أكد د. مصباح عبدالباقي، رئيس جامعة السلام في كابل، رئيس مكتب الدراسات الإستراتيجية في أفغانستان، أن حركة «طالبان» أمامها الكثير من التحديات التي تقتضي منها أن تتعامل معها بعقلية أكثر انفتاحاً ومرونة حتى لا تعرض تجربتها في الحكم للفشل للمرة الثانية.
وذكر د. عبدالباقي، في حواره مع «المجتمع»، أن هناك بعض الدول التي عليها أن تسد الفراغ الذي تعمدت أمريكا إحداثه في أفغانستان، داعياً في الوقت نفسه منظمة المؤتمر الإسلامي للقيام بدورها تجاه هذا البلد العزيز في العالم الإسلامي.
بداية، نهنئ أنفسنا ونهنئكم على هذا الانتصار العظيم، واسمح لنا أن نبدأ من آخر حدث وهو تفجيرا مطار كابل، حيث قالت «بي بي سي»: إنه بأيدي «داعش» الباكستانية؛ فهل بدأت الآن مجازاً الثورة المضادة لحكومة «طالبان» واستقرارها؟
– بداية، أنا سعيد جداً بالحوار مع مجلة «المجتمع» التي تعد نقطة وصل بين المسلمين في جميع أنحاء العالم، ومن يعمل في تلك المجلة يملأ فراغاً كبيراً؛ فجزى الله القائمين على المجلة خير الجزاء.
بالنسبة لسؤالكم عن التفجيرين الأخيرين بمطار كابل، فإن الأمريكيين والبريطانيين أعلنوا قبل يومين أو ثلاثة من وقوعهما أنهم يتوقعون هجمات إرهابية على مطار كابل، ويبدو أن هذا من تخطيط أمريكا والدول الغربية أنفسهم؛ فهم حاولوا أن يخلوا أفغانستان من كل الكوادر التي تدربت في العشرين سنة الماضية، وهذا الإجلاء كان مستمراً، فتم إجلاء أكثر من 100 ألف شخص، وبقي نحو 6 آلاف آخرين، وكذلك القوات الأفغانية التي دربتها الاستخبارات الأمريكية، هذه القوات يصل عددها إلى 16 ألفاً، وهذه الأعداد الضخمة لا يمكن إجلاؤها في هذه الفترة الوجيزة، ولذلك يبدو أنها حاولت أن ترتب هذه التفجيرات.
ولا توجد “داعش باكستانية” و”داعش أفغانية”، لكنها كانت لعبة بيد الاستخبارات الأفغانية؛ لتستفيد منها في الحرب ضد «طالبان».
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، تحاول أمريكا أن تثبت بهذه التفجيرات فشل «طالبان» حتى في الجانب الوحيد الذي تهتم به الحركة وهو الجانب الأمني.
أمريكا تحاول أن تثبت بالتفجيرات فشل «طالبان» في الجانب الأمني الذي تهتم به الحركة
هذا هو الحدث الأول، والواضح أن هناك ثورة مضادة، لكن هناك تحديات أخرى، حبذا لو تذكر لنا هذه التحديات التي قد تواجه “طالبان” في المستقبل.
– أول هذه التحديات أن أمريكا انسحبت هي والقوات الأفغانية بصورة عجيبة من المحافظات، ومن المدن الكبرى؛ بحيث هيأت الظروف لتلاشي الجيش الأفغاني والقوات الأمنية، وهنا نريد أن نوضح حقيقة التقدم الأخير الذي حصل من «طالبان» واستيلائها على المحافظات وعلى العاصمة كابل؛ فهذه الأمور كانت مرتبة ترتيباً معيناً؛ فأمريكا ومعها حكومة أشرف غني أمرت الجيش الأفغاني وقوامه تقريباً 300 جندي ألا يطلقوا رصاصة واحدة ضد حركة «طالبان» في هذا التقدم الذي حصل منذ سقوط المديريات ثم الولايات.
وبالطبع، عندما كان يأتي مقاتلو «طالبان» إلى المحافظة، كان الجيش يترك لهم مقراته ومعداته العسكرية وأسلحته، وبالتالي يأخذها مقاتلو «طالبان»، وبالتالي تلاشى الجيش والشرطة والاستخبارات، فلم يبق شيء اسمه الجيش الأفغاني أو الشرطة.
هذا أول تحدٍّ كبير جداً؛ وهو خلو أفغانستان من المؤسسات الأساسية التي هي عماد الحكم في البلاد، وكان هذا الأمر منسقاً بين “طالبان” والأمريكيين.
هل نجحت “طالبان” في تجاوز هذا التحدي، وهو خلو الجانب الأمني والعسكري وخصوصاً بالعاصمة كابل؟
– هل تتوقع من مقاتلين غير نظاميين لم يتلقوا أي نوع من التدريبات أن يحلوا محل الشرطة المدربة خلال سنوات لحفظ الأمن والاستقرار داخل المدن؟! سيتعرض هؤلاء للتعب والإرهاق، كما أن جنود «طالبان» الذين يتولون الأمن بالعاصمة والمدن سيكون تعاملهم مع الشعب فيه شيء من القسوة، لأنهم لم يتلقوا التدريبات الشرطية اللازمة، ولا يعرفون شيئاً من القوانين، ولا يلتزمون بها، وهذا التحدي في حقيقة الأمر من التحديات الكبيرة.
ثم إجلاء مائة ألف أو أكثر من الكوادر المدربة من قِبَل الدول الغربية، وأمريكا خاصة، فهذا من أكبر التحديات، فكل الدوائر الحكومية تم إخلاؤها من الكوادر المدربة التي تُسيّر الأعمال داخل هذه الدوائر والمؤسسات؛ فكأن أمريكا من هذه الناحية أعادت أفغانستان إلى المربع الأول من الناحية العسكرية والأمنية، وكذلك من ناحية الفنيين والموظفين المدربين، الذين أخذوا تدريبات مختلفة من عدة دول، وصُرفت عليهم أموال ضخمة جداً، هؤلاء جميعاً تم إجلاؤهم من أفغانستان.
التحدي الثاني: أن المؤسسات المالية وسوق الصرافة كلها مغلقة حتى الآن، وحركة «طالبان» تعلل ذلك بأنها لو سمحت بفتحها فسوف تهاجر العملة الصعبة من البلاد، وسيرتفع سعر الدولار، وسيهبط سعر الروبية الأفغانية، وبهذا سينهار الاقتصاد الأفغاني، وفي الوقت نفسه أوقفت الدول الغربية والمؤسسات الدولية؛ كصندوق النقد والبنك الدوليين، كل المساعدات والمشاريع التربوية داخل أفغانستان بجرة قلم، وهذا بالطبع من التحديات الكبيرة، ثم إن أمريكا قامت بتجميد 10 مليارات دولار من احتياطي البنك المركزي الأفغاني، وهذه مشكلة كبيرة جداً.
هذه المشكلة الاقتصادية من الممكن أن تثير الشعب، لأنه في حالة غياب السيولة المالية، فلا أحد من التجار يستطيع أن يستورد البضائع، والمواد النفطية، وهذا بالطبع يُحدث ثورة في الأسعار التي سترتفع بصورة جنونية، وتنعدم قوة الشراء.
والتحدي الثالث: الموظفون، ومن تبقى منهم، بعد إجلاء الأمريكيين لأغلبهم، غير مطمئنين حتى الآن لمقاتلي «طالبان»، فهم لا يحضرون إلى أعمالهم لتسيير الأعمال، وبالتالي هناك شلل في العمل الحكومي برمته.
وأرسلت «طالبان» إلى رؤساء الدوائر والمديرين العامين لإدارة دوائرهم ومؤسساتهم، لكنهم غير مطمئنين للحركة وبأنها ستصرف لهم رواتبهم.
كما قامت «طالبان» بالاستغناء عن القضاة، فقيل لهم: لا حاجة لأن يرجعوا إلى وظائفهم، وكل من كان يعمل في الادعاء العام تم تسريحهم.
ومن التحديات أيضاً تعامل «طالبان» مع بعض القضايا التي قيل: إن تعاملهم معها تغير للأفضل؛ مثل قضية المرأة، والتعليم، فحتى الآن لم يسمحوا للجامعات ولا للمدارس أن تفتح أبوابها؛ فأنا رئيس جامعة وكنا قد أعلنا بدء الدراسة في أواخر أغسطس الماضي، ولكن قيل لنا: إن الجامعات مغلقة لإشعار آخر، والسبب في ذلك أن الفصول غير مختلطة، فالبنات يدرسون في فصول، والبنون في فصول منفصلة عن البنات، ونحن نعاني من قلة المدرسين، وبالتالي المدرس الذي يقوم بالتدريس للبنين، هو نفسه الذي يقوم بالتدريس للبنات، فقيل لنا: إننا لن نسمح بذلك، فقلنا لهم: إما أن تسمحوا بذلك أو نغلق فصول البنات تماماً، فهذا التشدد في بعض القضايا من هذا القبيل، والأخذ بالآراء الفقهية المتشددة يسبب لنا مشكلة كبيرة جداً، وهي مشكلة تواجهها «طالبان»، وهم يشعرون بأنهم مطالبون من قِبَل المقاتلين بأن يتشددوا في بعض هذه الأمور.
والقضية الأساسية الأخرى، وهي أكبر من كل هذا، وهي أننا بعد مرور نحو أسبوعين من سيطرة الحركة على العاصمة، لا توجد حكومة في أفغانستان، فهي الآن بدون أي سلطة رسمية.
ومن التحديات الكبيرة كذلك تواجد القوات الأمريكية، فما زالت موجودة بالبلاد؛ فـ«طالبان» لا تسيطر على كل العاصمة الأفغانية، فهناك أكثر من 6 آلاف جندي أمريكي متواجدين بكابل.
ومن التحديات التي تواجهها «طالبان» مشكلة العرقيات الأخرى، فهذا الأمر بحاجة إلى نوع من الانفتاح؛ بحيث يشعر الناس بالطمأنينة وأنهم سيشاركون في رسم السياسات المستقبلية للدولة، وهؤلاء حتى الآن ليسوا مطمئنين لتعامل “طالبان”، والدول الغربية خاصة فرنسا، وذلك الحاقد الفرنسي “برنارد ليفي” وغيره، يحاولون أن يثيروا هذه المشكلة، ويعيدوا الفوضى مرة أخرى.
هل المقصود بالخلاف العرقي الطاجيك والأوزبك والبشتون، أم أنه يتعلق بأمراء الحرب السابقين؟
– من التحديات الكبيرة التي تواجهها أفغانستان وليست حركة «طالبان» وحدها، تصور أو شكل الحكومة القادمة، كيف ستكون، فـ«طالبان» لا تريد أن تفصح عن هذه الحكومة وشكلها، هل سيقبلون بالتداول السلمي للسلطة، بناء على الانتخابات، أم أنهم إذا تولوا الحكم فسيستمر مثل الملكيات القديمة والموجودة الآن؟ وما تصورهم لحقوق المواطنة؟ هذا النوع من الغموض من التحديات الكبيرة التي تواجهها «طالبان» في هذه الظروف.
ما حدث في تقدم «طالبان» كان مرتباً من أمريكا وحكومة غني بحيث يتلاشى الجيش والشرطة لإحداث فراغ أمني
عندما تُخلى البلاد من الكوادر المدربة ومن الجيش النظامي، كما حدث بالعراق عام 2003م عندما حُل الجيش، هل ستدخل أفغانستان في فوضى عارمة؟
– هذا السؤال جميل جداً، وهناك خطة غربية خبيثة جداً، كأن واضعي السياسات الأمريكيين راجعوا الحرب المزعومة على الإرهاب، وتوصلوا إلى أن هذه المصاريف الضخمة التي صرفوها في أفغانستان والعراق لا تصب في مصلحة أمريكا، بل المستفيد الأول منها الصين التي تنافسها على قيادة العالم، والمستفيد الثاني إيران، التي تعتبرها أمريكا عدواً لها، والمستفيد الثالث روسيا؛ لأنه إذا تعاظمت القوات أو المجموعات المسلحة في أفغانستان وعمّت الفوضى، سيكون الضرر الأكبر على الصين، وخاصة إذا نُقلت المشكلات إلى داخل تركستان الشرقية المتاخمة للحدود الأفغانية؛ فقرروا الانسحاب وإعادة أفغانستان للمربع الأول، وأحداث فوضى لإعادة المجموعات المسلحة مرة أخرى إلى النشاط داخل أفغانستان؛ ليتعطل النمو الاقتصادي المتنامي للصين، وكذلك حدوث مشكلات لإيران وروسيا.
ولذلك، عند انسحابها حاولت بتخطيط شيطاني خبيث جداً أن تتلاشى هذه القوات الأمنية من الجيش والشرطة والاستخبارات الأفغانية؛ لأن «طالبان» ومقاتليها لا يتجاوز عددهم 70 ألف مقاتل، فكيف تتمكن من بسط الاستقرار في كل هذه الجغرافيا الواسعة جداً بهذا العدد القليل؟! ولذلك هناك أنباء عن عودة بعض المجموعات المسلحة من الأوزبك من سورية وبعض المناطق الأخرى؛ لإحداث الفوضى العارمة، وهذا مخطط أمريكي.
لكن ليس كل ما تخطط له أمريكا واقعاً لا محالة، لو وُجد من يفكر بعقلية جيدة، ولو سمحت «طالبان» لبعض الناس الذين لم يدركوا هذه الأمور أن يشاركوهم في التشكيلة المقبلة؛ فسيستفيد هؤلاء من التنازع الموجود بين أمريكا والصين.
هل من الممكن أن تقوم الصين بسد هذا الفراغ؟
– ليس في صالح أفغانستان أن تقوم دولة واحدة بسد هذا الفراغ، ولا في صالح تلك الدولة أيضاً؛ لذلك أرى أن هناك دولاً مختلفة، مثل تركيا والصين وقطر، لديها من القدرات الفنية والاقتصادية ما يؤهلها لتقديم خبرات وتدريبات، بالإضافة للمساعدات الاقتصادية.
بالنسبة للتنوع العرقي، هل تقبل هذه العرقيات بـ”طالبان” حكاماً لأفغانستان؟
– التضاد العرقي ليس عميقاً للدرجة التي يتم تصويرها، ففي هذه الأيام يقوم الإعلام الغربي بتضخيم ذلك، المشكلة الأساسية لـ«طالبان» ليست في عرقيتها، بل في عقليتها الجامدة والسطحية، وهي غير واعية لتحديات العصر، هم يريدون أن يديروا الدولة بفقه ينتمي إلى نحو ألف سنة مضت، وهذه هي المشكلة الأساسية، فلو طوّرت «طالبان»، أو حاولت أن تُشرك معها أناساً آخرين عندهم انفتاح، وتعمق في القضايا، وإمكانية التعامل مع المجتمع الدولي، فستنتفي المشكلة العرقية بطبيعة الحال.
لكن “طالبان” أبدت في مقترحات تشكيل الحكومة القادمة استعدادها للاستفادة من الحكومة السابقة، وأن توظف المرأة، والشيعة، على عكس ما كانت في الماضي، ما رأيك؟
– هذا ما يعلنون عنه باستمرار، لكن ما يقومون به حالياً هو مرحلة ما قبل تشكيل الحكومة، فعلى سبيل المثال؛ شركة الكهرباء المسؤولة عن توفير الكهرباء لكل مناطق ومدن أفغانستان جاؤوا بمولوي رئيساً لها، والبنك المركزي الذي يحتاج إلى شخص ذي حنكة وخبرة مالية كبيرة خاصة في هذه الفترة التي هي من أخطر الفترات، جاؤوا بحاجي إدريس؛ وهو لم يدرس ولو لأسبوع واحد هذا التخصص! كان من الممكن أن يضعوا الرئيس من هذا القبيل، لكن نوابه من المفروض أن يكونوا من المتخصصين.
وكذلك وزارة التعليم العالي، قاموا بتنصيب مولوي عبدالباقي، وهو ليس لديه أدنى تجربة لإدارة الوزارة، فهم يصرحون بذلك وحتى الآن عملياً لم يحدث، وأنا لا أقول: إنهم سيستمرون في هذا، لكن تأخروا في تشكيل الحكومة، والمناصب يتم توزيعها بهذه الصورة.
وعلى سبيل المثال؛ مقرات الشرطة داخل كابل، أو هيرات، ففي كل منطقة هناك مقر للشرطة، وكل هذه المقرات بيد المفتي الفلاني، أو المولوي الفلاني، أو الشيخ الفلاني، فهؤلاء هم من يتولون مسؤولية الأمن في المناطق الداخلية، وبهذه الصورة.
صحيح أن التعامل الخبيث وغير الجيد من الدول الغربية يدفع “طالبان” لمزيد من التطرف، لأنها تريد حشرها في زاوية، وتضغط عليها، ولذلك أكرر أن الدول مثل تركيا والصين وقطر والكويت لا بد أن تتقدم وتملأ هذا الفراغ حتى لا يحدث الانهيار مرة أخرى لأفغانستان، ولا نقدم نحن في الداخل تجربة فاشلة أخرى، ولا بد من أن نقف مع هذه التجربة لتنجح، حتى لا نقدم للعالم مرة أخرى تجربة فاشلة باسم الإسلام وباسم المولوية.
الآن، أفغانستان يحدها دول الصين وتركمانستان وأوزباكستان وإيران وباكستان، والعلاقة في عام 1996م كانت متوترة مع الجميع، فما الخطوات الإجرائية التي سيتم اتباعها لترميم هذه العلاقات، مع العلم أن هناك مشكلة مع الصين، وهي وجود الإيغور على تخوم أفغانستان؟
– كل هذه الدول مصالحها متفاوتة؛ فباكستان كانت دولة مضيفة لـ”طالبان”، والحركة في الغالب كان تُحسب عليها، لكنها لا تريد أن تستفرد «طالبان» بالحكم في أفغانستان، لأن ذلك سيكون وسيلة لإثارة «طالبان باكستان» في المناطق الحدودية والقبلية وترجع إلى حالتها السابقة، وسيتزعزع الاستقرار والأمن في تلك المناطق، وفي الوقت نفسه؛ سيطالب المولوية في باكستان بحكم مماثل لـ«طالبان» في أفغانستان، والجيش والاستخبارات الباكستانية لا يقبلون بذلك بحال من الأحوال، ولذلك فباكستان تحاول أن تبقى على صلة بحركة «طالبان»، لكن مع محاولة أن تُشرك معها العرقيات الأخرى، وتكون بذلك قد حافظت على مصالحها في سد نفوذ الهند عن «طالبان»، وفي الوقت نفسه؛ ستتخلص من إثارة المشكلات لها في داخل المناطق الحدودية.
أما الصين، فتدرك أن أمريكا لها نوايا خبيثة تستهدفها، ولذلك فهي مستعدة أن تعترف بحكومة “طالبان” وغيرها، حتى لا يتم استغلال الظروف المقبلة في أفغانستان من قِبل أمريكا لزعزعة استقرارها عن طريق الإيغور، وإثارة القلاقل داخل تركستان الشرقية، ولذلك استقبلت الصين الملا عبدالغني برادر، رئيس المكتب السياسي لـ”طالبان”، حتى قبل الاستيلاء على العاصمة كابل، بصفة رسمية، واستقبله وزير الخارجية الصيني!
وروسيا تدرك كذلك هذه المشكلة، ولذلك فالسفارة الروسية بكابل تدافع عن “طالبان” كأنها الناطق الرسمي باسمها، وروسيا مستعدة أن تتعامل مع الحكومة المقبلة بناء على معرفتها أن أمريكا تحاول أن تضع فخاً لهذه الدول في المرحلة المقبلة بأفغانستان.
وإيران كذلك كانت لها علاقات جيدة مع “طالبان”، وكانت تستضيف وفوداً كثيرة منها؛ حتى بعض المجموعات المسلحة كان يتم تسليحها من قِبل إيران، وذلك ليس حباً في “طالبان”، بل كرهاً في أمريكا، والعلاقات ليست مشكلة، لكن تحتاج إلى شخص محنك يكون عنده خبرة في جمع الأمور المتضادة بسلة واحدة، ويعرف كيف يتم التعامل مع هذه المصالح المتضادة.
جيل عام 1996م من “طالبان” هرم، ومنهم من توفي، ومنهم من جلس لطلب العلم، فهل الجيل الحالي يمتلك الخبرة السياسية للتعامل مع هذه الأوضاع المعقدة؟
– حتى لو تطوّرت خبرتها، ولكن كما قلت قبل قليل، المشكلة في العقلية، ثم الكوادر أغلبهم غير متخصصين، والحالة الأفغانية الحالية تحتاج إلى متخصصين؛ في الاقتصاد يستطيعون ضبط الأمور المالية، وفي العلاقات الدولية، بحيث يكون وزير الخارجية له باع في عالم السياسة والبروتوكول وما شابه ذلك، أما هؤلاء وخصوصاً القيادات الكبيرة فهم متخرجون في المدارس الدينية، وليست لديهم هذه الخبرات، مع أنهم كسبوا خبرات جيدة، ولكن لن يتمكنوا وحدهم من تسيير أمور الدولة، وبذلك هم في حاجة لمساعدة الآخرين، وهذا من ضرورة المرحلة.
تعاني أفغانستان من مشكلة اقتصادية كبيرة، ماذا لو لم يعترف المجتمع الدولي بالحكومة الجديدة في ظل “طالبان”، فهل سنعود إلى المربع الأول؟
– نعم، فأمريكا وبعض الدول الغربية خاصة ألمانيا وفرنسا، تحاول ذلك، حيث تقوم بالضغط على الحكومة المقبلة اقتصادياً وتخنقها لتعود أفغانستان إلى المربع الأول، لإلحاق الضرر بالصين وروسيا وبعض الدول المجاورة، لكن كما قلت؛ إذا تم تشكيل محور من الدول الصديقة لأفغانستان للوقوف بجانبها، وتم ملء الفراغ الذي أحدثته أمريكا، في هذه الحالة لن يُكتب النجاح للمخطط الذي تعمل عليه الدول الغربية.
أفغانستان جزء عزيز من العالم الإسلامي وعلى منظمة التعاون الإسلامي الوقوف بجانبها بهذه الظروف الصعبة
هل تدعو منظمة التعاون الإسلامي لعقد اجتماع عاجل لمناقشة الأوضاع في أفغانستان والاعتراف بحكومة “طالبان”؟
– منظمة التعاون ممثلة لجميع العالم الإسلامي، ويجب عليها أن تناقش هذه القضية، لأن أفغانستان جزء عزيز من العالم الإسلامي، وعليها أن تقف بجانبها في هذه الظروف الصعبة، وتنصح «طالبان»؛ حتى لا تجلب المشكلات لنفسها وللبلاد، والمنظمة تستطيع أن تمارس دوراً كبيراً مثل الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى لإعادة الاستقرار إلى أفغانستان.