إن الله تعالى إذا نهى العبد عن شيء، أو كلفه بشيء فطبق العبد مطالب المعبود الخالق العادل القادر على كل شيء، طبق ابتعاداً عن المنهي وتطبيقاً للمطلوب؛ يعطيه الله تعالى مقابل هذا الالتزام برحمته التي وسعت كل شيء، ما يفرح قلب العبد به مقابل ثباته في حسن تطبيق مطالب الرب سبحانه وتعالى.
كثير ما يقدم لنا الله تعالى الحكيم ما هو محسوس ملموس تستشعره أيها العبد من أجل أن تستشعر ما هو مقرون معه في اللفظة أو الآية من الأمر الغيبي الإيماني الاعتقادي، ومن خلال هذا الطرح الراقي العلمي الحكيم، يكون في نفي الغيبي، يتحتم في الوقت نفسه نفي الملموس المحسوس المقرون معه، وهكذا يكون مدعي العقل هو ذاته ينفي العقل والعلم، بل فاقد العقل وجاهل بديهيات العلم والمعرفة.
أضرب أمثلة مبيناً ما عنيته في مقدمة السطور السالفة لأبين ما أعنيه بدقة ونحن حول الحديث عن يوم الجائزة.
قال الله تعالى في كتابه العظيم في الإسراء والمعراج مدللاً في ما هو معلوم محسوس ملموس مرئي على ما هو غيبي إيماني، قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) (الإسراء: 1).
نلاحظ ذكر المسجد الأقصى بفضل الله تعالى لحكمٍ يريدها الله سبحانه وتعالى، ونحن لسنا بصددها الآن، ولو علمنا منها شيئاً، إلا أن الخافي منها أكثر بكثير مما نعلمه أو علمناه، فذكر الله تعالى المسجد الأقصى لحكم كثيرة، ومنها الحجة على قريش، وذلك لمعرفة قريش الأكيدة حينها أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما دخل المسجد الأقصى قبل حادثة الإسراء والمعراج، فأراد أهل الكفر الحجة عليه، وهي دليل على عدم صدقه في الإسراء والمعراج حسب تصورهم، فكانت هي الحجة عليهم لا لهم، حيث عرض الله تعالى المسجد الأقصى بكل تفاصيله وكأنه عرض تلفزيوني على الهواء مباشرة أمامه وهو يصف لقريش الأوصاف التي يعلمونها كتجار ذهاباً وإياباً إلى هذه البلاد وهذا المسجد، فكان هذا الأمر والدليل المادي الملموس الذي يصعق ويلجم كل من يدعي تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم حينها وحتى تقوم الساعة.
فالمنطق والعقل حينها يقول: من أوصله إلى المسجد الأقصى يوصله إلى السماء إعراجاً، وهذا الفهم كان يفهمه الكيس الفطن صاحب الإيمان الراقي الصدِّيق رضي الله عنه حينما قال: “أصدقه يأتيه الأمر من السماء ولا أصدقه أُسريَ به وأعرج”، أو كما قال رضي الله عنه.
وكذلك المثال الثاني وهو يخص يوم الحائزة “عيد الفطر”، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “للصائم فرحتان يفرحهما؛ إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه”، وهنا كمسلمين نستشعر الاستشعار المحسوس الملموس بفرحتنا بالصيام عند لقاء ربنا العظيم كما هي فرحتنا جبلّةً عند الإفطار والأكل والشراب إلا أن الثانية أكثر فرحاً وأكبر وأعظم، ولكن الفرحة المادية التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الحجة المنطقية المعززة لحق وعين اليقين، وحسن الظن في هذا الدين، وبالله تعالى سبحانه جل جلاله، ودائماً ربنا يقدم لنا ما هو معزز للإيمان ليرتقي بنا إيماناً إلى عين وحق اليقين ومن ثم الأصل هي الحياة الآخرة والدنيا جناح بعوضة وزائلة.
العيد بعد رمضان هو الجائزة المادية الدنيوية لنستشعر الجائزة العظمى يوم اللقاء بالله عز وجل، وبيان رحمته تعالى دنيا لنستشعر معايشة يقينية الرحمة والكرم العظيم منه آخرة وهو أكرم الأكرمين الرحمن الرحيم.
نعم، فيوم عيد الفطر هو يوم الجائزة، وهو كذلك يطلق عليه في السماء بيوم الجائزة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا كان يوم الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فنادوا: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا نادى مناد: ألا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم فهو يوم الجائزة ويُسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة”.
نعم، هذا هو يوم الجائزة، ونحن نؤمن بذلك يقيناً وحق وعين اليقين اعتقاداً ولكن لا يمنع أن نستشهد في أمور محسوسة ملموسة لتزيد الموقن يقيناً، والمتشكك يصحو ويرجع إلى ربه عز وجل، وإليه يتوب ويحمده ويشكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى سبحانه وتعالى.
________________
إعلامي كويتي.