على مدى الستين عاماً الأخيرة يعيش الشيوعيون العرب وأشباههم أزهي عصورهم، فقد منحتهم أنظمة الاستبداد العربي فرصة العمر ليتصدروا المشهد الثقافي بوصفهم مثقفين استعماليين، يقومون بما يعهد إليهم من مهام غير خلقية، معادية للشعوب العربية وطموحاتها، فضلاً عن التواطؤ لتعزيز مكانة العدو الصهيوني وترسيخ وجوده العدواني، وتأييد الحركات الانفصالية في الدول العربية (الأكراد، جنوب السودان، جنوب اليمن، الساقية الحمراء…)، والوقوف بجانب الطوائف والأعراق المتمردة، ولا عليك مما تطلقه حناجرهم من حديث عن الوحدة والنضال والحريات والتقدم والتنوير والحداثة.. فضلاً عن حربهم التي لا تكلّ ولا تملّ ضد الإسلام وقيمه وأخلاقه!
رغبة استئصالية
ولأنهم يتحكمون في معظم نوافذ النشر الصحفي والثقافي في أرجاء الوطن العربي، فقد تراجع الأدب والفكر والثقافة إلى حدّ غير مسبوق في تاريخ الأمة، حيث دفعتهم رغبتهم الاستئصالية والانفراد بالمشهد إلى حرمان كل موهبة حقيقية، أو صوت يخالفهم أو لا يجاريهم، وخاصة إذا كان مسلما، فإنهم يقتلونه بالصمت والتهميش والتغييب، وإن استطاع أن يعبر عن نفسه ويكسر الأسوار ليخاطب الناس ويعرض إنتاجه فإنهم يشهّرون به، ويقلّلون من قيمته، بل لا يتورعون عن كتابة تقارير أمنية على هيئة مقالات أو موضوعات صحفية كاذبة، قد تودي به إلى المجهول المظلم!
أصنام مقدسة!
لقد جعلوا أنفسهم أصناماً مقدسة يجب على الناس وفقاً لمفهومهم، أن يركعوا لها ويسجدوا من دون الله، وينتفضون إذا اقترب منهم أحد بالإشارة أو النقد أو كشف الحقائق، والغريب أنهم بارعون في تلفيق الأكاذيب والافتراءات، وتمثيل دور الضحية المظلوم الذي يظلمه الظلاميون الجامدون المتحجرون أي من ينتمون إلى الإسلام.
لقد صار الإسلام هو عدوّ النظرية الشيوعية العربية الأوحد، لم يعودوا يتحدثون عن الصراع الطبقي، ولا حقوق الفقراء والكادحين والشغيلة، ولا الحتمية التاريخية، ولا الكفاح ضد الرأسمالية المتوحشة، النظرية عندهم هي استئصال الإسلام، واستباحة المسلمين، واتهامهم أنهم يكفّرون غيرهم ويحرمونهم من دخول الجنة، زد على ذلك استخدامهم لأسلوب بذيء وقح في إهانة من يعترضهم أو يصحّح لهم جهالاتهم أو يكشف أخطاءهم.. وسوف أقدم نموذجاً ما كنت أهتم به لولا تلك الحملة الرخيصة التي تروّج له على صفحات الصحف ووسائل الدعاية التي يهيمنون عليها.
وما هي بشعر!
إنه سعدي يوسف، الكاتب العراقي الشيوعي الذي يطلقون عليه أو أطلق على نفسه لقب “الشيوعي الأخير” تيمناً باسم أحد كتبه التي أصدرها، لقد استغل الشيوعيون مرض الشيخوخة (87 سنة) الذي يعانيه، فاتهموا السلطات العراقية بالتقصير في حقه ورعايته، مع أنه يعيش خارج العراق منذ خمسين عاماً على حجر أنظمة عديدة، وانطلقوا يسبّون المسلمين ويصفونهم بكل الصفات المقذعة، لأن بعض الناس رأى أنه لا يستحق الاهتمام بعد أن أساء إلى الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم وزوجه أم المؤمنين السيدة عائشة في بعض كتاباته التي يسميها شعراً، وما هي بشعر!
فمن هو سعدي يوسف أولاً؟
ولد في أبي الخصيب بالبصرة جنوبي العراق عام 1934م، والتحق بجامعة بغداد، وتخرج في دار المعلمين العالية ببغداد 1954م، وعمل في التدريس والصحافة الثقافية والترجمة. وقد غادر العراق في السبعينيات ويقيم حاليا في لندن منذ 1999م، ونال جوائز عديدة: جائزة سلطان بن علي العويس، (سحبت منه لاحقا)، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية، في العام 2005م نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ، في العام 2008م حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا. ويسهم بالعضوية في تحرير بعض المجلات ذات الميول اليسارية.
تأليف وترجمة
وقد نشر منذ 1952م أكثر من ثلاثين مجموعة شعرية منها: القرصان (1952م) – أغنيات ليست للآخرين (1955م)- 51 قصيدة (1959م)- النجم والرماد (1960م)- بعيداً عن السماء الأولى (1970م)- نهايات الشمال الإفريقي (1972م)- الأخضر بن يوسف ومشاغله(1972م)- تحت جدارية فائق حسن (1974م)- كيف كتب الأخضر بن يوسف قصيدته الجديدة (1977م)- قصائد اقل صمتاً (1979م)- صلاة الوثـني (2004م).
وترجم مجموعات شعرية لشعراء أجانب من لغات متنوعة، منهم: والت ويتمان- كافافي- يانيس ريستوس- لوركا- غونار أكيلف- فاسكو بوبا- أونغاريتي وغيرهم.
كما ترجم بعض الروايات والدراسات الأدبية، وأصدر بعض الأعمال الأخرى في القصة القصيرة والرواية والمسرحية واليوميات والمقالات.
شعره أقرب إلى النثرية، بل هو في معظمه حتى المنظوم نثر يفتقد روح الشعر، ثم إنه يسعى إلى توظيف التفاصيل البسيطة، ليجعل من قوامها شعرا، ولكنه للأسف يفتقد ما يسمونه الشعرية، ولعل بعضه أقرب إلى السرد أو الحكي كما نرى مثلا في كلامه عن مقهى البستان الذي يرتاده بعض الكتاب وصعاليك الأدب في القاهرة، يقول: “لا أعرف من سمى هذا المقهى، “البستان”، ولا أدري سبباً.. أعرف أن المقهى يحتل تقاطع دربين ذوي ورشات للميكانيك، وأكشاك تعرض أضغاثاً متناثرة بين السجاد وأجهزة الهاتف، والخبز البلدي، وأعرف أن الفحم هو اللون هنا هذي الزاوية الدكناء من العالم.. أعرف هذا، وأسأل نفسي: من سمى البلقع بستاناً؟ من جاء بما يفترض البستان: زهوراً، شجراً، وطيوراً.. وإلخ؟ الأشياء متداعية، حتى لم يعد المرء ليأمن كرسياً، والشاي هنا أسود كالفحم، إذن أين البستان؟ أقول لكم: إن “البستان” هو الحلم الأول بالبستان!”.
الزمن الأعمى!
وتقوم رؤية سعدي الشيوعي على أن العرب يعيشون الزمن الأعمى، والأمم مرت بأزمنة مغلقة، خرجت منها وتخرج، لأنها احتفظت بالجمرة كابية أو لاهبة، عدا العرب، ويقصد بالجمرة الثقافة المخالفة القادرة على أن تغذو كل جيل يجدّ بمبرر تسميه جديدا، والثقافة المخالفة أي المعارضة للثقافة السائدة (وخمّن ما هي الثقافة السائدة؟).
ثم يتساءل: ترى، ماذا كنا فاعلين بلا طه حسين؟ إن رايته لتقْدُمُنا في الزمن الأعمى. (الأعمال الشعرية، الجزء الأول، منشورات الجمل، بيروت/بغداد، 2011، ص11).
لا بد لمثقف مثله أن يفقه- كما يفترض- أن مفتاح التقدم لا يتم إلا تحت شرط واحد، هو الحرية، حرية القول والفعل والعمل والمشاركة، وهو ما يفتقده العرب والمسلمون تحت راية الاستبداد الأسود، والدليل الحيّ هو خروج بعض الدول الإسلامية من الزمن المغلق أو الزمن الأعمى كما يسميه، فإذا نظرنا إلى ماليزيا مثلا نجدها قد كسرت الشرنقة المظلمة، وتتحرك على طريق التطور الإيجابي بخطى لا بأس بها. ومثلها إندونيسيا، وباكستان إلى حد ما، وفي الدول غير الإسلامية تنمو دول عرفت طريقها إلى الحرية والسلام الداخلي بعد تجارب مريرة، مثل رواندا ومدغشقر..، أما حرية طه حسين مع احترامنا لبعض أدبياته، فهي حرية الجرأة على الدين في شبابه، وقد كان منحازاً للحكام، وهو أول من أسند مصر على سبيل المثال إلى هؤلاء الحكام، حين قال: مصر الفاروق، ومصر عبد الناصر، ثم جاء من بعده من يقول مصر السادات ومصر مبارك.
الشعراء العظام
سعدي الذي بلغت كتاباته التي يسميها شعراً آلاف الصفحات، ونشرتها له بعض دور النشر العربية، لا ينتمي إلى مدرسة الشعراء العظام في العراق: الجواهري، نازك، السيّاب، البياتي، وبعضهم كان شيوعياً، ولكنه ينتمي عمليا إلى مدرسة الشيوعي الطائفي أدونيس، التي تركز على كراهية العرب والإسلام، وتؤمن بالحضارات القديمة، ويتابعه في الكتابة على أساس نسف الموسيقى العربية في الشعر، والتأسيس للكتابة النثرية بديلا للنظم الفائق، بيد أن أدونيس يبدو أكثر موهبة في الكتابة، وأكثر ذكاء في التعبير عن فكرته الشعوبية، وسبق له أن أصدر شعرا منظوما جيداً، وإن كان يفيض كراهية للإسلام والعرب ووحدتهم، وإيمانا بالفينيقية أو ما يسمى الحضارة السورية القديمة، ولا يرى في التاريخ الإسلامي والشعر العربي ما هو جدير بالتقدير والاحترام إلا البقع السوداء مثل ثورة الزنج والقرامطة والحركات الشعوبية وشعر اللواط والإباحية، وسعدى يتابع أدونيس في منهجه ورؤيته، ويكفي أن تفتح الصفحات الأولى من مجموعة أعماله الشعرية لتراه يشيد بثورة الزنج وقائدهم على بن محمد، يقول: (في زاويةٍ، تحلُمُ..، ينفضّ، الهتافونْ عنكَ، وينهشُك البيروقراطيون السفلهْ، لكنَّ عليَّ بن محمدْ بكتائبه الزنجيةِ، ينهض بين العرق.. وبين العرقِ قرنفلة مشتعلهْ) (السابق، ص 15).
ثائر منحرف
يتجاهل سعدي أن علي بن محمد كان ثائراً منحرفاً عمل لنفسه وليس للجماهير، وكان فاسداً وقاتلاً ولصاً ومعتدياً على الحرمات، ووصل به الإجرام درجة التنبؤ وادعاء الألوهية! وقد أساء إلى العبيد الذين زعم أنه يحررهم فأراهم الويل أشكالاً وألواناً!
حين قال وزير عراقي: «.. إيماني بقيمي الدينية المقدّسة واحترامي وتقديري لمشاعرِ الكثرةِ الكاثرةِ من الناسِ أهمُّ من تعاطفي، ذاك لإيماني كمسؤولٍ في الدولةِ بأنّ القيمَ المقدّسةَ ومشاعرَ الناسِ أولى بالمراعاةِ دائماً من أيِّ اعتبارٍ آخرَ، لذلك أقدّمُ اعتذاري لكلِّ من شعرَ بألمٍ في ضميرِهِ الوطنيّ والدينيّ والإنسانيّ».
هذا الاعتذار من الوزير جاء بعد أن تأذّت مشاعر المسلمين من كتابة سعدي يوسف الهابطة وغير المسئولة عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- وزوجه، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فيما يسميه قصيدة، ويعتمد في بنائها التركيبي على تكرار أغنية شعبية شائعة في العراق في أكثر من موضع. تستدعي الأغنية اسم عيشة(عائشة)، وتقول:
طِلْعَت الشُمّيسهْ على شَعَرْ عيشهْ
عيشه بنت الباشا تِلْعَبْ بالخرْخاشةْ!
ويسرد قصة أم المؤمنين وزواجها من النبي صلى الله عليه وسلم وكيف أخبرتها النساء أنها ستكون عروساً، ويقومون بتجميلها وإعدادها للعرس، بينما هي طفلة لا تدرك من الأمر شيئاً، وتستجير بسعدي لينقذها من الزيجة التي لم تتأهل لها! ثم يتحدث عن العلاقة الحميمة بطريقة غير لائقة بين نبي وزوجة طفلة كما يصوّرها: “وعائشةُ ، الحـُـمَيراءُ.. الجميلةُ مثل إيرلنديّةٍ، والشَّعْرُ أحمرُ.. يا عطاَ الله!
كان محمّدٌ، ما بين ركعته، وتالي ركعةٍ، ينوي يُباشرُها، وأحياناً يرى ما بين ساقَيها، صلاةً .. هكذا ذاقتْ عُسَيلَتَهُ وذاقَ محمدٌ، دبِقاً، عُسَيلَتَها.. هيَ مَنْ هيَ: الـحَوّاءُ عائشةُ الحـُمَيراءُ، الجميلةُ مثل إيرلنديّةٍ.. صنمُ النبيّ!”.
بذاءة وجرأة
ثم يحول عائشة إلى محاربة ومقاتلة جبارة، تقهر النبي في السرير، وتقود الحرب في معركة الجمل: “لكنّ عائشةَ الجميلةَ، سوفُ تُعْلن أن ناعمَ شَعرِها سيظلُّ أحمرَ، سوف تُعْلِنُ أنها، أبداً، محاربةٌ.. لقد قهرتْ نبيّاً في السريرِ، وها هي ذي، على جملٍ، تقاتلُ، إنّ عائشةَ الـحُـميراءَ النبيّةُ، بعدَ أن ذهبَ الذكورُ الأنبياءُ إلى الهباء..
هذه البذاءة لا يستطيع سعدى أن يكتبها عن حاكم عربي في السلطة وزوجته، ويذكرهما بالاسم، ويتحدث عن قهرها له في السرير! ولكنه ومعه الشيوعيون وطلاب الشهرة يستبيحون الإسلام ورموزه بكل بساطة، ويأتـي من يدافع عنه ويقدم لنا أحاديث نبوية تثبت بعض كلامه ولكنها لا تنفي الجراءة والبذاءة والاستباحة.
المفارقة أن رئيس اتحاد الكتاب العرب يومها -وهو شيوعي مصري- منحه جائزة الاتحاد، وكأنه يتحدى المشاعر الإسلامية على امتداد العالم، بيد أن هذا الرئيس الشيوعي لم يتوقع غضبة العالم الإسلامي ومؤسساته العلمية في كل مكان.
فقد انتقدت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) بشدة قرار الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب بمنح جائزته للعراقي سعدي يوسف، وذلك بعد قصيدته المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وزوجته عائشة، ودعت المنظمة الأزهر إلى التدخل والمطالبة بإلغاء القرار. ووصفت قرار الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب بأنه “خاطئ ومشجع على مثل هذه المواقف الهابطة والمسيئة، التي لا تمت إلى عالم الأدب والإبداع بأي صلة”.
أذية بغيضة
وذكر خالد الشايع، الأمين العام المساعد للهيئة العالمية للدفاع عن النبي، أن القصيدة “إساءة هابطة وأذية بغيضة” للنبي، مشبها كاتبها بـ”ابن سلول” زعيم المنافقين. ولفت الشايع إلى أن يوسف كانت له “سقطات مرَّت بسلام” ولكنه أكد على أن تجاوزاته الأخيرة “لن تكون كما سبقها، فإنها إفكٌ وافتراءٌ وأذيةٌ لأشرف الخلق وأفضل الرسل” مضيفاً أن ما يعدّه يوسف عيباً في زواج النبي من عائشة بسن مبكرة لم يكن كذلك حتى بالنسبة لخصومه في قريش الذين لم يعيبوا عليه ذلك، وتمنى الشايع من الاتحادات والجمعيات والهيئات المتعلقة بالثقافة في الدول العربية والإسلامية أن يكون لهم “موقف حازم” تجاه يوسف.
وقد سحبت منظمة “شعراء بلا حدود” اسم سعدي يوسف من قائمة أفضل مائة شاعر ردا على بذاءة كتابته. بعد أن سحب اتحاد الكتاب العرب الجائزة التي منحها له رئيسه الشيوعي!
حملة ضارية
ولكن القوم انتهزوا فرصة رفض السلطة العراقية رعاية الكاتب، مع أن هناك من يرعاه عربيا ودوليا، فضلا عن عوائد الترجمة والكتابة في الصحف اليومية والأسبوعية وغيرها، فحملوا حملة ضارية على المسلمين، ووصفوهم بأنهم لا يستحقون غير الاحتقار!
لقد مثلوا دور الضحية مع أنهم لا يجرؤون على إهانة خفير أو وزير ممن يحكمون العالم العربي الآن، لسبب بسيط هو أنهم يعلمون العواقب جيداً، ثم إنهم يدركون جيداً وظيفتهم الاستعمالية في خدمة الاستبداد الظالم!