معركة من نوع جديد تشتعل على هامش أزمة النيل وسد النهضة الإثيوبي، أبطالها أصحاب العمائم، ففي مصر شيخ الأزهر الإمام الأكبر د. أحمد الطيب وانضم له خلال الساعات الأخيرة مستشار رئيس الجمهورية المصري للشؤون الدينية الداعية د. أسامة الأزهري، وفي إثيوبيا يتصدر المشهد رئيس المجلس الأعلى الفيدرالي للشؤون الإسلامية الإثيوبي المفتي الحاج عمر إدريس.
ظلم كبير
د. أسامة الأزهري رد غاضباً في الساعات الأخيرة على مفتي إثيوبيا مستخدماً لغة حادة بحسب مراقبين لتأكيد حق مصر والسودان في الحفاظ على نسبتهم التاريخية في النيل.
وقال في البيان الذي رصده مراسل “المجتمع” على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” قبل ساعات: رداً على مفتي إثيوبيا، مضى زمن النجاشي الذي لا يظلم عنده أحد، وجاء زمن تظلم فيه إثيوبيا مائة مليون أحد في مصر، وأربعين ملايين أحد في السودان، ومن اعتدى على حقنا فلا يلومن إلا نفسه”.
وقال الأزهري: أصدر مفتي إثيوبيا فضيلة المفتي الحاج عمر إدريس، رئيس المجلس الأعلى الفيدرالي للشؤون الإسلامية الإثيوبي، بياناً خلاصته أن إثيوبيا لها حق المنفعة والاستفادة من مواردها الطبيعية بدون أي ضرر لدول حوض النيل بصورة عامة، إلى أن يقول: نحن في بلد الملك النجاشي، الملك العادل، والعدالة ما زالت في بلادنا إثيوبيا إلى يومنا هذا، وتعقيباً على هذا أقول: عدد المسلمين في إثيوبيا 33% (حسب قول الأزهري)، وإذا لم يتخذ فضيلة المفتي هذا الموقف فقد يقع ضرر عظيم على كل شريحة المسلمين في إثيوبيا، فنحن جميعاً كمصريين نعذره في موقفه، ولكن تعليقي هنا لتحصين عقول المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من مغالطة قد تشوش العقول.
وأضاف أن فضيلة المفتي الإثيوبي يقول: إن إثيوبيا لها حق الانتفاع بمياه النيل دون ضرر لدول حوض النيل، فكيف إذا صار الضرر الواقع على مصر والسودان قطعياً وظاهراً وواضحاً وساطعاً، وأنه ضرر يودي إلى هلاك الملايين منا، والأنهار ملكية عامة تشترك في منفعتها كل الدول التي يمر النهر الخالد بأراضيها، فلا يحق لأي طرف أن يستحوذ ويستأثر ولا يبالي لهلاك غيره ممن يشاركه الموارد وله فيها نفس الحق.
وانتقد الأزهري استهداف إثيوبيا لحقوق المصريين قائلاً: أما أنكم في بلد النجاشي الملك العادل الذي لا يظلم عنده أحد، فقد مضى زمنه رحمه الله، وخلف من بعده خلف ضيعوا الأمانة، وجاء زمن تظلم فيه إثيوبيا مائة مليون أحد في مصر، وأربعين ملايين أحد في السودان، ومن اعتدى على حقنا فسوف ننتزع حقنا منه بأنيابنا ولا يلومن إلا نفسه”.
بيان إدريس
وكان رئيس المجلس الأعلى الفيدرالي للشؤون الإسلامية الإثيوبي المفتي الحاج عمر إدريس، استنكر مؤخراً بيان شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب عن “سد النهضة” الإثيوبي، موضحاً أن مياه النيل تنبع من قلب إثيوبيا، التي لها حق المنفعة والاستفادة من مواردها الطبيعية بدون أي ضرر لدول حوض النيل بصورة عامة.
وقال إدريس: بيان الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر واقع من غير علم حقيقة السد ومنبعه، ولم يراع حقوق الشعب الإثيوبي وما حفظ رأي وموقف الحكومة الإثيوبية، وإثيوبيا لم تمنع مصر والسودان من الاستفادة والانتفاع من مياه النيل، بل طالبت بأن ننتفع منه معاً على حد سواء وبصورة عادلة ومنصفة وهذا، هو العدل المحض، بحسب زعمه التي تنفيه مصر والسودان رسمياً وشعبياً.
وقال المفتي: إنه من هذا المنطلق، فينبغي على شيخ الأزهر أن ينظر إلى الحقيقة ويتيقن في أمر النيل ورأي حكومة إثيوبيا السديد، وعليه ألا يخطئ ويزل، نعم، فإن أمر النهر العابر للحدود حق الاستفادة لكل من يمر على أراضيه بإنصاف وعدالة ومراعاة حقوق دولة المنبع، ولكن في كلام شيخ الأزهر خطأ في الواقع، ولهذا، فيلتزم أن ينتبه الشعب المصري والسوداني، والمجتمع الدولي، والعربي والإسلامي، والأفريقي، في أمر “سد النهضة”.
ودعا إدريس إلى حل سلمي للأزمة قائلاً: يتعين أن تحل القضية بالمشاورة والتفاهم، وتحت ظل الاتحاد الإفريقي على مبدأ حل المشكلات الأفريقية بأفريقيا.
موقف شيخ الأزهر
وحتى كتابة هذه السطور، لم يصدر موقف رسمي من شيخ الأزهر للرد على مفتي إثيوبيا.
ورجح مصدر قريب الصلة لمراسل “المجتمع” احتمالية صدور بيان رسمي للأزهر في هذا الشأن، يؤكد مضامين بيان الأزهر الرسمي السابق الرافض للموقف الإثيوبي.
وكان شيخ الأزهر أصدر بياناً أخيراً دعا فيه المجتمع الدولي والأفريقي والعربي والإسلامي إلى تحمل مسؤولياتهم والتكاتف ومساندة مصر والسودان في الحفاظ على حقوقهما المائية في نهر النيل، والتصدي لادِّعاء البعض مِلْكيَّة النهر والاستبداد بالتصرف فيه بما يضر بحياة شعوب البلدين.
وشدد د. الطيب على أن الأديان كافة تتفق على أنَّ مِلْكيَّة الموارد الضروريَّة لحياةِ الناس؛ كالأنهار هي ملكيَّةٌ عامَّة، ولا يصحُّ بحالٍ من الأحوال، وتحت أي ظرفٍ من الظُّروفِ، أن تُترك هذه الموارد مِلْكًا لفردٍ، أو أفرادٍ، أو دولةٍ تتفرَّدُ بالتصرُّفِ فيها دون سائر الدُّول المشاركة لها في هذا المورد العام أو ذاك.
وأكد الإمام الأكبر أن “الماء” بمفهومه الشامل الذي يبدأُ من الـجُرعة الصغيرة وينتهي بالأنهار والبحار- يأتي في مُقدِّمة الموارد الضروريَّة التي تنصُّ شرائع الأديان على وجوبِ أن تكون ملكيتُها ملكيةً جماعيةً مشتركة، ومَنْع أن يستبدَّ بها فردٌ أو أناسٌ، أو دولةٌ دون دولٍ أخرى.
وشدد د. الطيب على أن هذا المنع أو الحجر أو التضييق على الآخرين، إنما هو سَلْبٌ لحقٍّ من حقوقِ الله تعالى، وتصرفٌ من المانعِ فيما لا يَمْلِك، وأنَّ مَن يستبح ذلك ظالم ومعتد، ويجب على الجهات المسئولة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا أن تأخذ على يديه، وتحميَ حقوق الناس من تغوله وإفساده في الأرض.
وأعرب شيخ الأزهر عن تقديره للجهود الدبلوماسية المصرية والسودانية، والتحلي بلغة المفاوضات الجادة، والسعي الحثيث لإيجاد حلول تحفظ للجميع حقوقهم في استثمار الموارد الطبيعيَّة دون الجور على حقوق الآخر بأي شكل من الأشكال.
وشدد على أن التمادي في الاستهانة بحقوق الآخر -لا سيما الحقوق الأساسية مثل الماء- هو أمر منهي عنه شرعًا فضلًا عن كونه مخالف للأخلاق والأعراف والقوانين الدولية والمحلية.
وهدد د. الطيب في نهاية بيانه بعواقب وخيمة لمن يفتح ذلك الباب قائلاً:” ولو فُتِحَ هذا الباب فسوف تكون له عواقب وخيمة على السلام العالمي فبعض الأنهار يمر بأكثر من خمس دول، فهل يتصور أن تنفرد به أحدهم؟!”.