أثار ظهور رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” في قطاع غزة، يحيى السنوار، في تشييع أحد الشهداء، فور توقف العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة، وخروجه للعلن متحديا قيادة جيش الاحتلال باستهدافه وهو على الهواء مباشرة، جدلا واسعا حول شخصيته.
لكن من يعرف السنوار عن قرب، فلن يستغرب فعله، وذلك وفق مقربين التقتهم “قدس برس” للحديث عن شخصيته، حيث اجمعوا على امتلاكه لروح التحدي والإصرار، والشخصية القيادية، التي لم تغيرها سنوات السجن الطويلة ولا العزل الانفرادي، بل على العكس خرج أشد عودا وأقوى شكيمة على الاحتلال الذي أصبح يحسب له ألف حساب.
ولد السنوار عام 1962م في مخيم خانيونس للاجئين الفلسطينيين، لعائلة لاجئة، تعود أصولها إلى مدينة المجدل (جنوب فلسطين المحتلة)، ليذوق طعم اللجوء والحرمان والاحتلال ولاحقا الاعتقال.
وترعرع السنوار في كنف أسرة فلسطينية متديِّنة لاجئة، وتربّى تربية جهادية على يد عدد من قيادات الحركة الإسلامية في حينه.
عرف منذ صغره بذكائه وفطنته وكان مميزا بين أقرانه ودرس في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” المرحلة الابتدائية والإعدادية، ثم انتقل إلى مدرسة حكومية في المرحلة الثانوية والتي تشكلت فيها شخصيته.
انتمى السنوار إلى الحركة الإسلامية التي كانت تحمل عدة مسميات قبل أن تصبح حركة “حماس” منذ نعومة أظفاره، وكان من أنشط عناصرها في خان يونس، حيث تعرف على مؤسس حركة “حماس” الشيخ احمد ياسين، وعدد من قادة الحركة البارزين أمثال: الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، والدكتور إبراهيم المقادمة، والشيخ أحمد نمر حمدان وغيرهم من قادة الحركة.
بعد إتمام المرحلة الثانوية التحق السنوار بالجامعة الوحيدة في غزة آنذاك “الجامعة الإسلامية” التي كانت من أهم مراحل حياته حيث بزغ نجمه فيها وكان أحد أنشط الطلبة فيها، يحمل القلم في يدٍ، والحجر في أخرى، لا تفلت منه هبّة جماهيرية حتى يكون في مقدمتها.
وانتُخب السنوار أربع مرات على التوالي في مجلس طلاب الجامعة التي كانت تسيطر عليه الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة “حماس”، وتولى مهام اللجنة الفنية واللجنة الرياضية، وكذلك الرئيس وأخيراً نائباً للرئيس.
رحلة الاعتقال
اعتقل السنوار أول مرة عام 1982م، عندما كان يزور مع أعضاء مجلس طلاب الجامعة الإسلامية، الطالبات اللائي سمّمهن الاحتلال في مدينة جنين وأفرج عنه بعد وقت قصير.
أوكل الشيخ ياسين عام 1984م للسنوار مهمة تشكيل جهاز أمنى للحركة الإسلامية حيث قام بذلك وكان يرأسه فيما كان عضو المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار يساعده.
وعرف هذا الجهاز الأمني باسم “مجد” وكان له دور بارز في تنفيذ عمليات ناجحة استهدفت عملاء للاحتلال ومؤسسات “إسرائيلية” في ذلك الوقت وكذلك التخطيط وتنفيذ عمليات فدائية بعلم الجهاز العسكري.
لاحظت قوات الاحتلال الإسرائيلي نشاطاً ملحوظاً للسنوار في كل ميدان، وأدركت أنّ هذا الشاب يرسم لمستقبل أسود لها فقرّرت اعتقاله في العشرين من يناير 1988م، باعتباره أبرز العناصر الطلابية النشطة، وحوّلته إلى الاعتقال الإداري، بعد أن عجزت عن الحصول منه على أي معلومة خلال التحقيق.
بعد شهر واحد من الاعتقال الإداري تمكّن الاحتلال من اعتقال أحد مسؤولي الجهاز الأمني الذي كان يرأسه يحيى السنوار، بعد انفجار عبوة ناسفة كان يعدّها، الأمر الذي استفادت منه استخبارات الاحتلال في معرفة بعض جوانب نشاط يحيى، إلى أن تم كشف مسؤوليته عن جهاز “مجد”، وكانت هذه المعلومات تهمة “إسرائيلية” استغلتها قوات الاحتلال للحكم على السنوار بالسجن 451 سنة.
السجن كانت مرحلة جديدة للسنوار وساحة جديدة من ساحات الجهاد مع الاحتلال حيث تعرض لتحقيق قاسٍ جدا ولكنه صمد صمودا كبيرا بل كان يخيف المحققين، لأنه معروف بقوته رغم اعتقاله.
وبعد انتهاء فترة التحقيق والحكم عليه تم وضعه في العزل الانفرادي لعدة سنوات حيث تنقل بين العديد من السجون.
وكان له دور كبير في خدمة المعتقلين في السجن وترأس قيادة الحركة في السجون أكثر من مرة.
ولم تتأثر معنويات السنوار بظلمة السجن ولا قهر السجان، فالأمل الكبير يحدوه لانفراجة قريبة وإشعاع لنور الحرية بعزة وكرامة.
وأمام ما كانت تمثله شخصية السنوار القوية والقيادية داخل السجن، دفع سلطات الاحتلال باستمرار إلى عدم تركه قابعاً في سجن واحد أكثر من ستة أشهر، فهي دأبت على نقله من سجن إلى آخر على مدى فترة حبسه حتى تحد من تأثيره الكبير.
بدأ السنوار يستعد للخروج من السجن بعد خطف الجندي “الإسرائيلي” جلعاد شاليط في 25 يونيو 2006م وكان اسمه على رأس القائمة بل كان جزءا من المفاوضات التي كانت تدور ليفرج عنه في 18 أكتوبر 2011م ضمن صفقة “وفاء الأحرار 1” بعد أن أمضي 23 سنة في السجن.
وعقب خروجه من السجن، شارك السنوار في الانتخابات الداخلية لحركة حماس عام 2012، وفاز بعضوية المكتب السياسي للحركة، وتولى مسؤولية الإشراف على الجهاز العسكري “كتائب القسام”.
أعطى خروج السنوار من السجن زخما كبيرا للمقاومة ورافدا مهما لقيادتها حيث تزوج وأنجب طفله البكر الذي أسماه “إبراهيم” وكان يظهر معه في مناسبات عديدة تحديا للاحتلال.
ظل السنوار لسنوات طويلة بعيدا عن وسائل الإعلام ويرفض إجراء أي أحاديث معها لكن هذا الصمت كان يخيف المحتل لأنه يعرف أن هذا الرجل يعمل بصمت.
وأدرجت الولايات المتحدة السنوار، مع اثنين من قادة حماس وهما “محمد الضيف” القائد العام لكتائب القسام، و”روحي مشتهى” عضو مكتبها السياسي، في لائحة “الإرهابيين الدوليين”، سبتمبر عام 2015م.
ووضعت الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” السنوار، على قائمة المطلوبين للتصفية في قطاع غزة، حسب وسائل إعلام إسرائيلية.
في عام 2017م، ظهر السنوار مجددا بعد انتخابه قائدا لحركة “حماس” في قطاع غزة، وأعيد ذلك مرة ثانية عام 2021م.
تحدثت دولة الاحتلال أنها حاولت عدة مرات اغتيال السنوار لكنها فشلت في ذلك لا سيما خلال العدوان الأخير على غزة، إلا أن السنوار تحداها بأن تنفذ هذه العملية وذلك خلال مؤتمر صحفي على الهواء مباشرة وتحدى قادتها بأنه سيعود إلى منزله مشيا على الأقدام لمدة ساعة كاملة وذلك بعد خطاب ناري .
هذا الموقف سببا إحراجا لدولة الاحتلال، بأنها غير قادرة على تنفيذ ما وعدت به وطلبت من الوسيط المصري وقف ما أسمته الاستفزازات من خلال تصرفات السنوار بهذه الطريقة.
قائد بطبيعته
يصف الكاتب والمحلل السياسي سمير حمتو السنوار بالقول إنه “قائد بطبعه، هادئ حتى السكينة، ثائر حتى التمرد، كل ذلك مصبوغ بقدرة عجيبة على التجميع مع فهم واع للزمان والمكان ومتطلّبات التجديد في العمل، فهو مزيج من هذا وذاك وغيره”.
ويضيف حمتو لـ “قدس برس”: “تكمن قوة السنوار في بساطته، وبساطته في طرحه الثوري عميق المعنى، سلسل المبنى، وسهل الأسلوب حتى إلى الدرجة التي تزعج المتفلسفين عندما يتحدث مع الناس بمنتهى التلقائية والبساطة”.
ويشير إلى أن أمنية السنوار نيل الشهادة في سبيل الله، عززت زهده في الحياة وتفرغه للمقاومة بأسلوبه الذي فرضه وشخصيته المتمردة، قائلا: “إنها لغة الثائر التي هي كذلك، ومنهج الثورة التي يعرفها من قرأ عن حياة الثوار الصادقين.”
ويضيف “السنوار بعد هذه السنوات الطويلة من الجهاد نصفها قضاها في سجون الاحتلال يتحدث بهذه الطلاقة والتلقائية؛ ليشعر كل فلسطيني وعربي ومسلم وإنسان حر بغاية السعادة لأنه وجد مثالاً عملياً ماثلاً يجسد مفاهيم الثورة بخطاب الثائر”.
ويتابع: “السنوار لم يستسلم لأسوار السجن، وتمرّد على إرادة السجانين، وقرّر الالتحاق بالجامعة العبرية، التي انتسب إليها فعلاً، وتخصّص في دراسة تاريخ اليهود المعاصر، إلاّ أنّ سلطات الاحتلال حرمته من إكمال الدراسة بعد ثلاث سنوات من الالتحاق بالجامعة”.
وبيّن حمتو أن السنوار يمتلك إرادة صلبة، وقلباً شجاعاً، كيف لا وهو من الجيل المؤسس لحركة حماس، ومن أوائل كوادرها.
من جهته، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي احمد الكومي ظهور السنوار متجولًا في شوارع غزة رغم تهديد الاحتلال باغتياله هو رسالة تحدّ كبيرة وجد السنوار أنها لا تنتظر إطلاقًا، رغم كونها مخاطرة.
وأكد الكومي لـ “قدس برس” أن هذا التصرف من السنوار كما جاء بعد ساعات قليلة من مقابلة لوزير الحرب “الإسرائيلي” بيني غانتس مع صحيفة يديعوت قال فيها إنه “لا يعطي حصانة لأي من أعدائه”، حين سُئل: هل هناك نية لاغتيال قادة حماس رغم وقف إطلاق النار؟”.
وقال الكومي: “هذا يعني أن تحدّيا بهذا المستوى يثبت أن ما جرى هو هروب فعلي ومخزٍ لإسرائيل من المواجهة يجعلها تفضل شاطئ الأمان على الأمواج العالية، لذلك فهو ظهور لتثبيت صورة الهزيمة، كما أنها ردّ سريع وشجاع على غانتس لتثبت أيضًا أنه وزير جبان، ويرسّخ ما كتبته يديعوت نفسها عنه في وقت سابق بأنه (ليس خائناً، وليس بطلاً أيضاً. هو من جيل الجنرالات الذين لم يعرفوا النصر في حياتهم المهنية)”.
وأضاف: “إن كان غانتس يمنح الحصانات فدولته أولى بها بعد الهشاشة الداخلية التي ظهرت عليها، لذلك فإن البلاغة في جولة السنوار أنها كانت على عين إسرائيل”.