أخيراً، وبعد 24 عاماً من انقلاب الجيش التركي علي رئيس الوزراء نجم الدين أربكان في فبراير 1997م، وحظره الحجاب وحل حزب “الرفاه”، جاءت العدالة وقضت محكمة تركية بسجن 14 من قادة الانقلاب بالسجن المؤبد.
القصة بدأت بعد نجاح حزب “الرفاه” في الانتخابات المحلية (البلدية) عام 1994م وحصوله على نسبة 21% من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية التي شهدتها البلاد في ديسمبر 1995م.
مع حصد حزب أربكان 158 مقعداً من أصل 550 في البرلمان التركي، أُعلن عن تشكيل حكومة ائتلافية في 28 يونيو 1996م بزعامة أربكان من حزب الرفاه وتانسو تشيلر من حزب “الطريق القويم” التي تولت منصب نائبة رئيس الوزراء وزيرة الخارجية.
ما أن تسلم أربكان زمام الأمور حتى بدأت الإزعاجات تعم المؤسسة العسكرية التركية بعد تعالي الأصوات التي ترى أن أربكان وفكره يشكلان تهديداً حقيقياً لعلمانية الجمهورية التركية.
لم يسمح العسكر لأربكان سوى بعام واحد في الحكم، ففي 28 فبراير 1997م، عقدت قيادة مجلس الأمن القومي التركي اجتماعاً مهد للانقلاب.
اتهم جنرالات الجيش أربكان وحكومته بتشكيل خطر على النظام” و”دعم الرجعية”، بعد فترة وجيزة من تسلمها مهام عملها.
أعقب هذا بدء الجيش بالإغلاق التدريجي لمدارس الأئمة والخطباء والمدارس الدينية وأعد قرار في مجلس الأمن القومي يعتبر أنّ “الحجاب تهديد لتركيا”!
ومع تصاعد ضغوط الجيش على أربكان والحكومة، والتلويح بإمكانية الانقلاب عسكرياً على أربكان، مما اضطر الأخير في يونيو 1997م، إلى الاتفاق مع نائبة رئيس الوزراء تانسو تشيلر على استلام الأخيرة رئاسة الحكومة، وإشراك أحزاب أخرى في الحكومة لحين إجراء انتخابات مبكرة وقدّم رئيس الوزراء نجم الدين أربكان، استقالة الحكومة إلى رئيس البلاد ديميريل.
وفي 16 أغسطس 1997م، صادق البرلمان التركي على قرارات التوصية الصادرة من اجتماع مجلس الأمن القومي، لتشهد تركيا بعدها مرحلة “انقلاب ما بعد الحداثة.”
اتخذ الجيش عدة ذرائع للانقلاب منها تأسيس أربكان مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية، ودعوته مجموعة من رجال الدين إلى مأدبة إفطار رمضاني.
وتنظيم بلدية منطقة “سنجان” التي كان يحكمها حزب أربكان في العاصمة أنقرة، فعالية حملت اسم “ليلة القدس” في 31 يناير 1997م، التي اعتبرها الجيش “رجعية” تشكل خطراً على الدولة وأمر دبابات ومدرعات الجيش بالخروج إلى شوارع “سنجان” كبداية للانقلاب.
وفي ذلك اليوم قال رئيس الأركان العامة الجنرال جويك بير، لوسائل الإعلام المحلية: “لقد عدّلنا التوازنات في العملية الديمقراطية”.
وبعدها تم منع أربكان من ممارسة السياسة لمدة 5 أعوام بموجب قرار من العسكر والمحكمة الدستورية التابعة لهم.
بعد هذا التطور الذي وصف بأنه “تحذير من العسكر”، تمت إقالة رئيس بلدية سنجان بكر يلديز من منصبه، واعتقل مع 9 من أصدقائه بتهمة “تحريض الناس على الكراهية والعداء”، وقد أدت هذه التطورات إلى حدوث سجالات سياسية خطيرة.
وبعدها تم منع أربكان من ممارسة السياسة لمدة 5 أعوام بموجب قرار من العسكر والمحكمة الدستورية التابعة لهم.
العقاب بعد 24 عاماً
رغم مرور 24 عاماً تم الحكم علي جنرالات الانقلاب ما عدا الجنرال اسماعيل حقي لأنه توفي في مايو 2020م، بالسجن المؤبد.
يوم الخميس 19 أغسطس الجاري 2021م اعتقلت قوى الأمن التركية 14 جنرالاً متقاعداً بعد إصدار المدعي العام مذكرة اعتقال بحقهم.
ومن بين الـ 14 محكوماً الذين أودعوا السجن لتنفيذ عقوبة الحبس المؤبد: قائد القوات الجوية السابق أحمد جوركجي (89 سنة) والجنرالان السابقان جيفيك بير (82 سنة) وجتين دوغان (84 سنة) والجنرال المتقاعد إيلهان قليج (84 سنة) بالإضافة إلى أيدين إيرول (81 سنة) وإدريس كور ألب (83 سنة) وآخرون.
الاعتقال جاء عقب تأييد محكمة الاستئناف العليا مطلع يوليو 2021م الأحكام الصادرة بالسجن المؤبد عليهم بتهمة ما عرف لاحقاً بـ “انقلاب ما بعد الحداثة” أو “انقلاب المذكرة” أو “حركة 28 فبراير/شباط”، الذي أطاح بحكومة أربكان.
بعد قرار محكمة الاستئناف العليا أكدت المحكمة الجنائية العليا الخامسة في أنقرة التي نظرت في القضية، الأحكام الصادرة على الأسماء بما في ذلك رئيس الأركان العامة الثاني في ذلك الوقت الجنرال المتقاعد جيفيك بير ورئيس عمليات الأركان العامة الجنرال المتقاعد شيتين دوغان.
وأُرسل الملف إلى مكتب المدعي العام في أنقرة لتنفيذ الأحكام الصادرة بحق المتهمين، الذي لم يرَ أي عقبة أمام تنفيذ القرار، وأصدر مذكرة توقيف بحق المتهمين.
وتنفيذاً لقرار المحكمة سيوضع 14 شخصاً في السجن في الوقت الذي سيتم تقديم طلبات من المحكومين بتأجيل قرار الحبس لأسباب صحية بعد صدور توصيات وتقرير من الطب الشرعي.
وبجانب ذلك أرسلت المحكمة خطاباً إلى هيئة الأركان العامة ووزارة الدفاع التركية طالبت فيه بإبطال رتب المحكوم عليهم وإنهاء علاقتهم بالقوات المسلحة التركية.
معاقبة الانقلاب والأحكام القضائية ضدهم بدأت حين أصدر القضاء التركي يوم 13 أبريل 2014م حكماً بالسجن المؤبد بحق 21 شخصاً من كبار جنرالات الجيش آنذاك أدينوا بـ”المشاركة في الإطاحة بحكومة الجمهورية التركية باستخدام القوة”.
وقرر القضاء حينئذ تبرئة 68 مشتبهاً في القضية وإسقاط الدعاوى القضائية عن 10 متهمين آخرين للتقادم.
في ذلك الوقت ولكبر سن المتهمين وحالتهم الصحية قررت المحكمة إبقاءهم في منازلهم شريطة المراقبة القضائية ومنعتهم من مغادرة البلاد وأجبرتهم على التوقيع في أقرب مركز شرطة لمحل سكنهم بداية كل شهر، وذلك حتّى تبت المحكمة العليا في طلبات الاستئناف التي قدمها المتهمون بعد صدور قرار المحكمة الجنائية العليا الخامسة في أنقرة.
لكن في 9 يوليو 2021م صدر القرار النهائي عن محكمة الاستئناف العليا الذي أيد الأحكام الصادرة بالسجن المؤبد على 14 عسكريا متهماً وقررت النيابة العامة تنفيذ القرار.