خلال أحد عشر يوما من العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة، أظهرت المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها كتائب الشهيد عز الدين القسام، “بعضًا” من قدراتها العسكرية، وأجبرت حكومة الاحتلال على قبول وساطة دولية لقبول اتفاق وقف إطلاق النار المتبادل مع المقاومة الفلسطينية، دون تثبيت التهدئة حتى اللحظة، وهو ما يثير تساؤلات عن احتمال تكرار سيناريو 2014 بعد معركة “العصف المأكول”، حينما نقضت “تل أبيب” كل بنود الاتفاق وضربتها بعرض الحائط، أم أن المعادلة اليوم تغيرت بفعل التطور الملحوظ على قدرات المقاومة العالية؟
الكاتب والباحث الصحفي حازم عياد يرى أن معطى جديدا جاءت بها المعركة الأخيرة، بعد إظهارها للقدرات العالية في القتال مع الاحتلال، خاصة بعد أن بادرت إلى الدفاع عن حقوق الفلسطيني والمقدسي على غرار جبهات القتال الماضية، مضيفا: “المقاومة لم تدافع عن نفسها هذه المرة، وإنما عن الثوابت الفلسطينية، وهو ما أعطاها قوة ورمزية أكثر“.
سيناريو التعاطي مع غزة مستقبلا
ويستبعد عياد إمكانية ضغط “إسرائيل” وتشديد حصارها على غزة من حيث المماطلة في إتمام عملية إعادة الإعمار ومضايقة الفلسطينيين في معيشتهم اليومية، معللا ذلك بإمكانية عودة المقاومة إلى المبادرة من جديد والتصعيد مع الاحتلال، مردفا: “هناك تغيير جديد في المعادلة بعد أن أصبحت زمام الأمور بيد المقاومة“.
ويلفت عياد إلى وجود عامل إقليمي يفرض على “إسرائيل” أن تفكر ثانية في حال إقدامها على فرض المزيد من الحصار، وهو الدور المصري وتطوره ومدى قربه من الرؤية الفلسطينية بالتعاطي إنسانيا مع غزة، حيث سمحت الحكومة المصرية بإدخال المعدات والآليات الخاصة بإزالة ركام المنازل والشوارع المهدمة، فضلا عن إبقاء معبر رفح المتنفس الوحيد لسكان القطاع مفتوحا في ذروة الاشتباك دون أي عوائق.
وتابع: “الموقف المصري لم يعد مثل السابق، والآن أكثر تعاونا وانفتاحا على الطرف الفلسطيني، وغير مستجيب لضغوط الرباعية الدولية والإسرائيلية، وبالتالي 2014 أصبحت وراء ظهورنا ولا يمكن العودة إلى ما كانت عليه، لا سيما فيما يتعلق بملف الإعمار أو نزع سلاح المقاومة“.
ويضيف عياد: “وبالتالي فإنه لا يمكن تغييب المقاومة الفلسطينية عن المشهد وإقصائها في الحوارات السياسية، بعد أن أثبتت نفسها بقوة في المعركة الأخيرة؛ ما فتح المجال أمام دول من الاتحاد الأوربي للبحث عن وسيلة اتصال معها، وبعض من الدولية العربية والإقليمية، لا سيما أن وقف إطلاق النار جاء بعد جهود استثنائية من الولايات المتحدة الأمريكية وضغطها على الكيان“.
المقاومة تفرض معادلات جديدة
وعزا عياد عدم عودة “إسرائيل” إلى المربع الأول من القتال مع المقاومة الفلسطينية، إلى وضعها الداخلي سياسيا وأمنيا من حيث تشكيل الحكومة، والمساءلات التي ستطال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إلى جانب الصراع بين الأحزاب اليمينية المتطرفة، خاصة أن التهدئة تعتبر خيارا أمريكيا على غرار ما تتبناه بعض الأطراف “الإسرائيلية” داخل كنيست الكيان.
ولفت عياد إلى تصريحات رئيس حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في غزة يحيى السنوار، وتحذيره من إقدام المحتل على أي حماقة ضد أهالي الشيخ جراح أو حتى اقتحام المسجد الأقصى المبارك، وهو ما دفع وزير الاحتلال بيني غانتس إلى إلغاء مسيرة الأعلام في القدس خوفا من عودة التصعيد مجددا، وهو ما يعني تغير موازين الردع والقوة بين المقاومة والمحتل.
ورأى أن الفترة القادمة ستشهد علو صوت الإدارة الأمريكية، كمعارض قوي لأي توجهات إسرائيلية رامية إلى التصعيد خاصة وأن إدارة بايدن معنية بالتهدئة“.
وسائل الفلسطيني أمام ابتزاز المحتل
ويتفق الكاتب الصحفي أحمد الكومي مع عياد، فيما يتعلق باستبعاد عودة الأمور في غزة إلى ما كانت عليه بعد 2014، عازيا ذلك إلى قدرة المقاومة التي تعاظمت في السنوات القليلة الماضية.
وأضاف: “لدى المقاومة نموذج في كيفية تعاطي الاحتلال مع غزة، متمثلا في المنحة القطرية وآلية دخولها وسياسة الإذلال الإسرائيلي المتعمد لها، بيد أن الأولى استطاعت تجاوزه بأساليب جديدة“.
ونوه الكومي في حديث مع ” قدس برس”، إلى تطور أساليب المقاومة الفلسطينية في تجاوز السياسة “الإسرائيلية” المعقدة صوب غزة ومن يديرها، بما حققته على الحدود عبر إطلاق البالونات الحارقة فيما تعرف بسياسة “الإرباك الليلي”، ومسيرات العودة مؤخرا، مردفا: “المعيار الأساسي في التعاطي مع قطاع غزة تفرضه المقاومة وليس الاحتلال كما كان في السابق، خاصة أن كل أدوات الإسرائيلي في النيل من غزة قد أثبتت فشلها“.
وذكر أن خطاب المقاومة الأخير على لسان السنوار، كان واضحا بلهجة التحذير في حال عودة المحتل إلى سياسة الإعمار المذلة بعد عدوان 2014، مضيفا: “لا أعتقد أن المقاومة ستقبل باستمرار الوضع كما كان سابقا، خاصة أنها في مرحلة حصد الأثمان السياسية بعد المعركة الأخيرة وبحث آليات رفع الحصار الإسرائيلي على المستويات كافة، إلى جانب السير ضمن مسار المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية“.
ومن وجهة نظر الكومي، فإن وقف إطلاق النار الأخير لم يكبل يد المقاومة الفلسطينية، حيث لا تزال متيقظة لأي رد “إسرائيلي”، كما جرى خلال الليالي القليلة الماضية حينما حلقت طائرات “إسرائيلية” مُسيرّة، على علو منخفض، في أجواء أحياء الشجاعية والزيتون شرق غزة، وقابلتها المقاومة بإطلاق النار ضمن محاولات إسقاطها.
وتابع: “تصريحات المقاومة بعد المعركة الأخيرة، توحي أن كل المعطيات مفتوحة، وإمكانية عودة الأمور إلى التصعيد مع المحتل مجددا مطروح في حال تم المساس بالثوابت الفلسطينية، وهي تقديرات ترجع إلى المقاومة بالدرجة الأولى، خاصة وأن عوامل تفجير المعركة الماضية لا تزال مستمرة في الأراضي المحتلة“.
ويرى الكاتب الصحفي أن جولة القتال الأخيرة، أظهرت ضعف البنية السياسية والأمنية “الإسرائيلية” على نحو خطير، حتى نتائج ما جرى ستكون حاضرة في أي قرار سياسي مستقبلي داخل الكيان الصهيوني، فيما يتعلق بالتعاطي العسكري مع غزة، لاسيما أن المقاومة فاجأت الجميع بمدى الجهوزية والإعداد وحجم الإنجاز الذي حققته، مستدركا: “برأيي ستكون مخرجات مباحثات ما بعد وقف إطلاق النار مشجعة لتهدئة أطول؛ لأن الجميع عرف قدراته“.
مصر وثمار المعركة
ويتفق عياد والكومي على تحقيق المعركة الأخيرة عدة مصالح لمصر، كونها من أبرز الرابحين عبر تحقيق مكاسب سياسية، أولها إعادة الاعتبار والدور المحوري لها كونها جزء من الامتداد التاريخي والجغرافي وحتى القومي لفلسطين، إلى جانب اتصال الإدارة الأمريكية بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي واعتباره لاعبا رئيسيا ومركزيا في المنطقة، ومصلحة مصر في اتصالها الدائم مع غزة والمقاومة كجزء من أمنها القومي.
وأن المعركة الأخير أثبتت عمق الجغرافيا في الحكم وهي التماثل المصري مع فلسطين المحتلة؛ حيث حاولت الأولى استثمار الظرف لاستعادة مكانتها الجيوسياسية في المنطقة خاصة بعد محطات من الفتور واتفاقات التطبيع بين المحتل وبعض الحكومات العربية، لافتين في الوقت نفسه إلى أن ما جرى وفر لمصر انفتاحا على الإدارة الأمريكية وإمكانية توظيفه فيما يخدم مصالحها.