كان من المفترض أن تُجْرَى في إثيوبيا انتخابات عامة في منتصف شهر أغسطس 2020م، غير أن مجلس الانتخابات الوطني ألمح في يونيو 2019 بأن الاقتتال العرقي قد يؤدي إلى تأجيل الانتخابات بسبب نزوح مليون وأربعمائة ألف مواطن من موطنهم؛ ما أدى إلى تأجيل التعداد السكاني لمرتين؛ وهو ما يُصَعِّبُ من عملية تحديد الدوائر الانتخابية لوجود حركة نزوح طارئة بسبب عدم الاستقرار الأمني نتيجة للصراعات العرقية التي شهدتها إثيوبيا في السنوات التي تلت انتخابات 2015م.
هذ التلميح بتأجيل الانتخابات لم تستسغه جبهة تحرير شعب تجراي، وفي مطلع مارس 2020م سجلت أول حالة إصابة بفيروس (كوفيد 19) فأعلنت حالة طوارئ في البلاد، فأعلن مجلس الانتخابات الوطني في 31 مارس 2020 تأجيل الانتخابات إلى 29 أغسطس 2020، لأن الدستور يمنح البرلمان صلاحية تمديد انعقاده لمدة ثلاثة أشهر غير قابلة للتجديد عند انتهاء دورته، فنتج عن ذلك نزاع دستوري انقسمت فيه الأحزاب السياسية إلى أربعة اتجاهات:
- ائتلاف حزب الازدهار الذي طلب تفسيرات دستورية من مجلس التحقيق الدستوري، أو حل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ وتعديل الدستور.
- ائتلاف أحزاب المعارضة التي طالبت بتشاور سياسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
- أحزاب أخرى طالبت بعقد الانتخابات في موعدها مع أخذ الاحتياطات والتدابير الصحية اللازمة.
- جبهة تحرير شعب تجراي اتجهت نحو عقد الانتخابات في الإقليم، وأن أقاليم أخرى ستنحو منحاها؛ ما يُضْعِف موقف آبي أحمد وحزب الازدهار، وأعلن رئيس جبهة تحرير شعب تجراي ورئيس حكومة إقليم تجراي أنهم سيجرون الانتخابات في موعدها وقبل انقضاء الفترة الدستورية للحكومة الفيدرالية في 11 أكتوبر 2020م؛ فاضطرت الحكومة الفيدرالية إلى تقديم طلب للبرلمان بتأجيل الانتخابات بسبب حالة الطوارئ التي فرضتها على البلاد جائحة كرونا (كوفيد 19) فأحال البرلمان الطلب إلى مجلس التحقيق الدستوري.
في خضم هذا الصراع بين القوى والأحزاب السياسية صادق البرلمان في 5 مايو 2020 على تقديم طلب تفسيرات دستورية بخصوص تأجيل الانتخابات من مجلس التحقيق الدستوري، وهو هيئة دستورية قانونية تابعة للمجلس الفيدرالي أعلى سلطة تشريعية، ومجلس التحقيق الدستوري يتكون من أحد عشر عضواً برئاسة رئيس المحكمة الفيدرالية العليا السيدة مَآزا أَشَنَّافي، ونيابة رئيس المحكمة الفيدرالية العليا سليمان أريدا واكتولا، وستة خبراء في القانون الدستوري، وثلاثة أعضاء من المجلس الفيدرالي.
مخاوف “تحرير تجراي”
في 10 يونيو 2020 صادق المجلس الفيدرالي على توصيات مجلس التحقيق الدستوري بتأجيل الانتخابات وإجرائها في غضون عام، هذا الإجراء الدستوري زاد من مخاوف جبهة تحرير شعب تجراي التي انحصرت حول:
- الخشية من تراجع نفوذهم في السلطة الذي استمر لما يقارب من ثلاثة عقود.
- الخوف من خسارة المكاسب التي حققوها خلال ثلاثين عاماً إذا فقدوا السلطة.
- تباين وجهة نظرهم الاقتصادية القائمة على تدخل الدولة في الاقتصاد؛ وذلك بسبب شح موارد إقليم تجراي مقارنة ببقية الأقاليم، وتحويل جزء مقدر من ميزانية التنمية إلى إقليمهم تحت بند تنمية المناطق المتأثرة بالحرب.
- توجسهم من طرح آبي أحمد لكيفية إدارة الاقتصاد والقائمة على الاقتصاد الحر.
حاول آبي أحمد تطمين جبهة تحرير شعب تجراي من خلال اتصالات أجراها معها بهدف تبديد مخاوفها، غير أن مساعيه لم تجدي في إقناع شركائه السابقين في الحكم، والجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية، بل اتسعت بين الطرفين شقة الخلاف وسعى كل طرف للإطاحة بالآخر، لا سيما أن آبي أحمد تحسب لهذه اللحظة من وقت مبكر، فأنهى الخلاف الحدودي مع إرتريا ورئيسها أسياس من وقت مبكر.
في السادس من أكتوبر 2020م زار الرئيس الإرتري أسياس أفورقي إثيوبيا، وهي الزيارة الثانية له بعد عودة العلاقات بين الدولتين بعد انقطاع دام 20 سنةَ، في هذه الزيارة رسم كل من رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، ورئيس إرتريا أسياس أفورقي خطة إزاحة جبهة تحرير شعب تجراي من المشهد السياسي في إثيوبيا، ولكل أسبابه ودوافعه؛ فجبهة تحرير شعب تجراي تشكل العدو المشترك للرجلين، فأسياس أفورقي بعد هزيمته النكراء والمذلة في بادمي (1998 2000م) ظل يتربص لأكثر من عقدين لعله يجد السانحة المواتية للانقضاض على جبهة تحرير شعب تجراي، واضعا الشعب الإرتري برمته في خندق المواجهة أمامه، بينما انصرفت إثيوبيا للتنمية تاركة أسياس لأحقاده ومطامعه الشخصية في تفتيت إثيوبيا، وفي هذه السانحة يحسن بي أن أذكر جزءًا من التعبئة السياسية التي كانت تعطى للجيش الإرتري بعد التحرير: “إن الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا نجحت في تفتيت إثيوبيا بأن نزعت الحكم من قومية الأمهرا وسلمته للأقليات”، في إشارة إلى أن الحكم انتقل إلى التجراي وكانوا يمثلون 5% من السكان في حينه، ويتحكمون على الأكثرية من شركائهم في الجبهة الثورية للشعوب الإثيوبية، وكان آبي أحمد يدرك أنه لن يتمكن من إدارة دَفة الدولة وجبهة تحرير شعب تجراي معه في الائتلاف الحاكم أو المعارضة؛ لذلك اتجه إلى أسياس أفورقي لضرب جبهة تحرير شعب تجراي بهدف إزاحتها من المشهد السياسي في إثيوبيا، في هذه الزيارة وضع الرجلان الخطوط العريضة للخطة التي سيقضيان من خلالها على غريمهما جبهة تحرير شعب تجراي.
بعد مضي شهر على هذه الزيارة بدأت إثيوبيا في نقل قوات كبيرة إلى غرب إرتريا (قاعدة ساوا)، ووصلت إلى المناطق المتاخمة لمدينة حُمَرا الإثيوبية في أقصى شمال غرب إثيوبيا، وفي يوم 4 نوفمبر 2020 بدأ القتال حول مدينة حمرا، وفي دانشا في طريق الحمرا قوندر في الحدود الفاصلة بين تجراي وأمهرا في شمال غرب إثيوبيا بمحاذاة الحدود مع السودان، وكان القتال بين قوات تابعة لجبهة تحرير شعب تجراي ومليشيات الأمهرا وهو خرق واضح للإخلال بالأمن من الجيش الفيدرالي نتج عنه مذبحة مروعة قتل فيها خمسمائة مواطن في يومي9 – 8 نوفمبر من الطرفين.
في 4 نوفمبر 2020 نقلت إرتريا فرقتين إلى إثيوبيا في مناطق قندر وبحر دار في إقليم الأمهرا، أولى عمليات القتال للجيش الإرتري كانت في يوم 4 نوفمبر في مدينة ماي كدرا (ماي خضراء) قرب الحدود المشتركة بين الدولتين، ومن ثم انغمس في القتال في مناطق دانشا في جنوب غرب إقليم تجراي، وريا في جنوب شرق الإقليم.
المصادقة على حالة الطوارئ
في يوم 6 نوفمبر صادق البرلمان الإثيوبي على إعلان حالة الطوارئ في إقليم تجراي، ومنح الحكومة سلطة استخدام القوة العسكرية لإخضاع الإقليم دون أن يتخذ أي قرار بخصوص وجود قوات أجنبية على الأراضي الإثيوبية، وهو خرق واضح للدستور ما كان ينبغي للبرلمان أن يسكت عليه، وهو الذي اعتبر إجراء انتخابات في الإقليم في سبتمبر خرقا للدستور، وهو بالتأكيد كان سقطة دستورية وقعت فيها جبهة تحرير شعب تجراي؛ لأن عقد انتخابات من الناحية الدستورية من مهام مجلس الانتخابات الوطني. وليس من حق الحكومة الإقليمية ولا الفيدرالية عقد انتخابات على المستويين الإقليمي والفيدرالي.
صدَّق البرلمان على إعلان حالة الطوارئ كما صوت على حل حكومة إقليم تجراي واستبدال أخرى بها، ليصدر مجلس الوزراء مرسوماً يقضي بإعلان حالة الطوارئ في الإقليم لمدة ستة أشهر، وفي السابع من نوفمبر وافق المجلس الاتحادي على تشكيل حكومة مؤقتة لإقليم تجراي وخول الحكومة الفيدرالية التدخل في الإقليم وفق المادة 62 من الدستور، وتعيين إدارة مؤقتة حتى إجراء انتخابات إقليمية وفيدرالية لاحقاً.
مفاجأة غير متوقعة
فسرت جبهة تحرير شعب تجراي هذا الاصطفاف ضدها بأنه محاولة لاستئصالها من المشهد السياسي في إثيوبيا وإقليم تجراي؛ فهددت بالمواجهة حتى لو أدى إلى الانفصال، وكانت شبه متأكدة من أن توجهها هذا سيلقى تأييداً من أقاليم العفر، والصومال، وبني شنقول، غير أنه حدثت مفاجأة غير متوقعة وهي أن الأحزاب الفاعلة في هذه الأقاليم انضمت إلى حزب الازدهار، وابتعدت عن إقليم تجراي؛ ما حد من خيارات جبهة تحرير شعب تجراي، وكان إقليم أرومو قد ألمح إلى أنه لن يكترث لانفصال إقليم تجراي حين أعلن أن وجود واستمرار إثيوبيا مرتبط ببقاء إقليم أوروميا في إثيوبيا، في إشارة واضحة إلى أن بقاء إقليم التجراي ضمن إثيوبيا أو انفصاله عنها لا يؤثر في مستقبل إثيوبيا السياسي.
هذه الرؤية ذاتها موجودة لدى آبي أحمد، وهي أن بقاء إقليم التجراي ضمن الدولة الاتحادية (جمهورية إثيوبيا الفيدرالية) أو الانفصال عنها حق يكفله لهم الدستور الإثيوبي؛ ولذلك يمكن أن نفهم من خلال هذه الخلفية موقف الحكومة الإثيوبية في سحب الجيش الفيدرالي من إقليم تجراي مع عوامل أخرى، كذلك شكلت الحرب استنزافاً للاقتصاد الإثيوبي الذي يعاني من الركود؛ فقد استنزفت الحرب في تجراي خزينة الدولة 10 مليار بير إثيوبي، كما جاء في تصريح آبي أحمد عند تبريره للانسحاب.
خيارات إقليم تجراي
مما لا شك فيه أن إقليم تجراي وجبهة تحرير شعب تجراي خسرا الكثير برحيل ملس زيناوي رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل، ورئيس الائتلاف الحاكم، ورئيس جبهة تحرير شعب تجراي؛ حيث لم تكن خلفه في التنظيم شخصية بمستوى قيادته وتفكيره لقيادة التنظيم والدولة الإثيوبية، فظهر ذلك جلياً منذ عام 2012، عندما تخبطت الجبهة وخسرت المجتمع الإثيوبي بسبب العنف الذي مارسته لإسكات المعارضة الإثيوبية، وارتكاب القيادة الحالية لجبهة تحرير شعب تجراي أخطاء دستورية كبيرة، منها:
أولاً: محاولة تفكيك الائتلاف الحاكم بتعطيل قرارات رئيس الوزراء السابق هيلي ماريام دسالين والتغول على كثير من صلاحياته الدستورية بحكم نفوذهم الواسع في السلطة التنفيذية.
ثانياً: عقد الانتخابات في الإقليم بمعزل عن مجلس الانتخابات الوطني وهو خرق دستوري لا يمكن أن ترتكبه قيادة سياسية متمرسة ومخضرمة، ظلت في الحكم ثلاثة عقود، وخاضت خمسة تجارب انتخابية.
ثالثاً: الاعتراض على تعيينات رئيس مجلس الوزراء آبي أحمد؛ حيث منعت نائب قائد القيادة الشمالية اللواء جمال محمد من تسلم مهامه؛ حيث توجد أهم أفرع قوات الدفاع الإثيوبية (فيلق كامل).
رابعاً: تشكيل حكومة إقليمية بناءً على انتخابات غير دستورية.
خامساً: مهاجمة الجيش الفيدرالي والاستيلاء على عتاده.
فأمام إقليم تجراي خياران، إما الانفصال، وإما الاستمرار ضمن إثيوبيا الفيدرالية، وكلا الخيارين حق يكفله الدستور في إثيوبيا.
خيار الانفصال
إقليم التجراي هو من أفقر الأقاليم في إثيوبيا؛ فموارده محدودة، وهو إقليم جبلي لا تتوفر فيه مساحات زراعية كبيرة، وهو موطن كل المجاعات التي شهدتها إثيوبيا، ولذلك لا تتوفر فيه الموارد الاقتصادية التي تؤهله للانفصال، وجبهة تحرير شعب تجراي عندما تأسست كانت مطالبها منحصرة في الانفصال عن إثيوبيا أُسوة بالثورة الإرترية التي كان مطلبها الذي رفعت من أجله السلاح الاستقلال التام عن إثيوبيا التي لم تكن تربطها بها أي علاقة، بينما كان إقليم تجراي جزءًا من مملكة الحبشة التاريخية التي كان ينتقل الحكم فيها بين الأمهرا والتجراي، من المفارقات أن أسياس عدو جبهة تحرير شعب تجراي اليوم هو من أقنعها بتأجيل مطلبها في الانفصال عن إثيوبيا.
في حالة مطالبة الإقليم بالانفصال سيخسر أراضي مهمة في غرب الإقليم وهي خاصة بقومية الوَالْ قايِتْ، كما ستخسر الأراضي المتنازع عليها مع إقليم الأمهرا في جنوب الإقليم والمتاخمة لإقليم وَلُّوْ الأمهري، كما أن جزءا من شرق تجراي سيطالب بالانضمام إلى إقليم العفر، وبذلك سيكون الإقليم هو الخاسر إذا اتجه إلى الانفصال، لأن الدستور يكفل لهذه الإثنيات حق البقاء في إقليم التجراي أو الانفصال عنه، وهو ما جرى في منطقة سِيْداما التي صوتت للانفصال عن إقليم شعوب الجنوب في 2019م ، وأيضاً هو ما سيحدث عند إعلان نتيجة الانتخابات التي جرت في مطلع الثلث الأخير من الشهر المنصرم مع الإقليم الجديد المرتقب، إقليم جنوب غرب شعوب الجنوب الذي قد ينفصل عن إقليم شعوب الجنوب.
الاستمرار ضمن الدولة الإثيوبية
يعد العنصر الخارجي من أهم المؤثرات في القرار الداخلي لجبهة تحرير شعب تجراي وكذلك على توجهات الإقليم؛ فالدعم الغربي هو من أوصل جبهة تحرير شعب تجراي في مايو من عام 1991م إلى سدة الحكم، وهو الذي مكنها من تحقيق سيطرتها على إثيوبيا، وأن تستمر في الحكم لثلاثة عقود، وعندما فقدت هذا الدعم انهارت بسرعة مذهلة، والآن الغرب هو من أجبر آبي أحمد علي على الانسحاب من الإقليم عندما استخدم سلاح وقف الدعم الاقتصادي، فالاقتصاد الإثيوبي اقتصاد زراعي يعمل به 80% من السكان، ويسهم بنسبة 36% من الناتج المحلي، و70% من الصادرات زراعية، وإجمالي الناتج القومي لإثيوبيا بلغ 61,5 مليار دولار في عام 2016م. ويتوقع أن تنهال على الإقليم دعومات اقتصادية غربية ومعونات إغاثية ستمكن الإقليم من تجاوز هذه المرحلة ليتجه الدعم الغربي بعد ذلك نحو الضغط على الإقليم في أن يغلب خيار البقاء ضمن الدولة الإثيوبية وهو ما سيحدث ويحافظ على استمرار تأثير الإقليم أمام تلاشيه في حالة الانفصال.
العامل الاقتصادي
الاقتصاد الإثيوبي يعتمد بشكل كبير على الدعم الغربي، وبفضل هذا الدعم استقر النظام السياسي بالرغم مما كان فيه من تشوهات وعيوب فإثيوبيا في مؤشر الديمقراطية في عام 2006 كانت في المرتبة 106، وفي 2010 جاءت في المرتبة 118، وفي عام 2017 تراجعت للمرتبة 129 من 167 دولة، فعندما احتاجت الدول الغربية على استخدام الضغط الاقتصادي لإجبار حكومة آبي أحمد علي على الانسحاب من الإقليم هددت بقطع الدعم عنه إذا لم يسحب قواته، ويطلب من حليفه الرئيس الإرتري سحب قواته من إقليم تجراي، فخضع للضغط لأن الاقتصاد الإثيوبي لا يتحمل ذلك، فإجمالي الدين الخارجي الإثيوبي بلغ 27,8 مليار دولار بنهاية عام 2019م وفقاً للبنك الدولي، بما في ذلك 8,5 مليارات دولار مستحقة لدائنين ثنائيين رسميين، و 8,6 مليارات دولار لدائنين تجاريين، ومليار دولار في سندات.
تأثير الأحداث على إرتريا
تعود العلاقات النضالية بين التنظيمات الإثيوبية من إقليم تجراي والثورة الإرترية إلى عام 1973م عندما قامت جبهة التحرير الإرترية (تأسست l961م) بتدريب وتسليح جبهة تحرير تجراي التي سبقت في النشأة والتأسيس جبهة تحرير شعب تجراي 1975م، وكانت جبهة التحرير الإرترية قد حاورت من عام 1970م حزب الشعب الثوري الإثيوبي ذا التوجه الشيوعي، الذي كان ينشط سراً في معارضة الإمبراطور هيلي سلاسي في تحديد موقفه من حق إرتريا في تقرير المصير فانقسم إلى اتجاهين: اتجاه مؤيد لحق تقرير المصير ومعظم هذه الفئة من كوادر الحزب هم من إقليم التجراي، وانشقوا فيما بعد عن حزب الشعب الثوري وأسسوا جبهة تحرير تجراي (T.L.F)، والاتحاد الديمقراطي الإثيوبي (E.D.U). وتأييدهم لحق الشعب الإرتري في تقرير المصير لم يكن مكرمة منهم، أو لوعي ثوري تمتعوا به، بل كان تكفيراً لموقفهم المؤيد للإمبراطور، وتشكيلهم العمود الفقري للجيش الإثيوبي ومليشياته المعروفة بالكوماندوز التي ارتكبت المذابح والحرائق المدمرة التي طالت كل الريف الإرتري في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي ومطلع السبعينيات منه، وبحكم قوة جبهة التحرير العسكرية، وانتشارها وسيطرتها على الشريط الحدودي مع تجراي قدمت دعماً معتبراً وفاعلاً لتجراي، بل قاتلت معها في الإقليم وأجْلَت منه الجيش الإثيوبي في شِيْرِيْ وعَدِّيْ قَرَاتْ وحُمَرا وتقدّمت معهم نحو قندر في عام 1977م، ولم يكن وقتها للجبهة الشعبية لتحرير إرتريا أي دور تجاه هذه التنظيمات، فبدأت بالاتصال بالعناصر الراديكالية في مجموعة كانت تعرف بالرابطة الماركسية اللينينية لتجراي (Marxist Leninist League Tigray) وبدأت بتأسيس جبهة تحرير شعب تجراي، انغمست الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا بعمق في خصائص هذه المجموعة الداخلية من نزاعات وتنافس واقتتال وساعدتها في تصفية بقية التنظيمات المنافسة ومن ثم تحالفت معها لتصفية جبهة التحرير الإرترية مما شكل هذا التدخل فيما بعد النقطة الحاكمة في علاقة التنظيمين ويحاول كل منهما السيطرة على الآخر لينتج عنه فيما بعد صراعاً دامياً أفضى إلى حرب بادمي 1998 – 2000م، وحرب إقليم تجراي الحالية، وسيتطور إلى أن يتمكن أحد الطرفين من إزاحة الآخر من المشهد السياسي لأن عقيدة كلا التنظيمين السياسية تقوم على الصراع الصفري، ومما لا شك فيه أن الجولة التالية ستكون على الحدود الإرترية وهذا قد ينتج عنه تفكك الجيش الإرتري وسقوط الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا التي أصبحت مكشوفة من غير غطاء إقليمي خاصة بعد التقارب المصري السوداني، أو دولي حيث أدانت الدول الغربية انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها الجيش الإرتري في إقليم تجراي.
الحرب في إقليم تجراي ربما تكون قد انتهت غير أن ذلك سيكون بمثابة هدنة لتبدأ الجولة التالية منها، وهذه المرة ستنتقل إلى داخل إرتريا من غير شك، وهي مرحلة جدية، وإرتريا وشعبها ليسا مستعدين لها؛ وهو ما يعني استمرار معاناة الشعب الإرتري من حالة اللاحرب والسلم، التي عاشها طوال العشرين سنة الماضية، وهذا يعني العودة إلى المربع الأول.
—-
* مركز دراسات القرن الإفريقي.