فيما يشبه العواصف والأعاصير غير المتوقعة سقطت، أمس الجمعة، مدينة قندهار، كبرى مدن أفغانستان بعد العاصمة، بيد مقاتلي حركة “طالبان”، الذين باتوا يسيطرون على أكثر من نصف عواصم ولايات البلاد، وسط هرولة عواصم غربية لإجلاء رعاياها من كابول، ما يشير إلى تقديرات بسقوطها خلال أيام قليلة.
18 ولاية تسقط في أسبوع
وخلال أسبوع واحد، انتزعت “طالبان” 18 عاصمة ولاية في مختلف أرجاء البلاد، من أصل 34، بعد أن كانت الحركة تتجنب خوض معارك للسيطرة على المدن الكبرى، إلى حد بعيد، على مدار سنوات الاحتلال الأمريكي للبلاد.
وسقطت أول عاصمة ولاية بيد “طالبان”، يوم الجمعة 6 أغسطس، وكانت مدينة زرنج مركز ولاية نمروز، على الحدود مع إيران، ليتوالى بعد ذلك سقوط العواصم واحدة تلو الأخرى بشكل خاطف، وفي عموم البلاد مترامية الأطراف.
وتعد قندهار، جنوباً، وهرات (ثالث أكبر مدينة أفغانية)، غرباً، أهم العواصم التي سيطرت عليها الحركة، وتحقق لها ذلك خلال الساعات الـ24 الماضية، فضلاً عن مدينة لشكركاه، عاصمة ولاية هلمند، جنوباً؛ التي خاضت الحكومة معارك ضارية لمنع “المتمردين” من السيطرة عليها.
وتحدثت الحركة عن استسلام مئات الجنود لقواتها في قندهار، وفرار آخرين، فيما تجدد مشهد تحرك عناصر “طالبان” على متن مركبات عسكرية أمريكية الصنع، سقطت بأيديهم أثناء المعارك.
السيطرة على كابول بات وشيكاً
قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية: إن الولايات المتحدة طلبت من “طالبان” تجنب سفارة واشنطن في كابول، خلال المعركة “القادمة” للسيطرة على العاصمة الأفغانية، في تسليم ضمني بسقوط قريب للمدينة بيد مقاتلي الحركة، وتخلّ عن الحكومة التي أنشأها الغزو قبل 20 عاماً.
من الواضح أن كابول وجدت نفسها في مأزق مع توالي قرارات العواصم الغربية إجلاء رعاياها وإغلاق بعثاتها الدبلوماسية، على وجه السرعة، دون حديث عن سبل إنقاذها.
ويشير ذلك أيضاً، بحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”، إلى استعداد العواصم الغربية لتلقي نبأ سقوط كابول خلال أيام قليلة.
المؤشرات تقول: إن الحركة، التي باتت على أبواب كابول، قد ارتفع سقفها، بغض النظر عما إذا كانت هي من بادر بالعمل على التوسع على الأرض، أم أن الحكومة فوتت فرصة التفاهم السلمي قبل أن تجد نفسها محاصرة في العاصمة.
الخريطة أدناه تظهر المشهد على الأرض في أفغانستان، بحسب رصد مجلة “FDD’s Long War” الأمريكية حتى نهاية يوم الخميس 12 آب/ أغسطس (الأعداد أسفل الخريطة هي للمديريات التي تتكون منها ولايات البلاد الـ34):
للمقارنة بما كان عليه الحال عام 2017:
أرض خصبة للمتطرفين
وفي ضوء ذلك المشهد، انتقدت بريطانيا انسحاب القوات الأمريكية، الذي شارف على الانتهاء في الواقع، معتبرة أن سيطرة “طالبان” قد تخلق أرضاً خصبة للمتطرفين ما يشكل تهديداً للعالم.
وأعلن وزير الدفاع البريطاني بن والاس، الخميس الماضي، أن حوالي 600 جندي سيساعدون في إجلاء رعايا المملكة المتحدة من أفغانستان، مقدراً عددهم بنحو 3 آلاف.
لكن الوزير قال لشبكة “سكاي نيوز”: إن قرار الولايات المتحدة سحب قواتها “يترك مشكلة كبيرة جداً على الأرض”، ما يعطي زخماً للمتمردين.
وتوقع أن ذلك سيكون مفيداً لتنظيم “القاعدة” الذي منحته “طالبان” ملاذاً آمناً قبل هجمات 11 سبتمبر التي نتج عنها تورط الغرب لمدة 20 عاماً في أفغانستان.
وقال: بالطبع ستعود “القاعدة” على الأرجح، محذراً من أن ذلك قد يؤدي إلى “تهديد أمني لنا ولمصالحنا”.
من جهته، وصف وزير التنمية الدولية السابق روري ستيوارت انسحاب القوات بأنه “خيانة تامة من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة”، الأمر الذي قد يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية بين أمراء الحرب المتنافسين الذين يقاتلون حالياً “طالبان”.
أما النائب عن حزب المحافظين وزير المحاربين السابق الذي خدم في أفغانستان جوني ميرسر؛ فاعتبر الانسحاب “وصمة عار”.
وقال لإذاعة “تايمز”: أعتقد أنه أمر مهين للجيش البريطاني والعائلات التي فقدت أفراداً هناك، لكنه قبل كل شيء مأساة كبيرة لشعب أفغانستان الذي عانى الأمرين على مدى سنوات عديدة.
وأضاف: “لقد اخترنا هذه الهزيمة، وهذا أمر مخز”.
لا سبيل لإنقاذ كابول
ويترقب المسؤولون في كابول نتائج اجتماع لحلف شمال الأطلسي على مستوى مبعوثي الدول الأعضاء.
لكن الاجتماع المرتقب يرجح أن يناقش القضايا المتعلقة بإجلاء الرعايا الغربيين، لا سبل إنقاذ الحكومة المحاصرة في كابول، بحسب عدة وسائل إعلام غربية، بينها وكالتا “رويترز” و”فرانس برس”.
وأعلنت واشنطن ولندن، مساء الخميس، مساعيهما لسحب موظفي سفارتيهما ومواطنين آخرين بسرعة من العاصمة، وإرسال قوات مخصصة لتنفيذ تلك المهمة.
وبالفعل، مساء الجمعة، ذكرت قناة “الحرة” الأمريكية (رسمية) أنه تم رصد “وصول الدفعة الأولى من القوات الأمريكية إلى مطار كابول”، دون الإشارة إلى عدد أفرادها، علماً أن البنتاغون كان قد تحدث عن إرسال 3 آلاف جندي لتسهيل عمليات إجلاء الأمريكيين، والمواطنين الأفغان الذين يخشون على مصيرهم لعملهم مع الغزاة.
وفي السياق، قالت الوزارة: إنه تم نقل 4500 جندي أمريكي إلى قطر، و5 آلاف إلى الكويت، ليتولوا مهمة تسريع إصدار التأشيرات للأفغان الذين عملوا مترجمين، وغير ذلك من الوظائف التي كانت مرتبطة بجيش الولايات المتحدة ودبلوماسييها في أفغانستان طوال السنوات الماضية.
الأسوأ لم يأت بعد
والجمعة أيضاً، حذرت وكالات تابعة للأمم المتحدة من كارثة إنسانية في أفغانستان بعد نزوح عشرات الألوف من منازلهم إثر تقدم حركة “طالبان” مع انتشار الجوع.
وقال تومسون فيري، من برنامج الأغذية العالمي في إفادة للأمم المتحدة: “ما نخشاه هو أن الأسوأ لم يأت بعد، موجة جوع كبرى تقترب بسرعة، الموقف يحمل كل السمات المميزة لكارثة إنسانية”.
وبدورها، قالت شابيا مانتو، من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: إن أكثر من 250 ألفاً اضطروا للرحيل منذ مايو، 80% منهم من النساء والأطفال، وأفاد كثيرون بتعرضهم للابتزاز من الجماعات المسلحة في طرق السفر مع اضطرارهم إلى المراوغة والالتفاف حول الطرق الرئيسية لتفادي العبوات الناسفة.
وقال مسؤول آخر بالأمم المتحدة: إن الآلاف يفرون من المناطق الريفية إلى العاصمة كابول وغيرها من المراكز الحضرية بحثاً عن ملاذ آمن.
وقال ينس لايركه، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: إنهم ينامون في العراء بالمتنزهات والأماكن العامة، الشغل الشاغل لنا الآن بكل بساطة هو العثور على مأوى لهم.
وتحدثت مسؤولة في منظمة الصحة العالمية عن زيادة في حالات الصدمة إلى المثلين في الشهرين أو الأشهر الثلاثة الماضية بالمنشآت الصحية التي ترعاها المنظمة، وأعربت عن مخاوفها من نقص الإمدادات الطبية وقالت: إن المنظمة أصبحت تدرب الأطقم الطبية على إدارة المواقف في حالات الإصابات الجماعية.
________________________
مصادر ذات صلة:
1- طالبان تحكم السيطرة على أفغانستان.. هل تصمد كابول؟ عربي 21،
2- سناتور أمريكي بارز: منع سقوط كابول بيد طالبان لا يزال ممكناً، سكاي نيوز،
3- أمريكا: الوضع يتدهور بأفغانستان.. ولا تعليق عن سقوط كابل، العربية نت،
4- تحذير أمريكي من سقوط كابول خلال 90 يوماً في أيدي حركة طالبان،
5- لافروف: موسكو تعتمد على تقييمات “سي أي إيه” بخصوص سقوط كابول بأيدي “طالبان”،
6- كابول تطلب من برن وقف عمليات الترحيل لطالبي اللجوء الأفغان، رويترز،
7- طالبان تقترب من كابول، الجريدة،