لا تحتاج نتائج الانتخابات البرلمانية المغربية إلى تحليل عميق لفهم مغزى هزيمة الحزب الإسلامي “العدالة التنمية”، لكنها تحتاج لفهم أعمق لدلالاتها التي تعني أن الإسلاميين يقبلون بتداول السلطة، وأنهم لا يأخذون السلم (الذي يصعدون به) معهم، كما تدعي الأنظمة الديكتاتورية لتبرر انقلابها على صناديق الانتخابات.
فالخسارة الكبيرة لحزب “العدالة والتنمية” المغربي الإسلامي -المقرب من فكر الإخوان المسلمين- في الانتخابات البرلمانية كانت متوقعة؛ بسبب توريط الملك له كحزب حاكم في التطبيع مع الدولة الصهيونية والمشاكل الاقتصادية وكورونا؛ كما أن الحزب (الإسلامي) لم ينسحب من الحكومة دفاعا عن اللغة العربية، يوم أعيد استخدام الفرنسية لغة تدريس للمواد العلمية في مناهج التعليم، أو يوم انخرط المغرب بقرار إجباري من الملك في تيار التطبيع، وانفصل عن قواعده قبل الشعب؛ فعوقب بالخسارة الكبيرة.
لقد خسر الحزب 113 مقعدا من مقاعده السابقة في البرلمان التي كانت 125 مقعدا، وفاز بـ12 مقعدا فقط من 395 ليحل في المركز الثامن بين الفائزين بعدما كان في المركز الأول، وفازت الأحزاب الليبرالية القريبة من القصر الملكي بالمراكز المتقدمة.
ملك المغرب استعمل حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي في التطبيع مع “إسرائيل”، كما أن مواقف الحزب الذي يتولى رئاسة الحكومة كانت مائعة في قضايا حيوية
وحتى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني -وهو الأمين العام لحزب العدالة والتنمية- فقد مقعده البرلماني في الرباط، وفشل في الاحتفاظ به؛ ما يشير لعقاب جماعي له من قواعده ومن الشعب المغربي.
“عراب التطبيع”
القصة باختصار أن ملك المغرب استعمل حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي في التطبيع مع “إسرائيل”، كما أن مواقف الحزب الذي يتولى رئاسة الحكومة كانت مائعة في قضايا حيوية مثل التطبيع واستخدام اللغة الفرنسية في التعليم بما يضيع الهوية؛ فخسر في النهاية.
صحيح أن السلطة استهدفت الحزب بتعديل قوانين الانتخابات، وبعض التلاعب المعتاد في النتائج وعمليات التصويت وغيرها، وصحيح أن القرار قرار الملك بالتطبيع لا الحزب الإسلامي، لكن كل الدلائل كانت تشير لانصراف حقيقي عن الحزب بعدما قبل بدور “عراب التطبيع” وتنازل عن قيم قاعدته الشعبية فاستحق العقاب.
ربما لهذا طالب عضو الأمانة العامة للحزب عبد الإله بنكيران، رئيس الحزب والحكومة سعد الدين العثماني بالاستقالة بعد الهزيمة الكبيرة في الانتخابات البرلمانية. وحمل بنكيران، في بيان نشره عبر صفحته على فيسبوك مسؤولية خسارة الحزب في الانتخابات للعثماني، قائلا: “لا يليق بحزبنا في هذه الظروف الصعبة إلا أن يتحمل السيد الأمين العام مسؤوليته، ويقدم استقالته من رئاسة الحزب والتي سيكون نائبه ملزما بتحملها”.
وبحسب النتائج المعلنة، فقد تصدر حزب “التجمع الوطني للأحرار (ليبرالي مشارك في الائتلاف الحكومي) الانتخابات التشريعية بحصوله على 97 مقعدًا، ثم احتل حزب “الأصالة والمعاصرة المرتبة الثانية بـ82 مقعداً، تبعه حزب الاستقلال (معارض) بـ 78 مقعداً، والاتحاد الاشتراكي (يساري مشارك بالائتلاف الحكومي المنتهية ولايته) بـ 35 مقعداً. فيما احتل حزب الحركة الشعبية (مشارك بالائتلاف الحكومي المنتهية ولايته)، المرتبة الخامسة بـ 26 مقعداً، ثم حزب التقدم والاشتراكية (معارض) بـ 20 مقعداً، وحزب الاتحاد الدستوري (مشارك بالائتلاف الحكومي المنتهية ولايته) بـ 18 مقعداً.
واحتل حزب العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي المنتهي ولايته) المرتبة 8 مقتصراً على 12 مقعداً، بالإضافة إلى 12 مقعداً موزعة على 12 حزباً آخر.
وكان حزب العدالة والتنمية الإسلامي قد تصدر نتائج الانتخابات في عامي 2011 و2016، وأدار الحكومة المغربية على مدار 10 أعوام. وقد راهن حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي على تصدرها للاستمرار في رئاسة الحكومة التي يقودها منذ عشرة أعوام، ونافسه خصوصاً حزب “التجمع الوطني للأحرار” بقيادة رجل الأعمال عزيز أخنوش، وحزب الأصالة والمعاصرة أكبر حزب معارض في البرلمان ويقوده المحامي عبد اللطيف وهبي.
وكان الحزب الإسلامي المعتدل وصل إلى رئاسة حكومة ائتلافية في المغرب في أعقاب احتجاجات حركة 20 فبراير 2011 المطالبة “بإسقاط الفساد والاستبداد”، ويعد المغرب البلد الوحيد في المنطقة الذي استمر فيه وجود الإسلاميين في السلطة عشرة أعوام بعد الربيع العربي.
مكاسب الانتخابات
مع هذا لم تخلُ الانتخابات من مكاسب عامة، وقد كان المكسب الأهم فيها أنها أثبتت أن الإسلاميين لم يأخذوا معهم السلم فوق كما تدعي بعض الأنظمة القمعية لتبرير انقلابها، وكما يدعي ليبراليون ويساريون لتبرير فشلهم الانتخابي، وأنه يمكن التغيير وإسقاط أي حزب بالانتخابات فقط وليس بالانقلابات أو التزوير.
بعبارة أخرى: أكدت نتائج الانتخابات التشريعية المغربية أن فوز الإسلاميين في كل انتخابات ليس حتميا، وأن الشعب الذي أوصلهم إلى المرتبة الأولى في البرلمان عام 2016 بـ125 مقعدا هو الذي عاقبهم وأنزلهم إلى 12 مقعدا فقط حين تغير مزاجه الانتخابي. وأنه يجب أن تحترم قواعد اللعبة الديمقراطية في العالم العربي، لا أن ينقلب الجيش على رئيس منتخب كما في حالة مصر، أو يتخذ رئيس منتخب قرارات شخصية تتناقض مع الدستور، ويجمد عمل البرلمان، ويحتكر الحالة السياسية، كما حصل في تونس؛ فهذا درس بليغ من المغرب.
وقد أشارت لهذا صحيفة نيويورك تايمز 9 سبتمبر 2021 في تقرير عن الخسائر الكبيرة التي تكبدها الإسلاميون في الانتخابات المغربية، ووصفتها بأنها آخر الهزائم للإسلاميين في المنطقة، وأن نتائج الانتخابات تعطي إشارة واحدة، وهي تقلُّص المساحة المتوفرة للإسلاميين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأكد التقرير أن خسائر الإسلاميين كانت واسعة بدرجة تفقدهم السيطرة على البرلمان، وكان الفائز فيها هو حزب التجمع الوطني وحزب الاستقلال، وكلاهما مرتبط بالقصر.
لم تخلُ الانتخابات من مكاسب عامة، وقد كان المكسب الأهم فيها أنها أثبتت أن الإسلاميين لم يأخذوا معهم السلم فوق كما تدعي بعض الأنظمة القمعية لتبرير انقلابها
وقالت الصحيفة إن تغيير الحرس لن يؤدي بالضرورة إلى تغيير في البلد؛ حيث يتحكم القصر بالقرارات الأساسية.
فرغم أن نظام الحكم في المغرب ملكي دستوري، إلا أن البرلمان لا سلطة لديه لكي يتجاوز الملك، بحسب ما تقول سلوى زرهوني، أستاذة العلوم السياسية بالرباط التي أوضحت: “سيواصل القصر السيطرة على الأحزاب السياسية، وإضعاف سلطة الحكومة والبرلمان، ويضع نفسه كقوة سياسية وحيدة وفعالة” في البلاد.
فبعد ثورات الربيع العربي عام 2011، وفوز عدد من الأحزاب الإسلامية في الانتخابات، تحول التيار بشكل تدريجي ضد الإسلاميين؛ ففي عام 2013 أطاح الجيش المصري بالرئيس المنتخب محمد مرسي من جماعة الإخوان المسلمين، ما فتح الطريق لعودة الديكتاتورية.
وهذا العام، قام الرئيس التونسي قيس سعيد بتعليق البرلمان الذي كان يسيطر عليه حزب إسلامي معتدل، فيما وصفه كثيرون بانقلاب.
وفي المغرب لم يحقق المعتدلون الإسلاميون الكثير من وعودهم الانتخابية؛ حيث تحكمت أحزاب أخرى بمناصب مهمة مثل الخارجية والصناعة، وفرض عليهم الملك قرار تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” العام الماضي، واكتفوا بأن عارضوه بمرارة.