بعد أقل من عام على إصدار مصر أول طرح للسندات الخضراء السيادية، أعلن وزير المالية محمد معيط، أمس الاثنين، أن بلاده تستعد للدخول سوق التمويل الإسلامي لأول مرة، عبر إصدار أول طرح من الصكوك السيادية، قريبا.
وطرحت المالية في سبتمبر/أيلول 2020 أول سندات خضراء بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بقيمة 750 مليون دولار ولأجل 5 سنوات، من أجل تمويل مشروعات صديقة للبيئة، على حد قولها.
وبحسب بيان صادر عنها، قال الوزير “إصدار قانون الصكوك السيادية يُسهم في تحقيق المستهدفات المالية والاقتصادية والتنموية من خلال تنويع مصادر تمويل عجز الموازنة العامة للدولة، وتوفير المخصصات المالية اللازمة للمشروعات الاستثمارية، على نحو يتسق مع جهود الدولة فى تعزيز أوجه الإنفاق على تحسين مستوى معيشة المواطنين”.
وأشار الوزير إلى أن مصر بصدور هذا القانون تدخل سوق التمويل الإسلامي لأول مرة والذي يصل حجم إصدارات الصكوك به إلى 2.7 تريليون دولار، بما يُساعد فى جذب مستثمرين جدد مصريين وأجانب للاستثمار المتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية بالعملتين المحلية والأجنبية.
جدل بالبرلمان
بين مؤيد ومعارض، أثار القانون جدلا كبيرا سواء داخل البرلمان أو بين خبراء الاقتصاد، ونهاية المطاف وافق مجلس النواب، الأحد، على مشروع القانون المقدم من الحكومة بشأن الصكوك السيادية من حيث المبدأ.
وشهدت الجلسة العامة للنواب، بحسب مواقع مصرية، جدلا خلال مناقشة مشروع القانون، حول تعريف كلمة “الأصول” الواردة، حيث طالب النائب ضياء داود بإضافة جملة (عدا السد العالي وقناة السويس) حتى لا يتم تداول صكوك بشأنهما باعتبارهما مشروعات هامة.
وعلق وزير المالية بقوله “لا توجد غضاضة في النص على ذلك، خاصة أن القانون خاص بأصول الدولة المملوكة ملكية خاصة وليس عامة” مشيرا إلى أن “المشروعات القائمة بالفعل لن يتم تمويلها طبقا للقانون”.
بدوره، ساق النائب محمد عبادة (حزب مصر الحديثة 11 مقعدا) جملة من الاعتراضات على مشروع القانون، من بينها الانتقاص من دور هيئة الرقابة المالية.
وقال -خلال مداخلته المصورة بالجلسة أثناء مناقشة القانون- إن الدستور جعل رقابة الهيئة عامة، وتشمل كافة أنواع الصكوك، والقانون المعروض خفف من رقابة الهيئة بشكل كبير يصل لحد الانتقاص من اختصاصها الدستوري.
وينص التعريف الوارد بمشروع القانون على أن “الأصول هي أي من الأموال الثابتة أو المنقولة ذات القيمة الاقتصادية المملوكة ملكية خاصة للدولة أو لأي من الأشخاص الاعتبارية العامة، عدا الموارد الطبيعية”.
ما هي الصكوك ولماذا؟
الصكوك من منتجات الدخل الثابت، وتشبه السندات التقليدية ولكن لا تُحتسب عليها فائدة. ولكنها -وفق مذكرة الحكومة الإيضاحية لمشروع القانون- تتميز بعائد مرتفع مقارنة بأدوات الدين الأخرى نظرا لارتفاع حجم المخاطر فيها.
ومصر مضطرة لطرق كل أبواب الاقتراض من أجل تلبية احتياجاتها المالية المتزايدة، من بينها متطلبات الدين الخارجي الذي قفز بنحو 14.7% على أساس سنوي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي مسجلا 129.19 مليار دولار.
وذكرت وكالة التصنيف الدولية “ستاندرد آند بورز” (Standard & Poor’s)، الشهر الماضي، أن آجال استحقاق الدين الخارجي للحكومة والبنك المركزي المصري كبيرة على المدى القريب، حيث تبلغ حوالي 21 مليار دولار خلال عام 2021.
الصكوك مقابل الأصول
وبشأن ما يثار من مخاوف على أصول الدولة، أوضح معيط أن إصدار الصكوك يكون عن طريق بيع حق الانتفاع بهذه الأصول دون حق الرقبة، أو عن طريق تأجيرها، مضيفا أنه يحظر الحجز أو اتخاذ إجراءات تنفيذية على الأصول التي تصدر على أساسها الصكوك، مع بطلان أي إجراء أو تصرف مخالف لذلك.
وبيًن الوزير أن الحد الأقصى لمدة تقرير حق الانتفاع بالأصول -التي تصدر على أساسها الصكوك أو مدة تأجيرها- 30 عاما التزاما بأحكام الدستور، ويجوز إعادة تأجير هذه الأصول للجهة المصدرة.
غير أن الاقتصادي المصري جودة عبد الخالق، ووزير التضامن الاجتماعي الأسبق، يرى في أدوات الدين الدولية فخا يجب الحذر منه، واتهم الحكومة بأنها “وبخلاف إحلال الديون، تقترض لسداد الديون القائمة”.
وحذر بشدة، في مقال له، من فقاعة ديون يمكن أن تنفجر أي لحظة، لافتا إلى أن خدمة الدين أصبحت مثل الثقب الأسود تكاد تبتلع كل الموارد، ووصف الموازنة الجديدة بأنها جباية واستدانة، وليست موازنة تنمية مستدامة.
وفي تقديره، فقد طرحت مصر منذ تحرير سعر الصرف في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، 10 إصدارات سندات تتراوح آجالها بين 3 و40 سنة بالأسواق الدولية، وبلغت قيمتها 26.5 مليار دولار، بالإضافة إلى 4 مليارات يورو.
التنويع سياسة جديدة
في المقابل، أشاد السفير جمال بيومي، أمين عام اتحاد المستثمرين العرب، بتحرك الحكومة نحو تنويع مصادر تمويلها الدولية، وقال “المطلوب هو تعدد وسائل التمويل، وهذه ميزة انتهجتها مصر السنوات الأخيرة حتى في السلاح والتجارة، وضمن مساعي الحكومة للبحث عن أرخص المصادر التمويلية تكلفة”.
وأكد في حديثه، أن الحكومة تركز على أمرين: أولهما طول مدة السداد وثانيهما انخفاض تكلفة القرض، لافتا إلى أن نصف التمويل الذي تحتاجه مصر ليس موجودا بالداخل “وأمامنا طريقان إما أن نقترض أو نشجع الاستثمارات المباشرة”.
واعتبر الأمين العام لوحدة الشراكة المصرية الأوروبية بوزارة التعاون الدولي سابقا أن المستثمر الخليجي لديه فائض تمويلي، ولذلك يبحث عن أفضل وسائل استغلاله “وسنجد الخليج من أكبر شركاء مصر في توفير التمويل، ويتنافسون عليها”.
وبشأن ما الذي يمكن أن تقدمه تلك الأداة لخزينة البلاد، أوضح بيومي أن مصر تحتاج استثمارات بما لا يقل عن ثلث الناتج القومي من أجل تلبية مطالب الزيادة السكانية، فإن لم تحقق الحكومة نموا أعلى من النمو السكاني فسيتراجع النمو.
قروض لا صكوك
ومن جانبه فند أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم، ورئيس الأكاديمية الأوربية للتمويل والاقتصاد الإسلامي الدكتور أشرف دوابة، اعتزام الحكومة طرح صكوك سيادية، بالقول “هي وسيلة من وسائل التمويل وتعني المزيد من الديون”.
وأكد زعيم، في تصريحات أن التطبيقات الموجودة على أرض الواقع تشير إلى أن 90% من الصكوك بالأسواق العالمية فيها مخالفات شرعية، وهي شبيهة بالسندات الدولية. والدولة تبنت سياسة ترقيع الديون “وتوقعاتي أن البعد الشرعي لن يكون متوافرا” في هذه الصكوك.
وتساءل “هل سيتم استخدامها (الصكوك) في مشروعات تنموية أم لسد عجز الموازنة، هل الصكوك سيتم فيها ضمان رأس المال والعائد أم لا، وهو ما يعني أنها مخالفة للشرع في حال وجدت؟”.
واستدرك دوابة: هناك نقطة مهمة هي أن الصكوك سوف تستخدم للحصول على تمويل، وهي مبنية على الأصول، والأصل موجود لكنه شكلي من أجل الصورة الشرعية، وحملة الصكوك لن يتملكوا ملكية حقيقة للأصل، فالأصل يخرج من يد الحكومة شكلا.
وبحسب الوزير السابق عبد الخالق، فقد اضطرت الحكومة إلى اللجوء منذ عدة سنوات إلى مبادلة الديون الأجنبية بمشروعات تنموية، أي عرض مشروعات تنموية على الدائنين بسبب العجز عن سداد ديونهم. فهل تلقى الأصول المملوكة للدولة النهاية نفسها؟