تحقيق: حسن محمود (مصر)- عبدالباقي خليفة (تونس)- عبدالغني بلوط (المغرب)– مصطفى صبري (فلسطين):
دعا علماء نفس واجتماع إلى مواجهة ظاهرة الشذوذ الجنسي بكل السبل الراشدة؛ لأنها تناهض حقوق الإنسان، وتشكل عدواناً صارخاً على حقوق المجتمع والحياة الطبيعية، مؤكدين أن التوعية الدينية والأخلاقية هي الحصن المنيع للأفراد وللمجتمعات من مثل هذه الظواهر السلبية.
كما ذكر هؤلاء العلماء، الذين التقتهم «المجتمع» من خلال مراسليها في 4 دول مختلفة، أن حملات الوقاية في المجتمعات العربية والإسلامية يجب أن تبدأ من الصغر بالتربية الجنسية الصحيحة للطفل، مع إيجاد دوائر اجتماعية صحية وإيجابية للشباب والأطفال، مؤكدين أهمية الوعي في توصيف الظاهرة والمواجهة العلمية لها.
بنجلون: رؤية الغرب للشذوذ الجنسي مؤطرة بفلسفات مادية تعود إلى تاريخه الإغريقي والروماني وليس المسيحي
وحول انتقال هذه الظاهرة إلى بعض مجتمعاتنا، ذكروا أنها انتقلت من خلال قيام بعض الدول الأجنبية بالترويج لها من خلال الدعوة إلى الحرية وحقوق المرأة وحقوق المثليين (الشواذ) من ضمنها، فأصبحوا يدسون السم في الدسم.
في البداية، يعرف الاختصاصي النفسي الفلسطيني د. حاسم الشاعر المثلية الجنسية بأنها «التوجه الجنسي بنوع من الانجذاب الرومانسي أو الجنسي من شخص لآخر من نفس الجنس، وليس من الضروري ممارسة الجنس، ولكن بمجرد الشعور بنوع من الانجذاب سواء بسماع الصوت أو الحضور معاً أو اللمس فإن تلك هي المثلية الجنسية».
أما محمد سهول، مستشار الصحة النفسية والإرشاد النفسي المصري، فيعرفها بأنها «نوع من أنواع الاضطراب النفسي، وأنها لن تكون -كما يريد الغرب بالمخالفة للعلم- نوعاً من أنواع «التوجه الجنسي عند البشر»، وهو ما يوجب علينا في المجتمعات العربية انطلاقاً من رفض الأديان والعلوم لها توعية وضبط المفاهيم والثقافة الجنسية الصحيحة في مرحلة الطفولة، مروراً بمرحلة الشباب، ثم الشيخوخة».
مبروك: إذا كانت الرغبة في الشذوذ مبرراً لحدوثه فبنفس المنطق يمكن تبرير الانتحار إذا كان برغبة الإنسان
ويشير سهول، في حديث لـ«المجتمع»، إلى أهمية الوعي في توصيف الظاهرة والمواجهة العلمية؛ حيث ينبغي أن يفهم الجميع أن هناك ثلاثة أنواع سببية للمثلية الجنسية، أولها: الكبت والحرمان والخوف (شباب غير قادر على الزواج أو لديه استسلام لها نتيجة الخوف)، ثانيها: اضطراب الهوية الجنسية (وفيها يرفض النوع هويته الجنسية، بمعنى أنه لو ذكر يرفض نوعه ويتمنى أن يتحول لأنثى، لذلك نراه يقلد الأنثى في كل شيء)، وثالثها: اضطراب الجانب الهرموني (يشعر بالاشمئزاز عند ممارسة الجنس مع النوع الآخر).
فلسفات مادية
من جانبه، يؤكد الطبيب والإعلامي في الإرشاد الصحي الأسري (من المغرب) د. توفيق بنجلون، في تصريح لـ«المجتمع»، أن منظمة الصحة العالمية كانت تعتبر العلاقة الجنسية بين فردين من نفس الجنس (ذكر – ذكر، أو أنثى – أنثى)، حتى عام 1990م، اضطراباً نفسياً للتوجه الجنسي، وكانت تصنفه في خانة الشذوذ الجنسي (perfection sexuelle la)، التي تتضمن اضطرابات جنسية أخرى، مثل إقامة علاقة جنسية مع الأطفال، أو مع الحيوانات، أو مع إكسسوارات النساء، أو مع الخيال، لكن بعد ذلك تم حذفها من لائحة اضطرابات التوجه الجنسي، وأصبحت تسمى “المثلية الجنسية”.
ويبرز أن رؤية الغرب للمثلية الجنسية أو للشذوذ الجنسي مؤطرة بفلسفات مادية تعود إلى تاريخه الإغريقي والروماني وليس المسيحي، وارتباطها بمجموعة من الأساطير المغذية والمرسخة في ثقافته، مثل “عقدة أوديب”، و”أسطورة الكلادياطور”، قاسمها المشترك هو اعتبار الإنسان محور الوجود في هذا الكون، وأنه حر حرية تامة فيما يفعل، ويمكن أن يتصارع مع القوى الكبرى (الإله)، كما يتمكن من التغلب عليها والسيطرة على الطبيعية، فيما أن المسيحية ذاتها طارئة على هذه الفلسفة، لذا فالغرب يصارع كل القيم الدينية، ومنها ما يتعلق بالممارسة الجنسية.
أبو زنط: إحدى الجمعيات بفلسطين حاولت الترويج للمثلية وحوربت في مهدها إلا أنها عادت من جديد
ويضيف د. بنجلون أنه منذ بداية القرن العشرين، والمجتمع الغربي يناضل بكل قوة ليتقدم في التطبيع مع هذه الأشكال الجنسية المنحرفة، وأن هذا النضال تم تبنيه أساساً من قبل المصابين بهذا الانحراف، ثم من قبل من يساندهم ممن لهم أجندات خاصة تتماشى مع فلسفتهم في الحياة، وقد قطعوا أشواطاً، بادئين بالتطبيع النفسي، ثم التطبيع القانوني والحقوقي والاعتراف بحق الشاذ الجنسي وعدم إدانة سلوكه وحقه في الزواج، وتأسيس أسرة والتبني، إلى أن تم تشطيبه من لائحة منظمة الصحة العالمية.
ويرى د. بنجلون أن طرق علاج السلوك المنحرف من قبل المؤسسات الكنسية ساهم أيضاً في تقوية التوجه الغربي، فإضافة إلى طرق العبادات مثل الصلاة وكثرة الصيام، كانت هناك طرق غريبة مثل نزع الجن، فأقام الغرب الدنيا لإزالة هذه الطقوس، وكان هدفهم الاستمرار في الاعتراف بكون الشذوذ الجنسي هو مجرد توجه جنسي عادي، بل إنهم حاربوا الكنيسة وتوفقوا في ذلك، حيث إن الأمم المتحدة أدانت مثل هذه العلاجات المقامة في الكنيسة، بل أكثر من ذلك؛ فإن منظمة الصحة العالمية أدانتها، وكذلك عدداً من الدول كإنجلترا وإسبانيا واليونان وألمانيا وغيرها بدؤوا في تغيير قوانينهم، وشددوا على تجريم معالجة المنحرفين جنسياً، ووصل الأمر إلى أن هؤلاء المثليين تكتلوا في جمعيات وكانوا يطالبون بالعلاج لـ”تغيير التوجه الجنسي”، وتوجهوا إلى معالجين نفسيين، وفي بعض الأحيان إلى مدربين في التنمية الذاتية، لكن الغرب قام بشكل رهيب جداً وحارب هذه الأنواع من العلاجات، بل ضيَّق على كثير من الأطباء المعالجين، وشطب على أسمائهم من لوائح الأطباء بتهمة الدجل وانتحال الصفة.
بين الرغبة والحاجة
الشاعر: علماء النفس يتعاملون مع الشذوذ الجنسي على أنه مرض نفسي بحاجة إلى العلاج المستمر
أما أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية د. مهدي مبروك فيؤكد، لـ«المجتمع»، أنه يجب أن نميّز بين الرغبة والحاجة، فقد يرغب الإنسان في شيء وهو لا يحتاجه، بل قد يرغب في شيء ويضره، وإذا فرضنا جدلاً أن الرغبة في الجنس المماثل حرية شخصية، وحقوق الإنسان، وما يترتب عن ذلك من شيوع لهذه الظواهر المدمرة للاجتماع الإنساني، فبنفس المنطق يمكن أن نبرر الانتحار إذا كان ذلك برغبة الإنسان وبنفس مبررات الحرية والحقوق.
وحول محاولات فرض الشذوذ على المجتمعات المسلمة، أشار د. مبروك إلى أن حالات الشذوذ قديمة في التاريخ، ووصلت إلى أبعد مما هو حاصل في واقعنا المعاصر، وفي منظومتنا الثقافية تحذيرات تكاد لا تحصى من الوقوع في الانجذاب والميل، وهو لا يعبّر عن حاجة رغم توفر البدائل الطبيعية، بل لها دوافع عدة؛ منها غياب البديل الطبيعي، أو رغبة في التنويع واكتشاف أشكال جديدة، وهذه الرغبة ليست ككل الرغبات الطبيعية، بل انحراف في كل مستوياتها، ويعظم سلطان هذا الانحراف مع الإدمان كالكحول تماماً.
أما د. ماهر أبو زنط، المختص في علم الاجتماع بجامعة النجاح الفلسطينية، فيشير، في حديثه لـ«المجتمع»، إلى أن هذه الظاهرة انتقلت إلى بعض مجتمعاتنا بقيام بعض الدول الأجنبية بالترويج لها من خلال الدعوة إلى الحرية وحقوق المرأة، وحقوق المثليين من ضمنها، فأصبحوا يدسّون السم في الدسم، واعتبروا حماية المرأة تمر عبر الاعتراف بحقوق المثليين، وأدى هذا إلى بعض الشباب والشابات إلى التقليد، وقامت الجمعيات والمؤسسات الداعمة إلى تسويق شخصيات من الفنانين والممثلين على أنهم من المثليين كي يكونوا لهم قدوات ليتقبلوا هذه الظاهرة الخبيثة.
بدر: حملات الوقاية في المجتمعات العربية والإسلامية يجب أن تبدأ من الصغر بالتربية الجنسية الصحيحة للطفل
وأضاف د. أبو زنط: في مجتمعاتنا العربية، كان هناك تيار قوي يحارب هذه الظاهرة، وفي فلسطين حاولت إحدى الجمعيات الترويج للمثلية وتم محاربتها في مهدها، إلا أنها عادت من جديد تطرح نفسها رافعة لواء الدفاع عن المثليين، ولا يوجد أي تقبل مجتمعي لها، إلا أن الخطورة ما زالت قائمة.
ويرى د. حسام الشاعر أن من أهم الأسباب النفسية للمثلية والشذوذ الجنسي الجانب الوراثي، فمن خلال دراسات علمية أظهرت أن هناك دوراً جزئياً للجانب الوراثي، ما يؤكد أن التعامل مع المثلية كمرض نفسي بحاجة لعلاج، وفي عام 1993م أظهرت دراسة علمية أن هناك اختلافاً في الهرمونات عند الجنين في الجزء الذي يقع بين فصي الدماغ، وهذا يؤثر على سلوك الجنين فيما بعد من حيث الجنس والسلوك الجنسي.
كما أن للتأثيرات البيئية دوراً في سلوك المثلية مثل بعض مواقف الطفولة التي يبقى تأثيرها مستمراً في سلوك الشخص حتى يصبح عادة دائمة عنده، وقديماً كان السلوك الجنسي الشاذ أو المثلية كما تسمى اليوم أمراً مرفوضاً من قبل الديانات والعادات والتقاليد، إلا أنه اليوم وبسبب كثرة أعداد المثليين ومن يدعون الحرية المطلقة أصبحت دول تقر وتوافق على زواج المثليين، وبات الأمر مقلقاً من حيث إقراره ما يشجع العديد من الشباب والبنات الذين لديهم نفس الميول على الالتحاق بركب المثلية على اعتبار الحرية الفردية، وهناك دور للفراغ الروحي عند الشباب والصبايا، وعدم تحديد الهدف في ظل من العولمة الشاملة وشرعنة الشذوذ وإقراره عالمياً.
وتابع د. الشاعر قائلاً: كما أن ظهور المتحولين جنسياً جعل الأمر أكثر تقبلاً في المجتمعات، إلا أن علماء النفس يتعاملون مع المثلية والشذوذ الجنسي على أنه مرض نفسي بحاجة إلى العلاج المستمر من خلال جلسات علاج نفسي وسلوكي يستمر فترات طويلة.
الوقاية خير من العلاج
خضر: البعض ينتفض للدفاع عن البيئة النظيفة لكنه يحرص على تسميم البيئة الاجتماعية بظواهر مسممة كالشذوذ
وحول مقترحات وسبل العلاج، يرى د. محمود بدر الدين، استشاري العلاج النفسي والإدمان، مدير مستشفى أسوان للصحة النفسية بمصر، في حديث لـ«المجتمع»، أن الوقاية خير من العلاج، وأن حملات الوقاية في المجتمعات العربية والإسلامية يجب أن تبدأ من الصغر بالتربية الجنسية الصحيحة للطفل، وتعليمه المسافات الصحية بينه وبين الآخرين، والمحافظة على نفسه وأضرار المحظورات دينياً وصحياً، مع إيجاد دوائر اجتماعية صحية وإيجابية للشباب والأطفال.
ويدعو د. بدر الدين علماء النفس في الأمة العربية والإسلامية إلى عقد مؤتمر نفسي جامع تحت رعاية الأزهر الشريف وجامعة الدول العربية، وإعلان موقف علمي واضح وحاسم تصدر بناء عليه التشريعات الواضحة، وتُبنى عليه السياسات الإعلامية في العمل.
ويتوقع د. بدر الدين نجاح الأمة العربية الإسلامية في مواجهة تصدير تلك الظاهرة المريبة إلى صفوف المجتمع العربي المسلم، إذا تم البدء في إجراءات حكومية وشعبية على التوالي لمحاصرة ذاك الوباء، بحسب وصفه.
ويضيف د. ماهر أبو زنط أن التوعية الدينية والأخلاقية الحصن المنيع للأفراد وللمجتمعات؛ فالفراغ يؤدي إلى إحلال الرذيلة عوضاً عن الفضيلة، ثم محاربة من يروج لهذه الظاهرة وعدم السماح له بالعمل، وتسهيل سبل الزواج والتيسير في هذه الأمور؛ لأن حجة من يصبح مثلياً سهولة الأمر وعدم تعقيده وهو البديل بوجهة نظرهم، وهذا يجعلنا ننظر لقضية توفير فرص الزواج بأدنى التكاليف، ومن سبل العلاج الاهتمام بالأسرة من خلال التربية الصحيحة، وهذا رد عملي على المثلية والشذوذ الجنسي؛ فهدم الأسرة من أولى أولويات الجمعيات الداعمة لهم.
من جانبها، دعت د. سامية خضر صالح، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس بمصر، إلى مواجهة تلك الظاهرة السلبية بكل السبل الراشدة، خاصة أنها تناهض حقوق الإنسان، وتشكل عدواناً صارخاً على حقوق المجتمع والحياة الطبيعية التي يقرها جميع العقلاء والديانات.
وتشير د. سامية إلى أن البعض ينتفض للدفاع عن البيئة النظيفة، لكنه في الوقت نفسه يحرص على تسميم البيئة الاجتماعية بظواهر مسممة كالشذوذ، في انفصام شديد بالغ الخطورة، ويعبر عن منتهى التخلف عن ركب التحضر والتمدن، والحرص المرضي على إفساد الحياة الإنسانية.
وترى د. سامية أن الدين قادر على مواجهة تلك الظاهرة وعلاجها، بشرط أن يتم التوعية بآدابه بطريقة مستنيرة وجميلة وسعة صدر وأفق واسع دون عنف أو تعنيف يدفع الشباب للارتماء في أحضان الشذوذ، وهما ما يفرض على المؤسسات الدينية في الوطن العربي والإسلامي كالأزهر الشريف والكنائس أن تعمل معاً في مواجهة تلك الظاهرة السلبية حتى يتم القضاء عليها على المدى البعيد، وحصارها على المدى المنظور.
ولفت د. حسام الشاعر قائلاً: من الأسباب التي تساعد على الشفاء من المرض قدرة الشخص والدافع الداخلي عنده، ومدى تقبله للتغيير، ومدى دعم البيئة المحيطة به له من أجل أن يعيش حياة سليمة وصحيحة في السلوك والتفكير، لأن العلاج يركز على تغيير الأفكار الموجودة عنده، ومن ثم ينعكس على السلوك من خلال بيئة مساعدة وسليمة سواء الأسرة أو المدرسة، وكذلك الإعلام الموجَّه، وتقوية الوازع الديني والعمل على الدافع الداخلي عند الشخص من أجل التغيير.