مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو يقلد حركاتهما أثناء الصلاة؛ يسبل عينيه خاشعاً ويتمتم فمه بما يحفظ من آيات؛ تمضي الأيام ويحملان على عاتقهما أن يعتاد هذا الطفل على الالتزام بأداء الفريضة خمس مرات في اليوم.
ومع بداية الرحلة في التدريب على الصلاة يعاني بعض الآباء من تكاسل الأطفال أو عدم التزامهم؛ ما يحتم عليهم الصبر وابتكار طرق محببة للأطفال واستخدام التعزيز وأسلوب القدوة ومبدأ التكرار إلى غير ذلك من الطرق التربوية التي تحقق الغاية مع مرور الوقت.
إن نجاح الأبوين في غرس بذرة أداء الصلاة في نفوس الأبناء يتجلى في أن يخفق قلب الناشئ كلما سمع الأذان؛ ويذكر من حوله بها، ويؤديها برغبته المطلقة ودون إلحاح من الوالدين، ويقف مصلياً في غياب الأهل وفي حضرتهم.
اسق طفلك “الحب” مع الصلاة:
الاختصاصية النفسية دينا عقرباوي تفتتح حديثها لـ”بصائر” بالقول: إن الطفل يحب ما يفعل بعد ما تتاح له فرصة “التجريب” وبداية علاقة الطفل بالصلاة تكون عندما يرى العائلة تمارس هذه العبادة وتطبق تعاليمها.
وتضيف العقرباوي أن رؤية الطفل لأفراد عائلته وهم يؤدون الصلاة بخشوع ووقار؛ يستميل قلب الطفل فهو الباحث عن “القدوة”، والذي سيلمس بهذا الأداء معاني السكينة والأمان.
وتقترح العقرباوي أن يسلك الوالدان درب “التحبيب” بالصلاة مع أطفالهم من خلال عمل جداول تعزيز لأداء الصلوات في بداية الأمر، وربط أداء الصلاة بأمور تفرحهم، فمثلا بعد أداء صلاة الجمعة نعوّدهم على شراء “المثلجات”.
كما اقترحت عقرباوي أن تكون في البيت زاوية خاصة لأداء الصلاة، بداخلها سجادة خاصة ومصحف للطفل، فكلما أراد أن يصلي ذهب إلى هذه الزاوية.
التعزيز سر الاستمرارية
وأوضحت عقرباوي أن الصلاة كأي عادة سلوكية تحتاج لتخطيط وثبات وتعزيز حتى نجني “الاستمرارية” في بداية الأمر، ومع مرور الوقت ونضوج الطفل سنلمس إحساسه بالمسؤولية تجاه أداء هذه العبادة ومبادرته لهذا الأداء؛ لأن هذا السلوك يعتمد على نمو الضمير لدى الإنسان ليستشعر بعظمة الصلاة كشعيرة ويستحث همته لأدائها دون تذكير من أحد بل من خلال دافع داخلي.
وأكدت أهمية التعزيز المادي والمعنوي في بداية تشكيل سلوك الصلاة وتحويله بعد فترة إلى تعزيز متقطع إلى أن يصبح أداء الصلاة جزءاً من حياته وسلوكاً معتاداً.
النبي صلى الله عليه وسلم كان “يستريح بأداء الصلاة”:
وأشارت العقرباوي إلى أن على الآباء توفير فرص تجريبية للأبناء ليجربوا معنى الصلاة والتزام أدائها بخشوع وانعكاسات ذلك على مشاعر السكينة والراحة، ومن خلال سرد القصص لهم عن معاني الصلاة في حياة النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة الكرام وكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يستريح بأداء الصلاة وتعزيز معاني السكينة التي تلازم أداء هذه العبادة.
لا تستعجلوا الثمار:
مدير مشروع “قرة” لتحبيب الأطفال بالصلاة الدكتور أسامة جابر قال في حديثه لـ”بصائر”: إن أكبر خطأ منهجي تربوي في تعليم الصلاة يكمن في عدم إدراك موقع الصلاة في البناء الإيماني والمنظومة القيمية التربوية للمسلم الناشئ.
وأضاف أن هناك فرقاً بين من ينظر للصلاة مجردةً كسلوك عملي مأمورٍ به، فيتعامل معها باعتبارها تكليفاً لا بدّ منْ أدائه بغض النظر عمّا ينبغي تأسيسه قيميًا وإيمانياً قبل الوصول إليه، وعمّا ينبني عليها سلوكياً وأخلاقيًا بعد تحقّقه.
وأشار إلى أن جلّ الأخطاء التربوية في تعويد الأبناء على الصلاة -كاستعجال أدائها أو خشوعها أو التزام وقتها أو الضرب على التقصير في ذلك- هي أعراض؛ لعدم معرفة موقع الصلاة ومدى ارتباطها بالإيمان القلبي والعقلي في نفس الطفل المسلم.
وأوضح جابر أن هناك بناء إيمانياً وتربية لا بد منها للوصول للمحافظة على الصلاة عند أبنائنا كما نتمنّى.
وقال جابر: إن “استعجال قطف الثمر يكاد يهلك الشجر”، وترهيب طفل صغير من أجل الالتزام بأداء الصلاة قد يأتي بنتيجة سريعة في بعض الأحيان إلا أنها نتيجة مؤقتة، وتساءل: ما صوابية “الترهيب” لطفل غير مكلف؟ وبماذا أخوّف أو أعاقب منْ -برحمة وكرم- لمْ يكلّفه الله تعالى بعدُ بالعبادة -وعلى رأسها الصلاة- إلا بعد البلوغ وهو حال أغلب الأبناء؟!
ووجه جابر لترغيب الأطفال و”التعزيز التربوي” بأنواعه ودرجاته، واصفاً إياه بالمساحة الرحبة للمربي للوصول لهدفه المأمول، شريطة أن نبدأ بغرس الإيمان بالله معرفةً ومحبة، حينها ستنبع الصلاة كتعبيرٍ صادق عن رغبة كامنة بالصلة به، منْ قلبٍ مُلئ حبّاً له، مِنْ قِبَل مربٍّ قدوة.
واعتبر جابر أن كذب الأطفال بشأن الصلاة؛ كأن يقول: “صليت” وهو لم يصلّ هو من ثمار الترهيب وقد يكون سببه الرغبة في التخلص من عبء الأداء للصلاة، وهو مؤشر للآباء لا بدّ أنْ يلتقطوه للانتباه لأخطائهم التربوية بشأن الصلاة.
وأضاف جابر أن من أخطاء الآباء خلال تدريب الأبناء على أداء الصلاة “استعجال النتائج” أو عدم إدراك أن الصلاة الخاشعة المتقنة الدائمة ثقيلة، إلا على منْ قويَ إيمانه واشتدّ عوده، وأبناؤنا لمّا يصلوا لذلك، يقول تعالى: {وإنّها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين} [البقرة:45].
وأوصى جابر الآباء والمربين بـ”التدرّج الهادئ” معهم إيمانياً وتربوياً للوصول لتلك المرحلة، قائلاً: إن من كرم الله علينا أنْ أتاح لنا مرحلة ما قبل البلوغ لنحقق ذلك.
وأضاف: “حين يبلغ أحدنا في حبّ والديه مبلغاً عظيماً لن نجدَ صعوبة ولا كلفةً في طاعتهما والتزام أوامرهما -ولله المثل الأعلى- ناصحاً بالمداومة على فريضة تعريف الأبناء على الله والحديث عنه للوصول لمحبّة تفضي للصلاة له والصلة به.
وأوصى جابر المربين قائلاً: “الصلاة حِمْلٌ يحمله الإنسان لسنوات قد تستمر سبعين عاماً، انتبه فإمّا أنّ تقوّي كتفيه وظهره -بالإيمان واليقين- قبل أن تزيد عليه الحمل، فكم كسرت ظهور لشدّة الأحمال. وإمّا أن تخفف الوزن بالتدّرج والترغيب والتحبيب وصناعة القدوة الحسنة أمامه”.
واقترح جابر أن يعقد الآباء جلسات عنوانها “الله” لتعريف الطفل بأسماء الله وصفاته ورحمته وقدرته من خلال آي القرآن المتحدث عن ذلك وبأسلوبٍ شيّق وجميل، جلسات تؤسس للعلاقة مع الله وتغرس الإيمان، وتطرح أسئلة كيف نعبّر عن حب الله، وكيف نرضيه والإجابة دوما تكون “الصلاة”.
وأضاف جابر أن جلسة أسبوعية إيمانية ستترك أثراً كبيراً على المربي والمتربي، وستزرع الإيمان وتعزز المحبة لله.
وختم قائلاً: وأعدكم -من تجربة شخصية- بثمار يانعة لا تُحصى ببركة اللقاء مع الأبناء على نية التعرّف على الله وإقامة الصلاة في حياتهم.
________________________________
(*) المصدر: موقع بصائر (بتصرف يسير).