يصادف اليوم السبت 5 يونيو 2021م الذكرى الرابعة والخمسين لهزيمة يونيو 1967م، التي خسرت فيها مصر وسورية وفلسطين مزيداً من الأرض والكرامة والجند؛ ليتجسد واقع احتلال صهيوني جديد في ذاك الوقت الْتهم شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس، ولكن جاءت الذكرى هذه المرة بتغيير على الأرض؛ حيث تضمد مصر جراحها، عبر اشتباك مصري مع توابع العدوان الصهيوني الأخير خاصة في غزة.
عدوان جديد
الذكرى الأليمة حلت هذه المرة بتواجد ميداني مصري في قطاع غزة لإزالة آثار عدوان صهيوني جديد، بعدما حاولت الأيادي المصرية بعد الهزيمة المريرة إزالة آثار العدوان الأكبر من الكيان الصهيوني في العام 1967م.
في هذا الإطار، لفت الأكاديمي البارز د. حسن نافعة النظر إلى هذا التغيير، مشيراً إلى أن ذكرى الهزيمة هذه المرة تأتي مع انتصار المقاومة الفلسطينية؛ ما يخفف الألم ويزيد الأمل.
وقال نافعة، في تغريدة على حسابه الرسمي على موقع “تويتر”: كانت 5 يونيو هي ذكرى الهزيمة والانكسار، أما اليوم فتأتي هذه الذكرى معطرة بانتصار المقاومة الفلسطينية لتمنحنا أملاً جديداً في مستقبل أفضل.. المقاومة هي الحل!
ميدانياً، بدأت الآليات المصرية في قطاع غزة بإزالة الركام والدمار الذي خلفه العدوان الصهيوني في قطاع غزة، وذلك بعد دخولها، أمس الجمعة، للبدء في عملية إعادة الإعمار.
وقالت وسائل إعلام محلية رسمية: دخلت بتوجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسي معدات وأطقم هندسية مصرية إلى قطاع غزة، عبر معبر رفح البري؛ للمساهمة في إزالة أنقاض المنازل المهدمة بالقطاع؛ لتهيئة المجال لبدء عملية إعادة الإعمار.
وبحسب ما رصد مراسل “المجتمع”، فقد احتفت وسائل الإعلام الرسمية والمقربة من السلطات بالاستقبال الفلسطيني لعبور عشرات الجرافات والرافعات والشاحنات معبر رفح، إلى غزة.
وأبرزت صحيفة “الأهرام” الحكومية وجود استقبال رسمي وشعبي من الفلسطينيين، مشيرة إلى أن الذين استقبلوا القافلة لوَّحوا بالأعلام المصرية والفلسطينية معاً.
هذه الأسباب
وفي سياق متصل، حاول كتَّاب مصريون بصحف حكومية تسليط الضوء على حزن المصريين وأسباب الهزيمة وتوابعها، وشن أحدهم انتقاداً لاذعاً على الاستبداد السياسي أيام الستينيات وربطه بالهزيمة، وذهب آخر إلى التساؤل بوضوح: هل ننتظر نكسة جديدة نقرأ بعدها الفاتحة على أمتنا العربية؟
وفي صحيفة “أخبار اليوم” الحكومية، كتب الكاتب الصحفي رفعت رشاد، المرشح على منصب نقيب الصحفيين سابقاً، مقالته بعنوان “الوطنية.. والنكسة”، وصف فيها يوم 5 يونيو 1967م بأنه “نكسة وسيف قاطع شطر تاريخ العرب إلى ما قبلها وما بعدها”.
ولفت رشاد إلى أن الاستبداد كان أحد أهم الأسباب قائلاً: “لم يكن الحاكم يسمع؛ لأن أذنيه مشغولتان بأمور لا علاقة لها بالشعب، هو داخل الجدران يحجب حراسه صوت الشعب عنه، وترك حراس السلطان العدو وأعطوا حواسهم وتركيزهم للمواطن، تنصتوا عليه، راقبوه، ضربوه، عذبوه، حرموه، اعتقدوا أنه العدو أو قصدوا أن يكون العدو لأن هزيمة المواطن أسهل من هزيمة العدو، وتحقيق الانتصار على المواطن أكثر إلحاحاً من الانتصار على العدو”.
وأضاف أن “الحكام اعتقدوا أنهم حماة الوطنية، وأن لا صوت يعلو فوق صوتهم وأن المواطن خائن، رأوا أن المواطن مجرد رقم في خانة الآحاد، فوقعت النكسة، صارت هزيمتنا حقيقة واقعة، ولم نعاود الانتصار إلا بعدما تغيرت الأفكار ولم يعد المواطن هو العدو ولم تعد الوطنية حكراً على أحد”.
الكاتب والمحلل السياسي د. أسامة الغزالي حرب كتب، اليوم، في عموده “كلمات حرة” بجريدة “الأهرام” الحكومية: “5 يونيو، اليوم الذي سوف يظل محفوراً في ذاكرتي، مثل كل أبناء جيلي، ومثل كل المصريين، مرتبطاً بواحدة من أسوأ وقائع تاريخنا المعاصر، التي عرفت بعد ذلك بحرب الأيام الستة أي هزيمة 1967م”.
وأضاف أنها “كانت -من المنظور التاريخي الشامل- مجرد مرحلة أو معركة في مجرى الصراع مع “إسرائيل”، محت آثارها بعد ستة أعوام حرب أكتوبر المجيدة، ولكن تلك الهزيمة كانت لها آثارها الدولية والعربية التي استمرت عقوداً بعده، تحت المسمى العتيق أزمة الشرق الأوسط!”.
ولفت د. الغزالي النظر إلى أن تلك الهزيمة كانت سبباً في تغير الأفكار في مصر وصعود الإسلاميين، قائلاً: “غير أن تلك الواقعة، سواء أسميناها هزيمة أو نكسة، كانت بالنسبة لي، على المستوى الشخصي نقطة تحول حاسمة، في تطوري الفكري، من الناصرية إلى اليسارية أو الماركسية، في حين كانت أيضاً بالنسبة لقطاع آخر من الشباب دافعاً أو محفزاً دافعاً لتبني الفكر السياسي الديني الذين تلقفهم الإخوان المسلمون والسلفيون”.
وفي صحيفة “المصري اليوم” الخاصة، تساءل بوضوح الكاتب الصحفي طارق عباس في مقاله “نكسة يونيو نقطة تحول خطيرة في الصراع العربي- الإسرائيلي”: “هل ننتظر نكسة جديدة نقرأ بعدها الفاتحة على أمتنا العربية؟”.
وأوضح عباس ملامح ضيقه وسؤاله بعد استعراض موجز لتوابع الواقع العربي قائلاً: “تمكنت “إسرائيل” من أن تكون القوة الإقليمية العظمى، وأدركت الولايات المتحدة أنه لن يصون مصالحها إلا “الإسرائيليون”، أما العرب فقد قذفت بهم خلافاتهم وإستراتيجيتهم غير الواضحة إلى مستنقع الهزيمة، ورغم انتصار أكتوبر العظيم، فإن المنطقة العربية لا تزال إلى يومنا هذا غارقة في مستنقع الخلافات والفتن”.
وأشار إلى أنه بانتهاء الحرب العربية- “الإسرائيلية”، في 11 يونيو 1967م، وبعد التزام جميع الأطراف بوقف إطلاق النار وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم (234)، الصادر في 7 يونيو 1967م، دخلت منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة أفرزتها نتائج هذه الحرب، سواء على المستوى العربي أو المستوى “الإسرائيلي” أو علاقة الولايات المتحدة بطرفي النزاع.