اعتبر البنك الدولي أن الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان ضمن أشد 10 أزمات وربما إحدى أشد 3 أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وأضاف في تقرير حديث له أنه “لا تلوح في الأفق أي نقطة تحول واضحة للأزمة في لبنان، فالتقاعس في تنفيذ السياسات الإنقاذية يهدد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية أصلاً”.
ورجح أن يصبح الأثر الاجتماعي للأزمة مأساوياً بسرعة، لأن الاضطرابات المالية والنقدية تقود ظروف الأزمة بشكل ملموس من خلال التفاعل بين سعر الصرف والتضخّم والكتلة النقدية بمعناها الضيّق”.
التقاعس في تنفيذ السياسات الإنقاذية يهدد الأوضاع المعيشية المتردية أصلاً
ويشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، اشتدت حدتها بعد انفجار مرفأ بيروت في شهر أغسطس الماضي، واستقالة حكومة حسان دياب.
انعكاسات الأزمة
وأسوأ انعكاسات الأزمة هو الانهيار المستمر لليرة اللبنانية مقابل الدولار، حتى وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى نحو 10 آلاف ليرة وخسارة العملة الوطنية لأكثر من 85% من قيمتها ما تسبب في وقوع الكثير من الاشتباكات بين المواطنين والعاملين في المتاجر والأسواق خصوصاً بسبب التدافع لشراء السلع المدعومة من الدولة والخلاف على أسعار السلع التي تضاعفت بشكل جنوني مع انهيار القدرة الشرائية للمواطنين.
وإعلان الحكومة التوقف عن سداد الديون الخارجية وإغلاق البنوك أمام العملاء من حين إلى آخر وتشديد القيود على عمليات سحب العملات الأجنبية، شدد الأزمة وانعكاساتها على حياة المواطنين.
أسوأ انعكاسات الأزمة هو الانهيار المستمر لليرة اللبنانية مقابل الدولار
تردي الأوضاع المعيشية
وعبثاً حاولت الحكومة احتواء الوضع عبر تدابير مختلفة، كدعم سلع استهلاكية وملاحقة المتاجرين بالعملة، لكن تدهور الليرة شكل ضربة قاصمة للجهود والنزيف مرشح للاستمرار، فمن شأن نفاد احتياطي المصرف المركزي من الدولار الذي يُستخدم بشكل رئيس لدعم استيراد القمح والمحروقات والأدوية، أن يجعل الدولة عاجزة عن توفير أبسط الخدمات.
وتسبب انهيار سعر الليرة اللبنانية أمام الدولار (15 ألف ليرة لكل دولار) في السوق السوداء، في نقص الأدوية والمنتجات والسلع المستوردة من الخارج.
4 أسباب للأزمة
عبثاً تحاول الحكومة احتواء الوضع عبر تدابير مختلفة فالنزيف مستمر
ترى د. ليلى نقولا، أستاذة العلاقات الدولية بالجامعة اللبنانية، أن هناك أكثر من عامل وراء الأزمة الاقتصادية في لبنان.
أول هذه الأسباب “السياسات الاقتصادية التي كرسها رفيق الحريري في التسعينيات من القرن الماضي عندما وضع سياسة نقدية ريعية تعطي مجالاً للخدمات على حساب الاقتصاد المنتج”، وتضيف بأن “هذه السياسة كان من المنتظر أن تصل إلى مرحلة يفلس فيها الشعب اللبناني وتفلس مؤسساته، لأن الاقتصاد لا يمكن أن يقوم على الريع دون إنتاج فعلي”.
الفساد والنهب المنظم
هناك تقارير تشير إلى نهب حوالي 52 مليار دولار من خزينة الدولة
وتتابع د. ليلى، في حوارها مع “DW” عربية، أن “السبب الثاني هو الفساد والنهب المنظم لخزينة الدولة اللبنانية، فهناك تقارير تشير إلى نهب حوالي 52 مليار دولار من خزينة الدولة لا يُعرف كيف صُرفت ولا أين تبددت! والمطلوب حالياً من التدقيق الجنائي الآن هو أن يتابع مسار تلك الأموال المنهوبة”.
لكن، وحسب نقولا، فإن “هناك طبقة سياسية مارست نهباً منظماً لخزينة الدولة على مدى 30 عاماً لا تريد لهذا التدقيق الجنائي أن يتم؛ وبالتالي هي تتلاعب بسعر الدولار وبمصير الشعب لكي تغطي على فسادها ولكي تكرر ما فعلته هذه الطبقة السياسية نفسها التي شاركت في الاقتتال الأهلي في البلاد، وفي نهاية الأمر صدر لها عفو عام عن كل ما ارتكبته من جرائم وهي اليوم تريد الوصول إلى النتيجة نفسها وأن تحصل على عفو عام عن الجرائم المالية التي وقعت في لبنان منذ التسعينيات وحتى اليوم”.
أما السبب الثالث بحسب خبيرة العلاقات الدولية فهو “التهريب وخصوصاً الدولار والمواد الغذائية المدعومة إلى الخارج، إضافة إلى جشع التجار”.
ضغوط خارجية
فيما حدت السبب الرابع بأنه خارجي، “فلا شك أن ضغوط الإدارة الأمريكية على إيران وحلفائها أدت إلى الضغط على الاقتصاد اللبناني ونظامه المصرفي، ما أدى إلى وقف التحويلات الخارجية وأدى إلى عدم التعامل مع القطاع المصرفي اللبناني بشكل مريح”.
وكثيراً ما يشهد لبنان احتجاجات شعبية تندد بتردي الأوضاع المعيشية وباستمرار تدهور سعر صرف العملة المحلية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه منذ 8 أشهر، لا تزال الخلافات بين الرئيس اللبناني ميشال عون، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، تحول دون تشكيل حكومة جديدة، تخلف حكومة دياب التي استقالت عقب الانفجار الضخم الذي وقع في مرفأ بيروت يوم 4 أغسطس الماضي.