الإخوان المسلمون أكثر الناس بُعداً عن التكفير، وابتعاداً عن شروره، ويرفضون التوسع فيه، من منطلق الوسطية التي يتبنونها منهج عمل، ودستور فكر، كما هم رد لكل قواعد الغلو بكل أشكاله وألوانه، وروائحه وطعومه، وإن مناهجهم تؤكد هذا المعنى، وتحذر منه أيما تحذير، كل ذلك التزاماً بمنهاج النبوة، ومجافاة لطريقة الخوارج، الجفاة القساة، الشاردين عن طريق السلامة، الذين كفّروا المسلمين، واستباحوا دماء المصلين، وحاربوا المؤمنين.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلاً بِالْفُسُوقِ وَلَا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ” (أخرجه البخاري: كتاب الأدب (44) باب ما ينهى عن السباب واللعان، رقم (6045)، ومسلم)، وفي رواية عند مسلم: “من دعا رجلاً بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه”، وفي حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما”، وعند مسلم: “إن كان كما قال وإلا رجعت عليه” (أخرجه البخاري: كتاب الأدب (73) باب من أكفر أخاه بغير تأويل، رقم (6104)، ومسلم).
ذلك لأن تكفير المسلم شأنه خطر، وعواقبه وخيمة، وكوارثه لا تعد ولا تحصى، ونتائجه مصائبية، وترتب عليه أشياء تؤثر على الفرد والأسرة والمجتمع، بل تؤثر على كل مفاصل الحياة، فالأمر جد كله، ولا يعرف الهزل، وحرمة المسلم وحقن دمه تتنافى مع همجية التفكير الخارجي.
لذلك، فإن العلماء المحققين الربانيين وضعوا قواعد لهذا، وضبطوه بضوابط غاية في الدقة.
يقول الإمام الغزالي في كتابه “الاقتصاد في الاعتقاد” (ص 143): “إنه لا يسارع إلى التكفير إلا الجهلة، وينبغي الاحتراز من التكفير ما وجد الإنسان إلى ذلك سبيلاً، فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة، والمصرحين بقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ خطأ”.
والإخوان حركة تسعى إلى الإصلاح، وتدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتعمل على بناء الحياة على قيم الرشد؛ فرداً وأسرة ومجتمعاً ودولة، تحب المسلمين على اختلاف مشاربهم، وتنوع مدارسهم، وتعدد اجتهاداتهم، بل تتطلع لكل صنوف التعاون معهم على قاعدة “نعمل على ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه”، فكيف تنهج نهجاً مغايراً لهذا المعنى الكبير والأصيل؟
يقول الإمام حسن البنا، رحمه الله، في الأصل العشرين من أصوله المعروفة: “ولا نكفّر مسلماً أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض -برأي أو بمعصية- إلا إن أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملاً لا يحتمل تأويلاً غير الكفر”.
وكان د. السباعي، رحمه الله، ومعه إخوانه في هذه المدرسة العريقة، قد ضربوا أروع الأمثلة، التي تعبر عن حقيقة حب العلماء والإسلاميين والدعاة والصالحين، والرفق بعامة المسلمين، فكانوا قدوة في هذا الباب، وينبغي أن يكون خلاف الرأي لا يفسد للود قضية، فضلاً عن تكفيرهم والخوض في نواياهم.
واعلموا بأن عدم الخوض في تكفير المسلمين من أعظم مناهج الألفة بينهم، ومن أبرز أسباب بناء العلاقات الأخوية، وهي قاعدة الفتح في عالم التواصل مع المسلمين الذين يختلفون معك في الاجتهاد، وبهذا يبنى جسم الأمة على أساس متين من مفردات فهم فقه الإخاء الإسلامي.
نحن اليوم بحاجة إلى رص الصف الإسلامي، بكل مقاوماته، حتى نواجه التحديات التي تتربص بالأمة ودينها وهويتها، وحتى نتجاوز مخاطر التهديد التي تحيط بنا من كل جانب، وعلى كل الصُّعد.
وبالمقابل، علينا أن نبتعد عن كل ما يعكر صفو هذه الأخوة وما يفسدها، ومما لا شك فيه أن التكفير المنفلت من أعظم الشرور التي تمزق الصف المسلم، لذا كان الإخوان من أكثر الناس بُعداً عن هذا الداء الخطير، ونبذاً لمتاهاته، تحقيقاً للمنهج الذي ذكرنا أساسه في ثنايا هذه المقالة.