أكد د. محمد بولوز، أستاذ التعليم العالي بالمغرب وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن قضية القدس وأرض فلسطين بالنسبة للمسلمين، قضية ضاربة الجذور في عقيدتهم وعميق إيمانهم، ولها ارتباط وثيق بدينهم، يصعب معه على أي كان من أعدائهم وخصومهم، مهما بذلوا ومكروا وكادوا، أن يصرفوا الأمة عن حمل هم القضية وهم تحريرها من الغزاة الغاصبين، وتطهيرها من دنس بني صهيون.
ويضيف الأكاديمي المغربي لـ”المجتمع” أن أرض فلسطين أرض مباركة، وبيت المقدس بقعة طاهرة مقدسة ومكان لثاني بيت وضع لعبادة الله وحده، تعاقبت فيه دعوات الرسل والأنبياء وهي مدفن المصطفين الأخيار، ومملكة داود وسليمان عليهما السلام؛ حيث أقاما الدين وحكما بشرع رب العالمين، ولا يستحق وراثتهما إلا من كان على منهجهما في التوحيد والإسلام لرب العالمين.
ويبرز أنها مسرى الحبيب المصطفى ومعراجه إلى السماوات العليا؛ حيث تلقى فريضة الصلاة التي يقيمها المسلمون في كل يوم خمس مرات، فتستعصي بذلك القدس على النسيان من ذاكرة المؤمنين، مهما فعل من يجتهدون في طمس الحقائق، ومهما هرول المطبعون، ومهما برر بعض الضعفاء من “أهل العلم” فكلما عجز جيل عن أداء حق تلك البقعة المباركة في التحرير سلم المهمة للجيل الذي يليه، حتى يبعث الله عباداً له؛ {أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً}.
ويشدد على أن الموعد مع البقعة المباركة سيبقى قائما ينتظره الصادقون، يهيئون ما يناسب المنازلة الحضارية الكبرى بين عبدة العجل وأحفاد عمر وصلاح الدين وعباد الله الصالحين، ينتظرون بشوق عودة أولى القبلتين وثالث الحرمين إلى دار الإسلام، ويحنون إلى علم السلام الحقيقي يرفرف على مدينة السلام ليهدوا زيت القناديل للأقصى وشموع النصر لقبة الصخرة وجميع أركان وزوايا ودروب المدينة المباركة.
الموعد مع البقعة المباركة سيبقى قائماً ينتظره الصادقون يهيئون ما يناسب المنازلة الحضارية الكبرى بين عبدة العجل وأحفاد عمر وصلاح الدين
ليست مجرد أرض
ويؤكد وجود نصوص شرعية كثيرة من الكتاب والسُّنة، تعتبر بمثابة أصول للنظرة الإسلامية للقضية المشتعلة بيننا وبين الغاصبين ومن وراءهم من المناصرين والمؤيدين الذين يشكلون حبل الناس لبني صهيون، والذي به اليوم قائمون، وحتماً سيقطعه غداً حبل الله الممدود من طنجة إلى جاكرتا يوم يستيقظ المسلمون من غفلتهم.
وهي نصوص تذكرنا -يشير المتحدث ذاته- بالعلاقة الشرعية مع القضية في ماضيها السحيق ومستقبلها المرتقب إلى قيام الساعة. فالقضية ليست مجرد أرض مغتصبة أو قضية احتلال وسرقة أرض وتهجير شعب وتدمير مستقبل أجيال فحسب، إنها قضية أمة بكاملها وقضية بقعة مباركة مقدسة في الوجدان والضمير وقضية حضارة ربانية تأبى الاستسلام لمن ضلوا السبيل ونالوا غضب الديان، إنها قضية تكليف شرعي بتطهير المقدس ودفع الظلم وإعادة أرض الأنبياء لورثة الأنبياء.
ومن أهم هذه النصوص ما يدل على أن بيت المقدس وما حولها أرض مباركة، فقد قال تعالى في سورة “الإسراء”: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، كما أن بيت المقدس ثاني مسجد بني في الأرض فقد روى البخاري عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: سمعت أبا ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: “المسجد الحرام”، قال: قلت: ثم أي؟ قال: “المسجد الأقصى”، قلت: كم كان بينهما؟ قال: “أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد، فصله فإن الفضل فيه”.
وبالرجوع إلى نصوص أخرى صحيحة، نجد أن بيت المقدس فتح على يد موسى عليه السلام، كما أن هذه الأرض المقدسة مدفن الأنبياء، فسليمان عليه السلام جدد بناء المسجد الأقصى، ويوشع بن نون أعاد فتح القدس، كما أن يحيى عليه السلام جمع الناس في بيت المقدس.
القضية ليست مجرد أرض مغتصبة أو احتلال بل قضية تكليف شرعي بتطهير المقدس ودفع الظلم وإعادة أرض الأنبياء لورثة الأنبياء
مسرى الحبيب
ويشير د. بولوز إلى وجود نصوص كثيرة، يمكن العودة إليها في مراجعنا الصحيحة تدل على أن بيت المقدس عرف بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم حادثة الإسراء، حيث وصف النبي صلى الله عليه المسجد بدقة، وبيت المقدس هو مسرى الحبيب المصطفى ومنطلق معراجه إلى السماء، كما أن المعراج من بيت المقدس مناسبة فرض الصلاة، أعظم ركن في الدين، كما أن جبريل يخرق حجر بيت المقدس ويعقل فيه البراق، والنبي يؤم الأنبياء في بيت المقدس، وقد كان بيت المقدس القبلة الأولى للمسلمين، أما فضل الصلاة في المسجد الأقصى فيعادل 500 صلاة، كما أن من صلى في المسجد الأقصى غفر له ذنبه، ومن خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة ببيت المقدس خرج من خطيئته، كيوم ولدته أمه، فإن عاد كان حقاً على الله أن يسقيه من ردغة (الطين والوحل وما يسيل من عصارة أهل النار) الخبال يوم القيامة.
ويؤكد بولوز أن المسجد الأقصى من المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، كما أن بيت المقدس نعم المصلى وهو أرض المحشر والمنشر، مبرزاً فضل الإحرام بالحج من بيت المقدس.
روى أبو داود عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من أهلّ بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو وجبت له الجنة” (شك عبدالله أيتهما قال أبو داود).
وأبرز الأكاديمي المغربي أن النبي صلى الله عليه وسلم تنبأ بفتح بيت المقدس، مبرزاً الوعد الرباني لعباده الصالحين بالانتصار على علو بني إسرائيل كلما حدث ووقع.
وأشار إلى طبيعة القوم المسيطرين على القدس وفلسطين المتسمة بالعداوة الشديدة للمسلمين حتى لا تنطلي على المسلمين الخديعة، موضحاً أن القتال واقع مع مغتصبي القدس، والنصر حليف المسلمين، كما أن هناك نصوصاً كثيرة تتنبأ بعمران بيت المقدس وخلافة المسلمين، ستشمل بيت المقدس قبيل قيام الساعة وفيه التنبؤ بانتصارهم على اليهود.