نورهان محمودي
يجب ألا يُنظر إلى الإسلاموفوبيا في بروكسل على الإطلاق على أنه مشكلة نظرية أو مجرد مشكلة أيديولوجية، بالنظر إلى الكيفية التي يمكن بها تغيير وتدمير حياة الأشخاص الذين تؤثر عليهم بشكل أساسي.
فكر فقط في أشخاص مثل مروة الشربيني(*)، بعد 12 عامًا من مقتلها على يد قومي أبيض في شوارع دريسدن، استُهدفت فقط لأنها مسلمة.
وقد شهدنا العام الماضي الإرهابي اليميني المتطرف برينتون تارانت الذي حُكم عليه بتهمة الهجوم المروع والشرير الذي قتل فيه 51 مسلمًا (في نيوزيلندا) بدم بارد، رجال ونساء وأطفال عزل خلال أضعف لحظاتهم؛ خلال الصلاة.
وقبل أشهر من صدور الحكم، رأينا هجومًا آخر في هاناو، عندما غادر مسلح منزله بحثًا عن مهاجرين ليقتلهم. وقد أدى هذا للأسف إلى إثبات مرة أخرى أن الكراهية ضد المسلمين لا تزال تشكل ظاهرة مقلقة تؤثر سلبًا على حياة المسلمين، مثلي، في أوروبا، حيث تعتبر الإساءة عنصرًا مخيفًا ولكنه متوقع في تجربتنا اليومية.
وفي غضون 18 شهرًا، شهدنا هجومين كبيرين على مجتمعات مسلمة، كلٌّ منهما بدافع من المشاعر المعادية للمسلمين والمناهضة للمهاجرين، ومع ذلك، فبالنسبة للكثيرين منا، لا يزال علينا إقناع من هم في السلطة بأن الإسلاموفوبيا موجودة بالفعل.
على المؤسسات الأوروبية والحكومات الوطنية أن تبدأ في اتخاذ تدابير أقوى لمكافحة تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، التي تهدد قيمنا الأوروبية وتعرضها للخطر. لنكن واضحين – الخوف من الإسلام يقسم ويهمش مجتمعاتنا، ويهدد ديمقراطياتنا.
التعريف الشائع للإسلاموفوبيا هو العنصرية ضد المسلمين والترويج لصورة سلبية معممة لهم في سياقات الحياة المختلفة. ويهدف خطاب الإسلاموفوبيا إلى تجريد المسلمين من إنسانيتهم من خلال تصوير الإسلام على أنه دين غريب عن الثقافة الوطنية (الأوروبية) بالرغم من أن الحقيقة هي أن الحضارة التي أتى بها الإسلام هي جزء لا يتجزأ من التجربة الأوروبية التاريخية، حيث ساهمت بنشاط في تطوير الثقافة الأوروبية.
ولأجل معالجة الإسلاموفوبيا على أساس جاد، من الضروري أولاً الاعتراف بوجودها ومن ثم الاعتراف بعواقبها الخطيرة. والحقيقة هي أن جرائم الإسلاموفوبيا لم يتم تسجيلها بعد كفئة منفصلة من الجرائم في أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي. وهذا وحده يشكل عقبة كبيرة أمام أي جهد فعال لتطوير استراتيجية مصممة لمواجهة انتشار الكراهية ضد المسلمين التي نجدها اليوم في منطقتنا (أوروبا).
وقد أصبحت لغة ومصطلحات الخطاب السياسي أكثر خطورة من أي وقت مضى. فخطاب الإسلاموفوبيا الآن أمر طبيعي من قبل العديد من الذين في السلطة. وأصبح من الشائع بالنسبة للأحزاب خلال موسم الانتخابات ربط مشاكل أوروبا فقط بالهجرة ووجود المسلمين على الأراضي الأوروبية. وعلى مدى العقد الماضي، شهدنا انتعاشًا ملحوظًا في الحركات اليمينية المتطرفة التي وحدت قواها لبناء نوع من التحالف عبر القارات، بشكل متناقض معادٍ لأوروبا ومعادٍ للنظام، وهذا التحالف يبذر ويغذي ويستغل المشاعر المعادية للمسلمين بين السكان الساخطين الذين يبحثون عن إجابات حول شعورهم بالحرمان.
ويعتبر وصم المسلمين بالصفات الذميمة في وسائل الإعلام والخطاب العام والسياسي، من خلال القوانين التشريعية والمؤسسات التعليمية، جزءًا نشطًا من الإسلاموفوبيا. وبينما يجب أن تكون الأقلية الدينية قادرة على العيش بسلام في أوروبا، يتم استهداف المجتمعات المسلمة بشكل يومي.
وتسمع شبكتنا في منتدى الشباب المسلم الأوروبي والمنظمات الطلابية بانتظام عن تعرض الطلاب والطالبات للتهديد بطرق رسمية وغير رسمية لارتدائهن الحجاب أو للصلاة في المدرسة أو الجامعة؛ أو لمجرد كونهم من الشباب المسلمين النشطين الذين يحاولون عيش حياتهم بحرية مع تقديم مساهمة إيجابية للمجتمع.
المسلمات، مثلي، هن أكبر الضحايا عندما يتعلق الأمر بمظهر الإسلاموفوبيا، وهذا بسبب الطبيعة المرئية لممارستنا. وتتجلى الإسلاموفوبيا القائمة على النوع الاجتماعي في عدة طرق، بدءًا من الهيكلية، حيث تنفذ المؤسسات بنشاط السياسات التي تستبعدنا (النساء المسلمات) بشكل مباشر من الحياة العامة، إلى المادية، حيث توجد أمثلة لا حصر لها تُظهر التقاطع بين العنف ضد المرأة والعنصرية القائمة على الدين.
لذلك، فبمناسبة يوم العمل الأوروبي ضد الإسلاموفوبيا، من الضروري أن تعترف المؤسسات والقادة الأوروبيون على حد سواء بوجود المشكلة والبدء في بناء إستراتيجية مناسبة تهدف إلى إنهاء جميع أشكال الإسلاموفوبيا المختلفة بشكل نهائي، والتأكيد على أمن المجتمع المسلم.
التحديات المقبلة عديدة، ولكن في عصر مناهضة أوروبا ومناهضة المؤسسات وانتعاش الشوفينية، يجب أن نختار الثقة في المجتمع المدني والإيمان به، وبمؤسساتنا، وبقدرتها على حماية الضعفاء وضمان المساواة في الحقوق لكل مقيم.
________________________
المصدر: “بروسلز مورننج”
(*) قتلت على يد متطرف ألماني في حادثة إرهابية وقعت في عام 2009 بمدينة دريسدن الألمانية، يُدعى أليكس دبليو فينز يبلغ من العمر 28 عامًا داخل محكمة في مدينة دريسدن بطعن الصيدلانية المصرية التي كانت تبلغ من العمر 32 عامًا 18 طعنة في 3 دقائق، وبعدها فارقت الحياة.