلقيننا الدروس ومعظمهم كانوا غير متحمسين؛ ويكتفون بإلقاء المعلومات، وكانت القلة القليلة التي اهتمت بالتعليم بحب وحماس وحصلنا معهم على أفضل النتائج، وعلى الأهل التعلم منهم؛ فتتحدث عن الله سبحانه بحب وبحماس ودون مبالغة أو تعجل بالنتائج حتى لا نكون مثل من يعطي ابنه زجاجة الفيتامين كاملة مرة واحدة ليتحسن صحيًا فلا يستفيد منه، فالأفضل أن يتناوله بجرعات ذكية وأن يكون حديث الأهل دون افتعال.
يجب ألا يقوم الأهل بحسن توجيه الأولاد لمحبة الله سبحانه وتعالى بأمور دنيوية عابرة؛ فعندما يخبر ابن الأم ضيقه من المذاكرة فلا تقول له: ذاكر كي يرضى الخالق عنك، وعليها أن تقول له أولاً: ذاكر من أجل أن تسعد بنجاحك وتفوقك ولتستمتع بإجازة سعيدة دون منغصات وحتى نصعد درجة من درجات سلم النجاح التي تؤهلك لوظيفة ترضيك ماديًا ومعنويًا.
ثم تضيف: وحتى تكون مؤمنًا قويًا وخير وأحب؛ فتربط بين مكاسبه وحب الله ورضاه عنه.
وعندما تخبرها ابنتها بمشكلة تؤذيها مع صديقتها فلا تقول لها: المهم أن يرضى الله عنك؛ فالأذكى أن تقدم لها حلًا لمشكلتها مع صديقتها يفيدها دنيويًا ثم تخبرها بأنها ستفوز بحب الله بحماية نفسها من الضرر.
الصادق الأمين
فليقل الوالدان للأبناء: نحن نحب الرسول الذي تحمل مسؤوليات الدعوة إلى الدين 23 عامًا، ونحبه أكثر لأن الله أحبه لأنه أفضل وأزكى وأطهر البشر جميعاً؛ لذا اختاره ليهدينا لآخر الرسالات.
لنحكي لأطفالنا عن الرسول الصادق حتى بالمزاح، والمبتسم دومًا، الأمين البار بأهله، الرحيم بالأطفال وبالنساء وبالضعفاء، وعظمته وشجاعته وصبره وتحمله المشاق الجسيمة لتبليغ الدعوة، وحنانه مع الأطفال وكيف حمل الحسن، والحسين، على ظهره الشريف، وكان يسأل طفلاً صغيراً عن عصفوره، ولما عرف بموت العصفور جلس معه ليواسيه، وكان خلقه القرآن ونقرأ في السيرة النبوية الشريفة لنعلمهم عنها.
ولنتذكر أن الطفل يبحث عن حب يملأ عمره، فليكن حب الله عز وجل، ويفتش عن قدوة يحبها ويسير وراءها؛ فلنجتهد ليكون حب الله غايتنا والرسول قدوتنا نحن وأولادنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) نائب رئيس تحرير الأهرام.