في ظل الحديث عن التطورات الأخيرة في أفغانستان، وما نتج عنها من تولي حركة «طالبان» سدة الحكم مرة أخرى، يثار الحديث حول الأسباب التي جعلت أفغانستان محط أنظار الغزاة على مدار التاريخ؛ وهو ما يعود لموقعها الجغرافي، بالإضافة إلى ما تتمتع به من موارد طبيعية.
في ظلال هذا الحديث، كان لـ«المجتمع» هذا الحوار مع أحد الأكاديميين الأفغان المقيمين بالكويت، وهو ذبيح الله إبلاغ، مدرس اللغة الإنجليزية المنتدب بجامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والجامعة العربية المفتوحة.
تعرضت أفغانستان للغزو أكثر من مرة من القوى العظمى، فما الأهمية الجيوسياسية التي جعلتها عرضة لذلك؟
– هذا السؤال مهم جداً، لأن أمريكا ليست البلد الوحيد الذي أقدم على احتلال أفغانستان؛ فقد سبقتها روسيا، ومن قبلهما حاول الإنجليز في 3 حروب فاشلة منذ عام 1840م، إذاً هناك 3 قوى عظمى حاولت احتلال أفغانستان وفشلت في ذلك.
الأهمية التي تتمتع بها أفغانستان متعددة، فحين أقبل الإنجليز على احتلالها، كان هناك صراع على النفوذ بين الروس والهند البريطانية، وكانت أفغانستان بلداً بين قوتين عظميين، وقت احتلال الإنجليز الهند.
كذلك في أثناء صراع المعسكر الشرقي الشيوعي (الاتحاد السوفييتي) ودول حلف “وارسو” ضد المعسكر الغربي (الولايات المتحدة الأمريكية) ودول حلف “الناتو”، وانتهى الصراع باحتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان.
وكانت كل جهة تعتقد أنها بمجرد احتلال أفغانستان سينتهي الأمر، وستتم السيطرة على مفاصل الدولة، وبالتالي السيطرة على المنطقة الاقتصادية؛ لأن أفغانستان تحدها دول مهمة جداً؛ فالصين وباكستان النووية وإيران، كل دولة من هذه الدول قوى إقليمية كبيرة من حيث المساحة وعدد السكان؛ وبالتالي فعندما يتم السيطرة على أفغانستان من قِبل إحدى الدول الكبرى، سيكون لها احتكاك مباشر بهذه الدول المحيطة بها، أضف إلى ذلك وجود الثروات الطبيعية الموجودة في باطن الأرض، مثل المعادن المختلفة، والنفط، والغاز، التي لم تمس حتى الآن.
إذاً، أفغانستان دولة غنية بالموارد الطبيعية؟
– نعم، هي دولة غنية جداً، ليس بمورد واحد فقط من نفط أو غاز أو معادن، بل غنية بكل هذا، ومن أبرز المعادن التي تحتويها الأراضي الأفغانية الليثيوم، وهو معدن قوي جداً، والنحاس، وهذه المعادن ستستخدم في المرحلة المقبلة حين تكون السيارات الإلكترونية بديلاً عن التقليدية؛ وبالتالي، ستكون لهذه المعادن أهمية أكبر من ذي قبل، خصوصاً أن أسعار معدن الليثيوم ارتفعت الآن بشكل كبير عما كانت عليه في السنوات العشر الماضية.
أمريكا ليست الوحيدة التي أقدمت على احتلالنا فهناك 3 قوى عظمى حاولت وفشلت
من خلال حديثكم عن الأهمية الجيوسياسية، هل من الممكن أن تكون لها آثار سلبية على الشعب الأفغاني؟
– نعم، ربما تكون لها آثار سلبية، وهذا ما شاهدناه خلال الأربعين عاماً الماضية؛ بمعنى أن كل القوى العظمى أرادت السيطرة على أفغانستان من أجل الاستحواذ على هذه الثروات الموجودة داخلها، ولكن في الوقت نفسه بإمكان الشعب الأفغاني أن يغيّر المعادلة ويعكس الآية ويستغل هذه النعمة ولا تكون نقمة عليه كما كانت في السابق، فإذا أراد الشعب نفسه أن يكون له دور في الاستفادة من ثروته استفادة كبرى، فسوف يتحقق ذلك، إن شاء الله تعالى.
الدول الإسلامية التي كانت تحت عباءة الاتحاد السوفييتي السابق، لديها ارتباط وثيق بروسيا، والصين دولة شيوعية، وإيران لديها طموحات توسعية، هذه المعادلة المعقدة كيف يتعايش معها الأفغان؟
– دول آسيا الوسطى تحد أفغانستان من الشمال، وهي ليست حدوداً صغيرة؛ فعلى سبيل المثال، لدينا حدود مع طاجيكستان يبلغ طولها 1350 كم، وتركمانستان 800 كم، وباكستان 150 كم، وإيران 950 كم، أما الصين فهي أقلهم، وأطول حدود لنا مع أوزبكستان التي تبلغ 2600 كم.
وهذه الحدود الطويلة جعلت أفغانستان مرتبطة بدول آسيا الوسطى التي هي أصلاً جزء من موروث الاتحاد السوفييتي السابق، وجزء من الكومونولث الروسي، وبالتالي نحن على حدود روسيا بطريق غير مباشر، فأي تهديد لإحدى هذه الدول ستعتبره روسيا تهديداً مباشراً لها، وروسيا لن تسمح لأي أحد بتهديد أراضيها.
لذلك كل دولة من هذه الدول (روسيا وإيران والصين) لها أجندتها الخاصة في أفغانستان، وهي تختلف في أسلوب الحكم عن أفغانستان تماماً؛ فإيران شيعية، والصين شيوعية، وروسيا خرجت من الشيوعية ولم تدخل في الديمقراطية، وبالتالي فلكي تحافظ أفغانستان على كل هذه التوازنات عليها عبء كبير، وأياً كان نظام الحكم المقبل فعليه أن يأخذ في عين الاعتبار هذه الحساسيات لكي يعيش في سلام، حتى لا يكون ضحية الصراعات الدولية، كما حدث في السابق.
«طالبان» طمأنت الصين بأن أفغانستان لن تكون منطلقاً لأعمال عسكرية ضد أي دولة مجاورة
وأعتقد أن حركة «طالبان» مهدت لهذا الأمر بإعطاء تطمينات، وقامت بزيارات لكل هذه الدول، وحسب علمي؛ فإن «طالبان» لم توجّه وفداً لزيارة الهند، لأنها كانت تقف بقوة مع حكومة أشرف غني، على حين أن وفودها زارت كلاً من تركمانستان وإيران وأوزبكستان وباكستان التي كانت حاضنة لـ”طالبان” منذ البداية؛ وبالتالي هناك تغير في نظرة «طالبان» أو الإمارة الإسلامية إلى الأمور عن المرة الأولى، حينما تولت سدة الحكم في التسعينيات، حيث كانت حينها بمعزل عن دول الجوار.
أفغانستان دولة حبيسة، فهل سيكون لها تعاون مع دول لها موانئ مثل الصين وباكستان وإيران، والدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي؟
– أفغانستان تعاني من مشكلات اقتصادية عديدة مثلها مثل الكثير من دول آسيا، بعد أن خرجت من عباءة الاتحاد السوفييتي، والدول الحبيسة تعتمد في اقتصادها على الدول المجاورة بشكل عام؛ فنحن في أفغانستان كنا نعتمد على ميناء كراتشي في باكستان في الاستيراد والتصدير، ولك أن تتخيل علاقتك بدولة كباكستان؛ علاقة على طول التاريخ يشوبها عدم الاستقرار، ولا توجد صداقة دائمة بيننا، خصوصاً أنه توجد مشكلات حدودية وجغرافية؛ حيث تعتقد باكستان أن جزءاً كبيراً من منطقة بيشاور وما حولها والمناطق التي تسكنها أغلبية تابعة لها.
وبالتالي، في ظل هذه المشكلات، وعدم اعتراف أفغانستان بدولة باكستان حينما أعلنت استقلالها عن الهند، كل هذه الأمور كانت سبباً في حدوث نوع من الفتور في العلاقات بين البلدين، وانعكس ذلك على الاقتصاد.
فحينما كنا نستورد ما يتعلق بالبنية التحتية لأفغانستان عن طريق البحر، من خلال ميناء كراتشي الباكستاني، كانت وسائل المواصلات (القطار) تتأخر لعدة أشهر في كراتشي، وأحياناً تتأخر الشحنات لعدة سنوات، على حسب مزاج الحكومة الباكستانية، لذا فنحن في أفغانستان نعاني من هذه المشكلة الشائكة.
ورغم المساوئ الكبيرة التي كانت موجودة في الحكومة السابقة، عمل غني ومن قبله كرازاي على فتح ممرات اقتصادية بين أفغانستان وعدد من الدول من بينها إيران للاستيراد والتصدير، حتى يقل الاعتماد على باكستان؛ فعلى سبيل المثال، تم إنشاء ميناء كوادر، وهو موجود في منطقة بلوشستان، وميناء آخر في إيران، وفتح مجالات وممرات أخرى للتخفيف على أفغانستان مما تعانيه من ضائقة اقتصادية كبيرة.
وأحب أن أنوّه إلى أنه إن لم تحسم القضايا الجوهرية بين كل من أفغانستان والدول المجاورة المحيطة بها، فسوف يعود ذلك بالضرر الاقتصادي على أفغانستان.
بالنسبة لعلاقة أفغانستان بالصين، في ظل وجود مشكلة الإيغور، وأيضاً طريق الحرير التاريخي، كيف سيكون التعاون بينهما؟
– كان لحركة «طالبان» والصين لقاءات وحوارات ونقاشات في قطر، مباشرة وغير مباشرة، و«طالبان» طمأنت الصين وغيرها بأن أفغانستان لن تكون منطلَقاً لأعمال عسكرية ضد أي دولة مجاورة، أو غير مجاورة، ليس لأنها لا توافق هذه الحركات ما تهدف إليه من حرية واستقلال، ولكن أولوية الحركة في هذه الآونة هي أفغانستان التي عاشت نحو 40 عاماً في حروب متواصلة؛ لذلك فليس من أولويات الحركة الآن إثارة المشكلات مع الجيران أو غيرهم.
وبالتالي، فالصين مطمئنة جداً من هذه الناحية، ونرى ذلك من خلال تصريحاتها الأخيرة، وتم ترجمة ذلك عملياً بعدم إغلاق السفارة الصينية في كابل، وهذا يدل على أن الصين تلقت تطمينات من حركة «طالبان» بأنها لن تتدخل في شؤون الصين الداخلية، ولن يكون هناك تعاون مع أبناء تركستان الشرقية.
ففي الفترة الماضية، كانت أفغانستان من أكبر شركاء الصين اقتصادياً، كما أن الصين من أكبر الدول استثماراً داخل أفغانستان، حتى في وجود الأمريكيين، وهناك مشروعات اقتصادية كبيرة وإستراتيجية تصب في صالح الصين وبالطبع أفغانستان.
كما أن أفغانستان تعتبر حلقة وصل رئيسة بين جمهوريات آسيا الوسطى وبلاد ما وراء النهر، والممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، أما الممر الصيني الاقتصادي الأفغاني فهو مختصر وقصير بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا، والصين والشرق الأوسط أيضاً، ويمكن أن يكون بمثابة بوابة لبحر العرب.
فالصين تريد أن تعمّق شراكتها الاقتصادية مع كل من باكستان وأفغانستان، من أجل إنشاء هذا الطريق الجديد، طريق الاتجاه الواحد، لربط القوقاز بغرب الصين.
خلال العقدين القادمين، هل سنشاهد ازدهاراً اقتصادياً في هذه المنطقة من العالم برأيك؟
– هذا ما نرى بوادره، خصوصاً عندما تدخل الصين بثقلها الاقتصادي والتقني في هذه المنطقة، بالطبع ستكون هناك طفرة اقتصادية كبيرة تستفيد منها كل دول المنطقة.
هل التنظيمات المسلحة، مثل “داعش”، أو “القاعدة”، سيكون لها مكان آمن بأفغانستان؟
– الجغرافيا وحدها لا تكفي لتوفير بيئة آمنة، بل يدعمها تلاقي المصالح، وأنا أستبعد ذلك؛ لأنه ليس هناك تلاق أو انسجام بين «طالبان» وتنظيم «الدولة»، كما أن التنظيم ليس له حاضنة شعبية كبيرة بأفغانستان؛ فالناس ملَّت من الحروب المتواصلة التي استمرت أكثر من 40 عاماً، وفي حاجة إلى الاستقرار وإعادة بناء الدولة التي تم تدمير بنيتها التحتية طوال هذه الفترة.
الشعب الأفغاني يريد الطعام، والدواء، والماء النظيف، والتعليم، والأمن والاستقرار، ونتمنى أن يكون ذلك قريباً إن شاء الله تعالى.
نشكر الكويت التي طالما قدمت المساعدات السخية في كل المراحل
دعوة للشعب الأفغاني.
– أدعو الشعب الأفغاني المسلم، كما أدعو الحكام الجدد، أن يبتعدوا عن ضيق الأفق، وينظروا إلى المصالح العليا للبلاد، مع البُعد عن التشدد والتعصب، لأن جميع الشعب الأفغاني يريد أن يكون تحت عباءة الإسلام ومظلته.
كلمة أخيرة.
– نشكر دولة الكويت التي طالما قدمت المساعدات السخية لأفغانستان في كل المراحل، سواء في عهد الملكية، أو مرحلة الجهاد ضد الاحتلال السوفييتي، فقدمت المساعدات المادية والمعنوية للشعب الأفغاني وللمجاهدين، وما زال العطاء يتتابع من بلد الإنسانية، ولا ننسى ما يقوم به الهلال الأحمر الكويتي قديماً وحديثاً، حيث دائماً نراهم في مقدمة الركب في الملمات؛ فنشكر الكويت؛ أميراً وحكومة وشعباً، على هذا العطاء المتواصل، ليس فقط للشعب الأفغاني، بل لجميع المسلمين في شتى أنحاء العالم.