وسط ضجيج الحياة، تأتي آيات القرآن كنسمات شافية، وقد بدأ الشيخ حسن صالح مشواره مع القرآن منذ الصغر، في محافظة البحيرة بجمهورية مصر العربية، التي ولد فيها عام 1970م؛ حيث أتم حفظ القرآن الكريم، وقاده حب كتاب الله إلى الالتحاق بمعهد القراءات الأزهري بدمنهور؛ حيث درس القراءات العشر، ثم التحق بكلية القرآن الكريم للقراءات وعلومها بجامعة الأزهر، وتخرج فيها؛ ليكون حاملاً لكتاب الله وقارئاً له، بصوت شجي يرقق القلوب ويجذب الأسماع، ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليكون صوت القرآن في بلاد الغرب، إماماً وخطيباً ومعلماً للقرآن وتجويده.
رغم أن العالم يعاني الآن من «كورونا» وجدتُ في أفريقيا المساجد ممتلئة بالمصلين ولا توجد أزمة مثل باقي الدول
وقد قام الشيخ بجولة أفريقية لإقامة المسابقات القرآنية وافتتاح المساجد، زار خلالها دولتي كينيا وتنزانيا، وتجول في المساجد وبعض الجمعيات الخيرية والمراكز الإسلامية، ولاقى قبولاً وترحيباً من الدولة المضيفة ومن الأفارقة.
وعن ملامح جولته، وما وجده من حب القرآن وتعلق الناس به في هذه البلاد، أجرت «المجتمع» هذا الحوار مع الشيخ القارئ حسن صالح.
في ظل الهجمات التي يتعرض لها الدين الإسلامي بأنحاء العالم، كيف وجدتم الإسلام في أفريقيا؟
– هذه الزيارة كانت ممتازة وموفقة جداً، وقد فوجئت بما وجدت في كينيا وتنزانيا، فهناك إقبال شديد على المساجد وعلى القرآن، وهناك حب قوي من الناس وهو الحب الفطري للدين، وعلى غير المتوقع، فرغم أن العالم كله يعاني الآن من أزمة فيروس «كورونا»، فإني وجدتُ في أفريقيا المساجد ممتلئة بالمصلين ولا توجد أزمة مثل باقي الدول، وكانت هذه الزيارة على هامش مسابقة القرآن في كينيا، ثم جئنا إلى تنزانيا ووجدت حب الناس الشديد للقرآن، وازدحام المساجد.
أفريقيا هي المستقبل خاصة أن هناك دولاً كثيرة بدأت تتحرر من القيود والاستثمار فيها ناجح بكل المقاييس
وما لفت نظري خلال الرحلة أن القرآن أمر أساسي في حياة الناس، ورأيت خِلاف ما يروَّج له أن المسلمين ضعفاء، فالإسلام بخير، وهذه الرحلة الأفريقية تذكرني بالإسلام في العصر الأول، حيث إن أكثر الناس مقبلون على الإسلام؛ فالأماكن التي زرناها وسافرنا إليها في أفريقيا كنا كأننا نسير في بلد مسلم، فهناك المساجد والمدارس القرآنية، والمسلمون يؤدون شعائر الإسلام بحرية، ووجدنا أماناً كبيراً.
كانت “المجتمع” قد أطلقت عدة تحقيقات صحفية تدعو فيها الدول الإسلامية للتوجه بقوة إلى أفريقيا؛ سياسياً واقتصادياً ودعوياً.. من وجهة نظركم، هل تكون القارة وجهة ناجحة لدول العالم الإسلامي لكي تلملم شتاتها؟
– نعم أتفق مع هذا الرأي تماماً، أفريقيا أرض خصبة، وهي كذلك مطمع عالمي، فهي تملك ثروات بشرية هائلة وإمكانات في كل المجالات، وثروات اقتصادية غير عادية، وقد تفاجأنا بالطبيعة ووفرة الأمطار والأشجار والثمار في كل مكان، كما أن حياة الناس تسير بصورة طبيعية والخير يملأ الأسواق، وهذا يدل على أن هذه البلاد فيها خير كثير، هي فقط تحتاج إلى من يديرها إدارة سليمة ويحمي هذه الثروات.
فـأفريقيا هي الأمل والمستقبل، خاصة أن هناك دولاً أفريقية كثيرة بدأت تتحرر من القيود السياسية والاستعمارية القديمة، وهناك تجارب ديمقراطية أثرت في العالم كله؛ لذلك فإن الاستثمار في أفريقيا استثمار ناجح بكل المقاييس.
لو توحدت جهود جميع المؤسسات على هدف واحد وهو تربية جيل صاعد فسيكون لهذا أثر جيد
من واقع جولاتكم، هل المساجد تقوم بالدور الفاعل في احتضان الشباب، والتصدي للهجمة الشرسة على الإسلام، أم هناك تقصير؟
– لقد لمسنا في هذه الرحلة القصيرة جهوداً جبارة من المؤسسات التي زرناها في كينيا أو تنزانيا، وبخاصة في خدمة القرآن الكريم، وهذا هو بالتأكيد أفضل مجال يعصم الشباب من الانحراف والإلحاد، ورأينا إقبالاً كبيراً من الناس على المساجد وحضور دروس العلم، وهذا له أثر في نفوس الأجيال بلا شك.
لكن يبقى أنه لا بد من تكاتف جميع المؤسسات، صحيح أن هناك جهوداً كبيرة من كل مؤسسة، لكن لو توحدت هذه الجهود وتعاون الجميع على هدف واحد، وهو تربية جيل صاعد، فسيكون لهذا أثر جيد بلا شك، وهذه ليست مشكلة في أفريقيا وحدها ولكن مشكلة في العالم كله، هناك جهود مشتتة، وكل يعمل حسب رؤيته الخاصة.
ماذا تقول للشباب المسلم الذي يترك منهجه الإسلامي ويتبنى أفكاراً أخرى، بسبب ضغوط الحياة والظلم الواقع؟
– الشباب هم عماد النهضة وثروة الأمة الحقيقية، وهم أحبتنا وفلذات قلوبنا، وما نمر به هذه الأيام محنة سيعقبها منحة إن شاء الله تعالى، والدنيا بُنيت على الابتلاء أصلاً، فهي صولات وجولات، والأيام دُول، والذي يفهم دينه فهماً صحيحاً يعرف أن الدعوة والدين من الطبيعي أن يمرا بهذه الظروف الصعبة، ونقول لشبابنا: أمتنا تمرض لكنها لا تموت، وهذه الأحداث الصعبة ستزول إن شاء الله تعالى، لكن بكم أنتم وبثباتكم وصبركم، الأمة تحتاج جهودكم، تحتاج المتفوق في دراسته، تحتاج البار بوالديه، تحتاج الذي يبتعد عن المعصية، فبقدر ثباتكم يا شباب ستعود النهضة للأمة، ولا يغرنكم ما نحن فيه هذه الأيام، فهي سحابة وستنجلي؛ لأن الله سبحانه وتعالى يختبرنا، والحياة لا تحلو بدون مرارة، فيوم سعادة ويوم ترح، والذي يعيش فيها لا بد أن يعرف هذا.
السعادة الحقيقية في الجنة وليس في الدنيا؛ لأن الدنيا مَبنية على الابتلاء، فقد نجد بلاداً تُهدم، وظلماً منتشراً، وقتلى وجرحى وأسرى، لكن هذا لن يدوم؛ لأن الله أقام السماوات والأرض على العدل، والأمم تنهض بالعدل وليس بالظلم، والظلم مُؤذِنٌ بالخراب ولا يستمر، وما علينا هو أن نقوم بدورنا، فلا تيأسوا يا شباب، ليس اليأس من أخلاق المسلمين، ولا تقنطوا من رحمة الله، فهذه الأحداث سيعقبها فرج كبير، وما علينا إلا الثبات.
الجمعيات الخيرية لها جهود مباركة في خدمة الإسلام من خلال خدمة الناس والفقراء وخيرها يمتد للجميع
أيها الشاب، أيتها الفتاة، أُمتُكَ تحتاجك، وهذا الدين منصور بكم، فلا تيأس وإن كنت تسير وحدك.
ماذا تقول للجمعيات الخيرية في أفريقيا عامة، ولجمعية الرحمة العالمية خاصة؟
– نحن نشد على أيدي الجمعيات الخيرية وندعو لهم، بعد هذه الجهود المباركة في خدمة الإسلام، وخدمة الناس والفقراء، وخيرهم يمتد لكل الناس، من رعاية الأيتام وإطعام الفقراء، ورعاية الطلاب وإقامة المسابقات، وغيرها من أعمال الخير.
وهنيئاً لجمعية الرحمة العالمية ما وجدناه من جهود وتنظيم ممتاز، وهذا فضل وتوفيق من الله تعالى، فليس كل الناس تستطيع أن تُوفَّق إلى الخير، فأعانكم الله وسدد خطاكم ووفقكم لكل خير.
وننصح المؤسسات الخيرية بالتعاون فيما بينها، فلنتعاون فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، فهذه قاعدة ممتازة تضبط التعاون بين المؤسسات، فالهدف واحد وهو خدمة الناس، إذن نلتقي على الخطوط العريضة وإذا اختلفنا نعذر بعضنا، لأننا لسنا في تنافس للدنيا، حيث تستطيع المؤسسات الإسلامية أن تتعاون وتتكاتف وتقيم مشاريع عامة، وتكون لها أثر كبير في نفوس الدول التي تعيش فيها.
وختاماً، هكذا القرآن يرفع قدر حامله، وينزل صاحبه منازل الحب في قلوب الناس، كما رأينا مع ضيفنا الكريم، الشيخ حسن صالح، الذي جذب قلوب وأسماع الأفارقة في رحلته، ونتقدم له بجزيل الشكر لقبول الدعوة وعلى رسائله القيّمَة التي قدمها في حديثه.