تعيش موريتانيا منذ أيام على وقع انفلات أمني مخيف ارتفعت وتيرته بعد اغتيال الأستاذ والأديب الموريتاني أحمد سالم ولد ألمّا، مساء الخميس الماضي، على بعد أمتار قليلة من منزله في العاصمة الموريتانية نواكشوط، حيث تم طعنه بسكّين مرات من طرف ثلاثة لصوص يبدو أنهم كانوا تحت تأثير المخدرات، ففارق الأستاذ الحياة قبل أن يصل إلى المستشفى لتلقي الإسعاف.
العملية الإجرامية البشعة هزّت الشارع الموريتاني فخرج عن صمته، وأعادت إلى الأذهان ضرورة مواجهة الانفلات الأمني المتزايد، فبدأ الكتّاب والمدونون يطالبون بتطبيق الشريعة لتقويم المجرم ومنع الجريمة، وأدانت الأحزاب السياسية الموريتانية الوضع الأمني المخيف، وتم تنظيم تظاهرات أمام القصر الرئاسي بنواكشوط تطالب بفرض الأمن والتعامل بعزم وحزم مع العصابات الإجرامية التي تقضّ مضاجع الموريتانيين في أرجاء الوطن.
تحرك حكومي غير معلن
ويبدو أن تزايد الانفلات الأمني يُشير إلى تطور جديد مخيف في تاريخ الجرائم بموريتانيا، ولا شك أنه سيضع سياسات الحكومة الموريتانية الحالية على المحك نظراً لأنه يهدد الوئام الأهلي والسلم الاجتماعي في موريتانيا، وقد ذكرت مصادر إعلامية موريتانية أن الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني ترأس، أمس الاثنين، اجتماعاً للمجلس الأعلى للأمن في القصر الرئاسي بنواكشوط، حضره وزير الداخلية ووزير الدفاع وقائد أركان الجيوش، وقادة الأجهزة الأمنية، وناقش الاجتماع الوضعية الأمنية التي تشهدها العاصمة نواكشوط وبعض المدن الموريتانية.
وفي السياق نفسه، تداول رواد وسائل التواصل الاجتماعي في موريتانيا، أمس الاثنين، صوراً للرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني وهو يتفقد الوحدات الأمنية المكلفة بالأمن في العاصمة نواكشوط الليلة قبل البارحة (ليلة الاثنين) وبجانبه بعض قادة الأجهزة الأمنية ووزير الداخلية، ولكن الملاحظ أن وسائل الإعلام الموريتانية الرسمية لم تتعرض لهذه الزيارة التفقدية غير المعلنة، كما أنها لم تتطرق لموضوع الاجتماع الأمني الذي عقده المجلس الأعلى للأمن في القصر الرئاسي تحت قيادة رئيس الجمهورية.
تقويض هيبة الدولة
ولم تبقَ الأحزاب السياسية الموريتانية متفرّجة على الوضع الأمني المرعب الذي تشهده موريتانيا، بل أصدرت أحزاب (اتحاد قوى التقدم، وتكتل القوى الديمقراطية، وحزب التناوب الديمقراطي، وحزب الصواب)، أمس الاثنين، بياناً مشتركاً أكدت فيه أن موريتانيا تشهد أوضاعاً أمنية خطيرة، تجلّت في انتشار عصابات إجرامية في مختلف أنحاء البلاد وفي طليعتها المدن الكبرى، خاصة في العاصمة السياسية نواكشوط والعاصمة الاقتصادية نواذيبو.
وأكد البيان أن هذه العصابات الإجرامية تقوم بترويع المواطنين والتعدي عليهم في بيوتهم وفي الشوارع، فتقتل وتغتصب، وتسلب وتبتز، وتتصرف تحت تأثير المخدرات التي يتم بيعها في وضح النهار داخل الحوانيت وأمام المدارس، وقال البيان “إنّ الانفلات الأمني الحالي يقوّض بشكل خطير هيبة الدولة، وينذر بكارثة حقيقية قد تطال كافة مناحي الحياة اليومية للمواطنين، ممّا يُشكّل تهديداً جدياً للوئام الأهلي والسلم الاجتماعي”.
وندّدت هذه الأحزاب، في بيانها المشترك، بالتدهور المُخيف للأوضاع الأمنية في موريتانيا، وأعربت عن استيائنا الشديد إزاء عدم المبالاة وتراخي السلطات الموريتانية العامة في مواجهة خطورة آفة المخدرات، كما طالبت الحكومة باتخاذ كافة التدابير في أسرع الآجال، من أجل المحافظة على أمن وسلامة المواطنين والأجانب المقيمين في موريتانيا.
عمل نضالي سلمي
من جانبه، أصدر حزب تواصل الإسلامي المعارض، أمس الاثنين، بياناً أشار فيه إلى التحديات الجمة التي تواجه موريتانيا، مثل تدهور الوضع الأمني بشكل مخيف، وازدياد البطالة، وارتفاع الأسعار، وتفاقم الفساد، وتدوير المفسدين، واستمرار الغبن والإفلات من العقاب، وقال إنه سيعتمد “برنامج عمل نضالي سلمي بهدف تحميل النظام المسؤولية وإلزامه بمواجهة الوضع الصعب الذي يعيشه المواطنون في وحدتهم الوطنية وحريتهم وأمنهم ومعيشتهم”.
ودعا الحزب قوى المعارضة والحركات الشبابية والنقابات وسائر منظمات المجتمع المدني إلى تحمل مسؤولياتها وتجاوز تبايناتها للوقوف في وجه المخاطر المحدقة، كما جدد الدعوة إلى حوار وطني شامل يحصن الجبهة الداخلية ويفضي إلى تحول توافقي، يضع الأسس الصلبة لحل مشكلات البلد الجوهرية، وينهي عهود التحكم والديمقراطية الشكلية، حسب البيان.
مساءلة وزير الداخلية
وسعياً إلى معرفة أسباب الانتشار المخيف للجريمة في موريتانيا، وجّهت النائب البرلماني عائشة بنت بونا، أمس الاثنين، سؤالاً شفهياً مشفوعاً بنقاش إلى وزير الداخلية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك، قالت فيه إن المواطن الموريتاني يعيش في العاصمة نواكشوط وعدد من المدن أصنافاً مخيفة وغير مسبوقة من الجرائم المتنوعة والمتلاحقة؛ قتلاً وسطواً واغتصاباً.
وأضافت: بما أن الأمن أولوية الأولويات وركيزة التنمية والاستقرار، نود معرفة أسباب هذا الانتشار المخيف للجريمة وخطة قطاعكم للتعاطي مع هذا الوضع الخطير، وما هي الوسائل المتخذة لفرض الأمن ووضع حد للفوضى في الأنفس والأموال والأعراض؟ وما هي الإجراءات العملية للقضاء على تعاطي الممنوعات وانتشارها باعتبارها خطراً حقيقياً ودافعاً أساسياً لأغلب الجرائم؟.
وكانت موريتانيا قد شهدت خلال شهر أبريل الماضي انفلاتاً أمنياً مخيفاً دفع وزارة الداخلية الموريتانية، الثلاثاء 27 أبريل، إلى إصدار مقرّر يقضي بإنشاء لجان جهوية ومقاطعية مسؤولة عن تسيير ومراقبة الأمن على مستوى كل الدوائر على عموم التراب الوطني.
ولكن يبدو أن وتيرة الانفلات الأمني في موريتانيا ظلت تزداد يوماً بعد يوم، الأمر الذي يُتيح لنا أن نقول إن التدهور الأمني المخيف في موريتانيا يشكّل مفارقة غريبة ولغزاً حقيقياً لم يتم فكّه بعد، كما أنه يسمح لنا بأن نتساءل: لماذا تعاني موريتانيا من انفلات أمني متجدّد ومخيف وهي محكومة من طرف العسكريين منذ عقود طويلة؟