د.عبد الحليم محمود” الشيخ السادس والأربعون للأزهر الشريف.. اسم ذو تاريخ لامع في حفظ الشريعة وصيانة الأزهر واستقلاله في مواجهة التدخلات، حضر أمس الأربعاء 30 يونيو في افتتاح فعاليات الدورة الثانية والخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، في جناح الأزهر الشريف هذا العام بعد اختياره شخصية الجناح.
تساؤل مطروح!
الأزهر الشريف برر هذا الاختيار -بحسب بيان رسمي وصل مراسل “المجتمع”، بعد الافتتاح أمس- بأنه جاء بسبب أن “الإمام عبدالحليم محمود إحدى قامات الأزهر الشريف، وأحد وجوهه البارزة”، ولكن يرى مراقبون أن اختياره يحمل رسالة ضمنية لمهاجمي الأزهر من المجموعات النسوية والعلمانية في ظل الحملات المتكررة منهم ضد شيخ الأزهر الحالي د.أحمد الطيب والمؤسسة تحت غطاء الحداثة وتجديد الخطاب الديني، خاصة للمواقف التاريخية لشيخ الأزهر الراحل د.عبد الحليم محمود في الحفاظ على استقلال مؤسسة الأزهر.
فقد تولى د.عبد الحليم محمود مسئولية مشيخة الأزهر في 22 صفر 1393هـ الموافق 27 مارس 1973م، وما كاد ينطلق في تفعيل دور الأزهر حتي فوجئ بقرار من الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات في 17 جمادى الآخرة 1394هـ الموافق 7 يوليو 1974م، يكاد يجرد شيخ الأزهر مما تبقى له من اختصاصات ويمنحها لوزير الأوقاف؛ ما دفعه إلى تقديم استقالته فورا، رافضا أي مساس بقدر المنصب ورسالته الروحية في مصر والعالم العربي والإسلامي.
يرى مراقبون أن اختياره يحمل رسالة ضمنية لمهاجمي الأزهر من المجموعات النسوية والعلمانية في ظل الحملات المتكررة منهم ضد شيخ الأزهر الحالي
وبحسب تقارير إعلامية فقد روجع الإمام الراحل وقتها في أمر استقالته، وتدخل الحكماء لإثنائه عن قراره، لكن الشيخ أصر عليها، وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه، ورفض تناول راتبه، وطلب تسوية معاشه، ما جعل “السادات” يتراجع، وأعاد القرار الجديد الأمر إلى نصابه، حيث جاء فيه أن “شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية في الأزهر”، كما تضمن القرار أن يعامَل شيخ الأزهر معاملة الوزير من حيث المرتب والمعاش، ويكون ترتيبه في الأسبقية قبل الوزراء مباشرة، وانتهت الأزمة وعاد الشيخ إلى منصبه ليواصل دوره.
وشهد الأزهر في عهد الشيخ عبد الحليم محمود تحركا فاعلا، حيث كان للأزهر في عهده موقف في كل قضية تتعلق بأمر الشرع؛ حيث تصدى لقانون الأحوال الشخصية الذي حاولت الوزيرة المصرية الراحلة د.عائشة راتب إصداره دون الرجوع إلى الأزهر، رغم أنه تضمن أمورا تخالف ما قررته الشريعة الإسلامية، واضطرت الحكومة وقتها للتراجع عن تعديل قانون الأحوال الشخصية، ونجح الإمام في وقف القانون في مهده.
وبحسب مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، فقد اهتم الإمام عبدالحليم محمود خلال تولّيه وزارةَ الأوقاف بترميم وتجديد المساجد العتيقة والأثرية، كمسجد الصحابيّ الجليل سيدِنا عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكلّف الشيخَ الراحل محمدَ الغزالي بالخطابة فيه، كما ضم عددًا من المساجد الأهلية إليها.
واسترد الراحل أملاك الوزارة وأوقافَها من هيئة الإصلاح الزراعي بمصر، وأسند إدارتَها لهيئة الأوقاف التي أنشأها داخل الوزارة، وتوسّع في إنشاء المعاهد الأزهرية بمراحلها المختلفة، في أنحاء الجمهورية.
بطاقة تعارف
ولد الشيخ عبدالحليم محمود بقرية في محافظة الشرقية شرق العاصمة القاهرة في الثاني من جمادى الأولى لعام 1328هـ، الموافق للثاني عشر من مايو لعام 1910م، لأسرةٍ كريمةٍ مُحبّةٍ للعلم والأزهر الشريف، ولوالدٍ رأى في ابنه امتدادًا لأملِه ورسالته، وتوفي الثلاثاء الموافق 15 ذو القعدة 1397 هـ الموافق 17 أكتوبر 1978م، عقب عمليةٍ جراحيةٍ أجراها.
وحفظ الراحل القرآنَ والتحق بالأزهر الشريف، عام: 1923م، وحصل على الشهادة الثانوية في عام واحد؛ حيث كان النظامُ وقتئذٍ يسمح أن تُختصرَ المرحلة الثانوية في عام واحد.
وحصل الشيخ على شهادة العالِمية سنة 1351هـ/ 1932م، وسافر إلى فرنسا على نفقته الخاصة؛ لاستكمال دراساته العليا، حتى حصل على الدكتوراة في الفلسفة الإسلامية عن الحارث المحاسِبي سنة 1359هـ / 1940م.
يُنظّم جناحُ الأزهر العديدَ من الندوات الحوارية افتراضيا، بمشاركة نخبة من كبار علماء الأزهر والمثقفين والإعلاميين
وتولّى الراحل العديد من المناصب بعد أن كان مُدرّسًا لعلمِ النفس بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، منها: تعيينه أستاذًا للفلسفة بكلية أصول الدين سنة 1951م، وعمادة كلية أصول الدين سنة 1384هـ / 1964م، والأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية، ووكالة الأزهر الشريف 1970م، ووزارة الأوقاف وشئون الأزهر، ومشيخة الأزهر الشريف 1973م.
ومن أهم كتب الشيخ: التوحيد الخالص، وموقف الإسلام من الفن والعلم والفلسفة، والتفكير الفلسفي في الإسلام، ومنهج الإصلاح الإسلامي في المجتمع، وأستاذ السائرين الحارث المحاسبي، وأوروبا والإسلام، والفتاوى.
جناح الأزهر بمعرض الكتاب
ويعرض الأزهر في جناحه بمعرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام في دورته الثانية والخمسين مئات الكتب في مختلف فروع المعرفة، فضلًا عن عشرات الإصدارات التى تعرض لأول مرة، وإصدارات مختلفة مطبوعة ومترجمة لأكثر من لغة.
كما يُنظّم جناحُ الأزهر العديدَ من الندوات الحوارية افتراضيا، بمشاركة نخبة من كبار علماء الأزهر والمثقفين والإعلاميين، تتناول أهم القضايا التي تشغل الشبابَ وتهمّ الوطنَ والمواطن.
ويناقش الأزهر هذا العام قضايا الشذوذ الجنسي وموقف الدين الإسلامي منه، وهي القضية التي دشنت ضدها مجلة “المجتمع” حملة صحفية منذ عدد مايو الماضي، كما يناقش انتشار ظاهرة الإلحاد وكيفية الحد منها، والحرية الشخصية في الأديان السماوية، فضلًا عن منظومة القيم في ظل واقع افتراضي جديد، والقدس كقضية هُوية إسلامية وعربية.
وحرَص الأزهر على تخصيص ركن خاص بالقدس يشمل عددًا من المطبوعات الخاصة بالقضية الفلسطينية، فضلًا عن عرض عدد من الأفلام الوثائقية التي تم تنفيذها لإبراز الحقوق العربية في مواجهة الأكاذيب والادعاءات الصهيونية.
وكان د.مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، افتتح أمس الأربعاء، يرافقه الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة، والدكتور هيثم الحاج، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، فعاليات الدورة الثانية والخمسين لمعرض القاهرة.