ولد صالح: ما يُقدّم للفلسطينيين من مال لا يعتبر من التبرّع بل تأدية واجب عيني على الفرد متعبّد بدفعه لهم
هشام: محاولات تهويد القدس تعكس حرباً خفية غير منظورة أمام العالم رغم أنها تتسم بالخطورة
بدران: على المسلمين مواجهة مشروع التهويد بمشروع مضاد يدعم أهل بيت المقدس ويحمي أحياءهم ومساجدهم
حريشة: مساعي الصهاينة للسيطرة على القدس خطوة أولى لتفريغها من المسلمين ليتسنى لهم هدم الأقصى وتجريفه
الرابع عشر من مايو عام 1948م تاريخ منقوش في ذاكرة كل فلسطيني، بل في ذاكرة كل عربي ومسلم بحبر الألم والنكبة والضياع، فهو اليوم الذي أعلن فيه الكيان الصهيوني احتلاله للأراضي الفلسطينية المباركة، وقام بتشريد مئات الآلاف من الشعب الفلسطيني الذي لا يزال صامداً مرابطاً على ثغور المقاومة غير عابئ بالقصف الصهيوني الوحشي ولا بطول سنوات الخذلان وليل الوهن والخنوع.
ورغم مرور أكثر من سبعة عقود على تلك اللحظة التاريخية المؤلمة (النكبة)، فإن القضية الفلسطينية لا تسقط بالتقادم، بل تتأكد أهميتها وضرورة الدفاع عنها شرعياً واجتماعياً وقانونياً وسياسياً ومنطقياً يوماً بعد يوم، نظراً لقدسيتها في دستور المسلمين (القرآن الكريم)، ومكانتها في الوجدان العربي والإسلامي على مرّ الأيام والليالي.
في هذا التحقيق، سنسلط الضوء على مكانة القضية الفلسطينية في وجدان عدد من العلماء والمفكرين والمثقفين العرب، حيث سنتطرق إلى التوصيف الشرعي للقضية الفلسطينية، ومشروع تهويد القدس، وظاهرة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وضرورة مقارعة الاحتلال الغاصب، وذلك من أجل الكشف عن مدى ارتباط العرب والمسلمين بقضية فلسطين العادلة، وحرصاً على إذكاء حماس وعزيمة العرب والمسلمين وتجديد ارتباطهم بقضيتهم الأولى قديماً وحديثاً.
عندما نسأل أهل الذكر عن إجابة شرعية عن سؤال: ما التوصيف الشرعي للقضية الفلسطينية؟ سنجد أن الإجابة تتمثل في أن القضية الفلسطينية قضية عادلة وتمثل جهاداً لا غبار عليه، ففي تصريح لـ”المجتمع”، قال الشيخ ولد صالح، الأمين العام لهيئة العلماء الموريتانيين: إن القضية الفلسطينية جهاد دفع في زمننا متعيّن على الفلسطينيين فرض عين على مجاوريهم إن عجزوا، مؤكداً أن الفلسطينيين يقومون بواجب الدفاع عن المقدسات ويتعين على الأمة نصرهم بالمال والأنفس، وأن ما يقدّم لهم من مال لا يعتبر من التبرع بل هو من تأدية واجب عيني على الفرد متعبّد بدفعه لهم.
من جانبه، قال محفوظ ولد إبراهيم فال، نائب المدير العام لمركز تكون العلماء عضو هيئة علماء موريتانيا، في تصريح لـ”المجتمع”: إن التوصيف الشرعي للقضية الفلسطينية هو أنها جهاد في سبيل الله يجب على كل مسلم أن يشارك فيه بما يستطيع، فعلى من لم يباشر الجهاد بنفسه أن يباشره بماله، مذكراً بأن الله تعالى قدّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في أغلب مواضع القرآن الكريم باستثناء موضع واحد: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) (التوبة: 111).
ولد إبراهيم فال: القضية الفلسطينية قضية جهادية لا غبار عليها وتجتمع فيها أهم مقاصد الجهاد ودوافعه
وأضاف أن قضية فلسطين قضية جهادية لا لبس فيها ولا غبار عليها، وليست ككثير من القتال في بلاد المسلمين الذي تشوبه شائبة الفتنة ويلتبس فيه الحق بالباطل والعدل بالظلم، بل هي قضية جهادية واضحة وتجتمع فيها مقاصد الجهاد التي من أهمها: الدفع عن الدين وعن شعائره وشرائعه ومعالمه لقوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40).
وأكد ولد إبراهيم فال أن قضية فلسطين تتحقّق فيها مقاصد أخرى من مقاصد الجهاد، وهي الدفاع عن المسلمين وأرضهم وعرضهم، فالدفاع عن المسلمين في كل مكان وزمان واجب لقوله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) (الأنفال: 72)، موضحاً أن هذا الوجوب يتأكد أكثر إذا كانت الأرض المغتصبة أرض فلسطين؛ الأرض المباركة التي توجد فيها القدس الشريفة والأٌقصى المبارك، وهاجر إليها الأنبياء وأقاموا فيها دين الله تعالى، وذكر الله تاريخها في كتابه العزيز، وأنها تعرضت للاستلاب من أعداء الإسلام ثم استردها المسلمون، وسيستردونها من جديد.
وأردف عضو هيئة علماء موريتانيا قائلاً: اليهود جاؤوا لفلسطين ليتوسعوا، ولا يريدون فلسطين وحدها، لأنهم حين جاؤوا تكلّموا عن الزحف إلى مكة وغزو المدينة، وبدؤوا يتوسعون في البلدان المجاورة، فأخذوا من مصر ولبنان والأردن وسوريا، ولكن أهل فلسطين المجاهدين المقاومين الصامدين تولّوا عن المسلمين جميعاً شر الصهاينة الأشرار، ووقفوا في وجه تمددهم وتوسعهم وقالوا لهم: ستخمد نار عدوانكم هنا وسنتولى نحن شرّكم عن الأمّة الإسلامية، ومن هنا فإن الفلسطينيين هم الذين يحمون الأمة ويدافعون عن شرفها ومجدها ومقدساتها، ولو لا جهاد الفلسطينيين المقاومين لعاث اليهود في بلاد الإسلام فساداً، ولما صاروا يصنعون الجدر العازلة والقباب الحامية لهم وينتظرون السوء كل يوم.
مشروع التهويد
أما بالنسبة لمشروع تهويد القدس، فقد أجمع المتحدثون لـ”المجتمع” على رفضه وإدانته نظراً لمخاطره المتعددة وأهدافه الخبيثة، فهذا الدكتور بدران بن الحسن (من الجزائر) يقول: إن عملية التهويد قائمة على قدم وساق وبدعم من المنظمات الصهيونية والمتصهينة في العالم، وتشكل خطراً عظيماً على بيت المقدس؛ سواء مسجدها الأقصى أو معالمها الإسلامية الأخرى الدينية والثقافية والعمرانية والتاريخية، مؤكداً أن المشروع التهويدي له مخاطر على هوية القدس وعلى عروبتها وإسلاميتها، ولذلك على المسلمين مواجهة هذا المشروع بمشروع مضاد يدعم أهل بيت المقدس ويحمي أحياءَهم ومساجدهم ومعالمهم التي حافظوا عليها رغم كيد المحتل.
بدورها، قالت د. عريب محمد عيد (من الأردن): إن الأقصى ما زال صامداً أمام مساعي العدو إلى تهويده، ووضع يدهم على المكان وفرض سيادتهم عليه، وفي ذلك محاولة لتصفية الوجود العربي والإسلامي والمسيحي وحقهم فيه، فيسهل بذلك على المستوطنين اليهود أداء شعائرهم التلمودية بحرية، كما أن في هذه المحاولات اعتداء على الدور الأردني الذي له حق السيادة على المسجد الأقصى بموجب القانون الدولي الذي يعدّ الأردن آخر سلطة محلية مشرفة على تلك المقدسات قبل احتلالها من جانب الكيان الغاصب، وللبيت ربٌّ يحميه.
من جانبه، يرى عبدالسلام بلاجي (من المغرب) أن تهويد القدس خطة معاكسة لمسار التاريخ وحقائقه، وتقوم على أساس ادعاءات كاذبة وغير مسلمة حتى من داخل الطوائف اليهودية نفسها، فضلاً عن أنها تهدّد البشرية كلها بحروب مدمرة، لأنها غير مقبولة ولا ممكنة إسلامياً ولا إنسانياً ولا دينياً من الجميع.
أما د. عبدالمنعم حريشة (من ليبيا)، فيعتقد أن مساعي الصهاينة للسيطرة على القدس وتغيير التركيبة السكانية فيها ما هو إلا خطوة أولى لتفريغها من المسلمين ليتسنى لهم هدم الأقصى المبارك وتجريفه ظناً منهم أن يجدوا تحت أنقاضه هيكل سليمان المزعوم، ولعلمهم بأن القدس هي “ترمومتر” الأمة الإسلامية ومعيار نهوضها وقوتها.
عريب: التّطبيع جريمة في حق الشعب الفلسطيني وتجاهل لتاريخٍ نضاله ومقايضة خاسرة على حساب دماء الشهداء
من جهته، يَعتبِر الأستاذ الجامعي الباحث في المعارف المقدسية د. هشام محمد عبدالله (من العراق) أن محاولات تهويد القدس تعكس حرباً خفية غير منظورة أمام العالم، فهي محاولات تتسم بالخطورة، وعلى الأمة أن تعي أن هناك حرباً ظاهرة على السطح قد تشتغل بها الأمة بعمومها، ولا ينتبه إليها إلا من عايش القضية المركزية للأمة بشكل دقيق، وتمثل محاولات التهويد بكل أشكاله وصوره حالةً خطيرة، ومن المؤكد أن أهلنا في الأرض المحتلة عامة وفي القدس خاصة يعون هذه الحرب الخفية.
ومن أجل كشف وفضح هذه الحرب الخفية، يقول د. هشام: ينبغي أن تتحوّل قضية التهويد إلى قضية رأي عام في الأمة وشعوبها، وهنا تكون قضية التعريف بمخاطر تهويد القدس من القضايا ذات الأهمية التي ينبغي أن تأخذ حظاً في المناهج المتخصصة بالمعارف والقضية الفلسطينية، ولا يخفى أن التهويد قد أخذ مساحات كبيرة في تهويد الأمكنة والمرافق والمؤسسات والتاريخ والحضارة العربية والإسلامية في فلسطين، وقد تطاول الأمر ليدخل حيّز العادات والقيم الاجتماعية، فأصبح العالم الجاهل بتاريخ هذه الأرض وشعبها يتعامل مع الأشياء وكأنها ذات مرجعية (إسرائيلية)، لذا ينبغي تسليط الضوء في وعي الأمة وشعوب العالم إلى خطورة هذه السرقة التاريخية والحضارية والدينية.
مخاطر التطبيع
والحقيقة أن مخاطر التطبيع مع الكيان الصهيوني لا تختلف عن مخاطر تهويد القدس وحتى إن اختلفت الألفاظ فإن الهدف واحد، ولهذا فقد اتفق المتحدثون لـ”المجتمع” على رفض التطبيع مع الصهاينة جملة وتفصيلاً نظراً لمخاطره المتعددة، حيث نجد الباحث الجزائري د. بدران بن الحسن يُعدّد مخاطر التطبيع فيقول: إن التطبيع مشروع خطير نفسياً وسياسياً وثقافياً واقتصادياً، فهو خطير نفسياً لأنه يكسر حاجز العداء مع المحتل الصهيوني ويجعل وجوده في أرضنا أمراً طبيعياً مقبولاً تمهيداً لتحويله إلى جزء من التركيبة الطبيعية للمنطقة، وخطير سياسياً لأنه يمثّل قبولاً لضياع فلسطين واعترافاً بالكيان الغاصب وتمكينه من أن يكون دولة مقبولة بإقامة العلاقات معه، وهذا فيه تسليم بتقسيم فلسطين بل وذهابها، وخطير ثقافياً لأنه يقود إلى تغيير بنية التفكير والثقافة من ثقافة وتفكير مقاومة إلى تفكير متصهين يحارب ثوابت الأمة وقضيتها المركزية ويؤسس لثقافة الهزيمة التي ورثتها لنا أنظمة “سايكس بيكو”، وخطير اقتصادياً لأنه يمنح الكيان رئة حياة بتوسيع تجارته وصناعته وتعاملاته مع المحيط، ويحرم الفلسطينيين من ذلك.
ويشاطره الرأي المفكر والكاتب المغربي عبدالسلام بلاجي، الذي يقول: إن التطبيع مع الصهاينة أمر مدان ومرفوض شرعاً وعقلاً وسياسة، لأنه يفترض إقامة علاقات طبيعية مع كيان غير طبيعي ومغتصب وعنصري ويحمل بذور فنائه في أحشائه، مؤكداً أن معظم البلدان التي طبّعت مع هذا الكيان تدرك ذلك، وقد قامت بالتطبيع تحت الإكراه والمقايضات السياسية المعلنة والخفية، فهو بذلك غير منطقي وغير واقعي وباطل، وإذا كانت الأنظمة قد أقامته بناءً على إكراهاتها فإن الشعوب العربية والإسلامية ستسقطه، لأنها متحرّرة من إكراهات الأنظمة ولا يمكنها القبول باستمرار وضع قائم على أسس باطلة.
وعلى المنوال نفسه، يقول الباحث العراقي د. هشام محمد عبدالله: إن التطبيع جريمة الحكام وولاة الأمر المتسلطين في أمتنا العربية والإسلامية، وشعوب العالم العربي والإسلامي بريئة مما يفعله هؤلاء، والتطبيع الذي تُجبَر عليه الشعوب قد بدأ من محاولات اختراق الأمة عبر حكامها، ولو كان للأمة وجودٌ وفاعلية وحرية في بلدانها ما تجرّأ الحكام على ذلك، وهنا لا بد من الانتباه إلى الأصوات النشاز التي تريد السلام مع الكيان الصهيوني في مقابل معيشة آمنة متوهمة أو رغدٍ من العيش تافه، متناسين في ذلك أن الأمم لا تحيا مع الظلم ولا تستقيم حياتها عندما يتساوى القاتل والمقتول والمحتل للأرض وصاحبها الحقيقي، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن عملية دفع مقاومة الاحتلال بكل الوسائل ومنها الوسيلة المعرفية بتوعية الأمة بمخاطر الانزلاق إلى هذا المستنقع، فهذه العملية ستبقي الوقود يدوم أطول فترة ممكنة حتى يندحر الاحتلال وأعوانه ومطبعوه عن صدور الشعوب الحرّة التائقة للحرية والعيش الكريم.
بلاجي: التطبيع مدان ومرفوض شرعاً وعقلاً وسياسة وتهويد القدس خطة معاكسة لمسار التاريخ وحقائقه
أما الباحثة الأردنية عريب محمد عيد، فترى أن التّطبيع خيانة كُبرى لا تغتفر، وفي كل المستويات: الأفراد والجماعات والدول، ولا مسوّغ له على الإطلاق، لأنه جريمة في حق الشعب الفلسطيني الباسل، وتجاهل لتاريخٍ نضالهم الخالد، ومقايضة خاسرة على حساب دماء الشهداء، ولا يزال الفلسطيني يدفعُ ثمناً باهضاً له غربةً وقهراً وتشريداً وظلماً.
بدوره، قال الأكاديمي د. عبدالمنعم حريشة: إن ما رأيناه في الأشهر والسنوات القليلة الماضية من سعي أنظمة الحكم في بعض الدول الإسلامية من تطبيع مع الكيان الصهيوني ما هو إلا استكمال للمؤامرة الكبرى التي يسعى الصهاينة من خلالها لاستكمال حلمهم المنشود في أرضهم المزعومة من النيل إلى الفرات، وأضاف: نقول لهؤلاء ومن على أثرهم يسير إن الأمة اليوم ليست كالأمس والمقاومة اليوم ليست كالأمس، فقد دار الزمان دورته، وإننا على يقين أن الله يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق.
تقييم المقاومة
ولأن الكيان الصهيوني أوقف إطلاق النار في آخر معركة عسكرية تحت ضربات المقاومة الفلسطينية، كان من اللازم أن نسأل العلماء والمفكرين الذين تحدثوا لـ”المجتمع” عن دور المقاومة وأهمية دعمها لمقارعة الاحتلال وإذكاء “حماس” المسلمين من أجل النهوض لحماية مقدساتهم، فأكدوا أهمية دور المقاومة وطالبوا بدعمها بالغالي والنفيس لتكثيف جهودها وتوحيد صفوفها، حيث قال د. بدران بن الحسن (من الجزائر): إن دور المقاومة حيوي في إحياء الأنفس التي استسلمت للأمر الواقع الصهيوني أولاً، وثانياً دورها دفاعي وضروري وليس اختيارياً، وثالثاً لأنه مشروع أمة تمثّل فيه المقاومة رأس الحربة في إذكاء جذوة الجهاد والمقاومة لتحرير فلسطين وكل أراضي المسلمين.
وفي محاولة لتقييم حسابات المقاومة والاحتلال الصهيوني انطلاقاً من دروس ومواجهات ملحمة الأقصى والشيخ جرّاح، قال الكاتب والمفكر التونسي عبدالحميد الجلاصي: لقد أخطأ الاحتلال المجرم حساباته، فلا المقاومة انتهت، ولا الشارع العربي استكان، ولا مات الضمير الإنساني، ولذلك يتفق الصديق والعدو اليوم على أن المقاومة أنجزت ملحمة يمكن أن تُعيد بوصلة الصراع ليس إلى ما قبل عدوان المستوطنين على حيّ الشيخ جراح، وإنما إلى ما قبل أوسلو؛ لتتفتح أفقاً تحريرياً جديداً.
وأضاف الجلاصي أن الملحمة التي أنجزتها المقاومة بعثت في المنطقة روحاً جديدة، وأعادت الأمل في قدرتنا على الفعل وتحقيق المكاسب، وكل مسارات النهوض تنبع في أعماق الأنفس، وبجانب ذلك لا بد من الاستثمار السياسي لما حدث، خاص أن المقاومة الفلسطينية في أفقها الإنساني الواسع لا تحرّر فقط الإنسان الفلسطيني والأرض الفلسطينية، بل تساهم كذلك في تحرير اليهودية من الصهيونية وفي تحرير مواطني الدول الكبرى من أكاذيب حكامهم.
من جهتها، ترى د. عريب محمّد عيد أن المقاومة هي الطريق الوحيد والمشروع والخيار الأمثل إلى التحرير من نير المحتل المعتدي؛ سواء أكانت المقاومة على مستوى التّنظيمات أم الأفراد والقوى الشعبية، ولهذا تؤكد الدكتورة عريب أن الدفاع عن مقدسات الأمّة واجب ترخص لأجلها التّضحيات ويبذل الغالي والنّفيس أمام غاية تحريرها من أيدي الغاصبين، فهي رمز راسخ لوجودنا، وأيقونة تحكي تاريخ عروبتنا وتجذّرنا في هذه الأرض المباركة، وامتداد يصلنا بماضينا، وبها نجسّر طريق الحاضر لمستقبل أمتنا، فليست هي الإرث العروبي والعقدي الذي يجب حمايته والمحافظة عليه حسب، بل هي مَجمَعُ كرامة الأمة وعزتها، وفخرها.
وفي الختام، يجوز لنا أن نقول: إن القضية الفلسطينية لا تزال تسكن وجدان العرب والمسلمين رغم تخاذل هنا وتطبيع هناك من طرف بعض الحكومات، لكن أعناق الجماهير العربية الإسلامية -في كل مكان- تشرئبّ إلى النصر الذي ستشرق شمسه لا شك على أرض فلسطين مهما طال ليل الاحتلال الغاشم وتعددت انتهاكاته الوحشية ومخالفاته للقوانين الدولية.