نفت مصادر رسمية في تونس ونواب في البرلمان وناشطون في المجتمع المدني ما تداولته بعض الأوساط السياسية والإعلامية في تونس، وخارجها، من أن مناضلي الحقوق المدنية والسياسية وضحايا الاستبداد قبل الثورة تلقوا وسيتلقون تعويضات بمئات الملايين في هذا الظرف العصيب الذي يمر به التونسيون وتحديداً أصحاب الطبقات المسحوقة.
واعتبروا ما يروج محاولة للصيد في المياه العكرة، والسعي لمزيد من الخراب والدمار، عسى أن يفضي ذلك لجلوسهم على ركامها، وذلك بدل تضافر الجهود من أجل تخطي الأزمة الصحية والاجتماعية التي تخيّم على تونس حالياً.
افتراءات معادية للثورة
وقال رئيس الهيئة العامة للمقاومين وشهداء وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية عبدالرزاق الكيلاني: إن ما يروج حول التعويضات ومطالبة الحكومة بصرفها كذب وافتراء من جهات معادية للثورة.
وأكد، في تصريح لإذاعة “شمس أف أم” الخاصة، أن ما يتم ترويجه من كذب وافتراءات يؤدي لحرب أهلية.
ليس من ميزانية الدولة
وشدّد النائب عن التيار الديمقراطي رئيس الكتلة الديمقراطية نعمان العش (معارضة) على أن أموال جبر الضرر لن يتم اقتطاعها من ميزانية الدولة، بل عن طريق صندوق تضخ فيه المنظمات الدولية والدول الداعمة لمسار العدالة الانتقالية أموالاً لجبر الضرر.
وتابع، في تصريح لإذاعة “موزاييك” الخاصة، أن ما سيتم رصده حول التعويضات وصندوق الكرامة هو جبر ضرر ولا يقتصر على المناضلين في الأحزاب، بل لكل من تعرض لانتهاكات جسيمة أو التعذيب أو غيرها.
وأكد أن العدالة الانتقالية لا تقتصر على جبر الضرر، بل تشمل أيضاً المحاسبة والمصارحة والاعتذار، واعتبر أن المسار الانتقالي مسار متعطل في جميع مراحله رغم صدور الأمر الحكومي المنظم لصندوق الكرامة عام 2018، وبموجب ذلك لا يوجد أي سبب للتخلي عنه أو عدم تفعيله.
محض كذب وافتراء
وكتب وزير الخارجية الأسبق القيادي بحركة النهضة رفيق عبدالسلام، في صفحته الرسمية بـ”فيسبوك”: الحديث عن التعويضات هو كذب محض وافتراء مفضوح لبناء بطولات وهمية والاستثمار في الأزمات من طرف جماعة الرحوي ومشتقاتها.
وأردف: كل ما قيل ويقال عن المبالغ الخيالية للتعويض للضحايا هو تدليس وتلبيس، وشدّد على أنه لا جود اليوم لقضية غير مواجهة الوباء اللعين الذي يختطف أرواح التونسيين، وطالب كل النهضويين بالوقوف في الميدان لمعاضدة جهود الدولة في مقاومة الوباء الخطير.
ماكينة الفتنة
من جهته، قال النائب بالبرلمان والقيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري: إن اتهام النهضة بملف التعويضات وإحداث صندوق التضامن يأتي عقب نجاح الحركة في الإقناع بأن الحرب ضد الوباء الذي يستهدف الجميع دون تمييز أولوية مطلقة وواجب وطني وديني وأخلاقي، وفرض عين على كل تونسي وتونسية، والتجاوب السريع لرئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس نواب الشعب وقطاعات واسعة من أحرار تونس داخل البلاد وخارجها.
وأضاف البحيري، في تدوين له على صفحته بموقع “فيسبوك”: لم يكن مفاجئاً أن تتحرك ماكينة الفتنة من تجار الحروب من أحفاد الصبايحية (عملاء الاستعمار) وعشاق الانقلابات الدموية وعبدة الدرهم والدينار والمرتزقة الذين أوصلهم غباؤهم وأنانيتهم وهوسهم المرضي بالحكم إلى توهم أنه لم يبق لهم من طريق للعودة للسلطة إلا فشل الدولة في حربها ضد الوباء، حتى لو كان ذلك على جماجم التونسيين وجثثهم، وعلى حساب الآلاف من أرواح الأبرياء واستقرار الدولة ووجودها، فعادوا لأساليبهم الدنيئة الخبيثة في حملة منظّمة سخّروا لها كل ما وضع على ذمتهم من إمكانيات بشرية ومادية ومالية.
واعتبر البحيري أن الحملة الموجهة ضد النهضة لا تهدف في التشكيك في مصداقية الحركة ووطنيتها بالعودة للأسطوانة المشروخة واتهامها بالسعي وراء التعويضات فقط، بل لمحاولة تخريب الوحدة الوطنية وإفشال المجهود الوطني لمقاومة الوباء، فالقلاع الحصينة لا تفتك إلا من الداخل.
وأكد أن صندوق الكرامة لم تحدثه “النهضة”، بل أحدث بأمر من رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد عام 2018، والغاية منه رد الاعتبار لكل ضحايا الاستبداد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان منذ عام 1956 من مقاومين للاستعمار ويوسفيين (نسبة لصالح بن يوسف المناضل الذي اغتاله بورقيبة في بون بتواطؤ فرنسي عام 1961) وقوميين ويساريين ونقابيين وإسلاميين وليبراليين ودستوريين وغيرهم من ضحايا معركة الجلاء وانتفاضة يناير 1978 و1984 والحوض المنجمي وغيرهم، وأن الدولة لم تُودع فيه ولو مليماً واحداً إلى حد هذا اليوم.
حق وواجب
إلى ذلك، قال الناطق الرسمي باسم اللجنة الوطنية لضحايا الاستبداد، عبدالحميد الطرودي، لـ”المجتمع”: هناك محاولة من اليسار وحركة الشعب اختزال العدالة الانتقالية في التعويضات، والتسويق إلى أنّ من يطالبون بالتعويضات ينتمون إلى حركة النهضة فقط، في حين أن كل الحساسيات السياسية بما ذلك اليسار لديه ملفات لدى هيئة الحقيقة والكرامة ومشمول بالتعويضات.
وتابع أن اللجنة الوطنية لضحايا الاستبداد ضحايا حقبة الطاغيتين بورقيبة، وبن علي، إلى جانب قائمات خاصة بعائلات شهداء الثورة وجرحاها.
وأشار إلى أنّ القضية لا تختزل فيما يسمى التعويضات، وإنما تسميتها القانونية، جبر ضرر لعائلات شرّدت وظلمت، ومناضلون قتلوا ودفنوا في أماكن مجهولة.
وأوضح: نحن أصحاب حقوق مادية وسياسية ولن نتنازل عنها.
وحول الحملة التي تروج الإشاعات حول تعويضات قدّمت وستقدم، أفاد: بعض الأشخاص عندما رأوا أنّ حكومة هشام المشيشي تقوم بخطوات إيجابية من أجل هذا الملف، قرّروا شيطنة المناضلين، وهم ليسوا خائفين على ميزانية الدولة والشعب التونسي كما يدعون، وليسوا خائفين على تضرر الاعتمادات المخصصة للدولة لمجابهة فيروس كورونا، لأن أموال الصندوق من خارجها، بل غايتهم ضرب حركة النهضة التي تدافع على هذا الملف.