عقب كل جولة عسكرية تخوضها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ضد الاحتلال الإسرائيلي، تبدأ معركة سياسية أخرى تطول فصولها، وقد تمتد لسنوات؛ إذ يحاول كل طرف تثبيت قواعد جديدة.
وما إن وضعت الحرب الأخيرة أوزارها، حتى بدأ الحديث عن صفقة تبادل أسرى جديدة، قد تشهدها الأشهر القادمة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، برعاية مصرية.
بين الجدية والمماطلة
ويرى الكاتب والمختص في الشأن “الإسرائيلي” محمود مرداوي أن “الاحتلال حاول الربط ما بين صفقة التبادل والأمور الحياتية الأخرى في غزة، بعد أن لجأ إلى استخدام المعابر وكل الأدوات التي يتحكم فيها للضغط على المقاومة، حتى تقبل بعملية الدمج والتلازم ما بين الملفين، وهو ما رفضته الأخيرة“.
وأضاف: “تمسك المقاومة، وصمود الشعب الفلسطيني أسقط هذا المطلب، والآن العدو تراجع، إلا أنه لا تزال بعض التفاصيل التي يريد الاحتلال التفرد بها شكلا لا مضمونا“.
ونوه الكاتب “مرداوي”، في حديث مع ” قدس برس” إلى أن “حماس” لا تزال متمسكة بموقفها المتعلق باستبدال ما لديها من الأسرى “الإسرائيليين” بفلسطينيين، لا سيما ممن قضوا سنوات طويلة داخل السجن”.
وأردف: “الحركة تعد ذلك أمانة في عنق قادتها وعهدا في صلب رسالتها، ولن تتراجع عن ذلك؛ حيث إنها أصرت على فصل هذا الملف عن الملفات الأخرى، وفي النهاية لن يحصل العدو على أسراه دون أن يطلق سراح أكبر عدد من أسرانا داخل سجونه“.
وتابع: “قياسا مع التجارب السابقة، الاحتلال يحاول أن يظهر دوما أنه غير جاد في إتمام الصفقة، ويسعى إلى المماطلة والتهرب من دفع استحقاق إطلاق سراح أسراه، محاولا شراء الوقت لتقليص الثمن وعدم تشجيع فصائل المقاومة على سلوك هذا الطريق مجددا“.
إنهاء الملف ضرورة لـ”بينيت“
ويرى المختص في الشأن “الإسرائيلي” سعيد بشارات أن “الخطوط العريضة لحكومة الاحتلال الجديدة لما يجري من مفاوضات في القاهرة، هي تثبيت قواعد جديدة بعد معركة سيف القدس، وبالتالي لا يمكن التنبؤ فيما يتعلق بملف الأسرى أو صفقة جديدة قد تلوح بالأفق“.
مستدركا: “ربما خلال الفترة القليلة المقبلة ستخرج نتائج الاجتماعات إلى العلن، لأن الحكومة الجديدة تصوغ سياسة معينة، وفقا للوقائع على الأرض، في المقابل، فإن المقاومة تريد تثبيت معادلاتها وترفض حتى اللحظة ما تطرحه حكومة الاحتلال من ضغط على مطالبها وآليات جديدة، تشير إليها عبر الإعلام“.
وأوضح “بشارات”، في حديث لـ”قدس برس” أن ملف الأسرى واحتمال إبرام صفقة تبادل مع المقاومة، لا يزال في طور البحث والنقاش، ولم يُطرح شيء جدي حتى اللحظة، مردفا: “ربما الاختراق الوحيد في الوقت الحالي فتح الاحتلال لهذا الملف، من حيث البدء في إجراءات إتمام الصفقة؛ فالحكومة الجديدة معنية بإنهاء هذا الملف، الذي يعد من مخلفات رئيس حكومة الاحتلال سابقا بنيامين نتنياهو“.
وأشار إلى أن ربط ملف الأسرى “الإسرائيليين” بإعادة إعمار قطاع غزة وفتح المعابر غير منطقي، خاصة أن الأوساط الداخلية “الإسرائيلية” تعي تماما رفض المقاومة لذلك، وعدم تبنيها لهذا النوع من الطرح، بالإضافة إلى إصرارها على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه من بنود وقف إطلاق النار بعد المعركة الأخيرة مع المحتل.
سياسة جديدة مع غزة
ويرى “مرداوي” أن سياسة الحكومة الجديدة للاحتلال مع غزة، لن تتغير عن سابقتها في المسائل الاستراتيجية، فيما المقاومة تعي اليوم قوتها وحنكتها أكثر من ذي قبل.
بينما يذهب “بشارات” إلى اعتبارها مختلفة عن حكومة “نتنياهو” خاصة أنها تريد تفكيك بعض الملفات في المنطقة، وتغيير السياسات، لكنها ستحافظ على وجود خطوط عريضة في التعامل مع غزة وحل مشكلتها معها.
ونشرت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة “حماس” مؤخرا، للمرة الأولى تسجيلا صوتيا منسوبا لأحد الجنود “الإسرائيليين” المحتجزين لديها في قطاع غزة.
جاء ذلك خلال وثائقي “ما خفي أعظم” عبر قناة الجزيرة القطرية، حول خفايا وتفاصيل صفقة تبادل الأسرى بين حماس و”إسرائيل” عام 2011، فيما عُرف بـ”صفقة شاليط“.
وكانت المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها “كتائب القسام” قد أبرمت صفقة تبادل مع الاحتلال، تحت اسم “وفاء الأحرار” في أكتوبر 2011، تم بموجبها إطلاق سراح 1027 أسيرا فلسطينيا، مقابل الإفراج عن الجندي ” جلعاد شاليط”، الذي أسرته المقاومة في غزة عام 2006.