في خطوة مفاجئة قبل شهور أعلن العاهل الأردن عن وضع الإصلاح السياسي على رأس سلم أولويات القصر الملكي وشكل لجنة بقيادة رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي لتحديث المنظومة االسياسية، لجنة تم التشكيك في جدية عملها من النخب والقواعد الشعبية، وتم التحريض عليها ومحاولة إفشالها من الدولة العميقة وأجنحة الدولة التي ترفض الإصلاح السياسي، فشهدنا هجوماً على اللجنة واغتيال سمعة وتشويه بعض أعضاء اللجنة للانتقاص من اللجنة، قبل أن يتدخل العاهل الأردني بعد عودته من زيارة البيت الأبيض ويجدد الثقة في اللجنة ورئيسها ويدعمها في مواجهة كل من حاول التحريض أو الهجوم عليها لتستمر في إتمام اعمالها المكلفة بها.
رغم الهدوء الذي يسود الشارع الأردني، ورغم الظرف الداخلي الذي يسمح للنظام تقزيم كل القوى المعارضة له بهدوء بدون أن يكسر عظماً أو يجرح لحماً او يفتح باب للسجون، ورغم الارتياح الخارجي الذي يشعر به النظام الأردني بقدوم بايدن الصديق الشخصي للعائلة المالكة في الأردن منذ عقود، والذي أعاد للأردن مكانته الجيو استراتيجية وأعاد ملف القضية الفلسطينية ليمر عبر البوابة الأردنية، وإنهاء تداعيات مشروع صفقة القرن الذي وقف بوجهه الأردن، ورغم كل الظروف الداخلية والخارجية التي تدعم موقف النظام الأردني بإبقاء الحالة السياسية على ما هي عليه، إلا أنه ذهب الى الإصلاح السياسي الذي يتم الحديث عنه.
تفاؤل حذر من اللجنة الملكية في ظل وجود سخط شعبي مكتوم على مواقع التواصل
تفاؤل حذر
بعض النخب تبدي تفاؤلاً حذراً في ظل وجود سخط شعبي مكتوم يظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا ينعكس على حركة الشارع هذا التفاؤل يقوم على عدة أمور ملموسة على أرض الواقع: –
- – مخرجات اللجنة الملكية والتي رسمت خارطة طريق متدرجة وواضحة منصوص عليها في القانون المقترح بشكل واضح لا لبس فيه، بحيث يصل الأردن إلى الحكومة البرلمانية في غضون 12 سنة على اعتبار أن البرلمان الحالي سيكمل دورته الدستورية، هذه الخارطة التي تسلمها الملك وطلب من الحكومة إرسالها لمجلس النواب والتي تعهد الملك شخصياً بضمان تطبيق نتائجها بعد مرورها بالقنوات الدستورية والتشريعية.
– خارطة طريق تقوم على تحويل قانون الانتخاب البرلماني في الأردن إلى النظام المختلط، ومنح الأحزاب حصة 30% من مقاعد مجلس النواب في انتخابات عام 2024م بواقع 41 مقعداً، ورفع هذه الحصة الى 50% من مقاعد مجلس النواب في انتخابات 2028 لتصل الى 70 مقعداً، على أن ترتفع هذه الحصة إلى 65% من مقاعد مجلس النواب بحد ادني لتصل إلى 90 مقعداً من أصل 138 مقعداً في انتخابات 2032م.
– هذه التعديلات تعني أن الأحزاب تستطيع أن تتحالف لتشكيل حكومة برلمانية في عام 2028م، أو أن تكون شريكة مؤثرة في تلك الحكومة، وأن الأحزاب سيكون لها اليد الطويلة في تشكيل الحكومة في عام 2032م، وأن الفرز العشائري الجهوي سوف يضمر لصالح الفرز السياسي الوطني البرامجي.
- – في الأسابيع الأخيرة، ساد التفاؤل لدى بعض النخب من خلال إعلان العاهل الأردني عن توجيه الحكومة التحضير لعفو خاص عن كل من حكم عليه بجريمة إطالة اللسان بحق الملك والملكة وولي العهد، وفقاً لنص المادة 195 من قانون العقوبات.
- – في اليوم التالي كان هناك توجيه من رئيس الحكومة لوزير التربية والتعليم بإعادة النظر في قرارات إحالة المعلمين على الاستيداع، والتي جرت تلك قرارات بالجملة بعد الصدام بين نقابة المعلمين وحكومة الرزاز السابقة.
- – في ذات السياق كانت محكمة أمن الدولة تبث وقائع جلسات النطق بالحكم في أكبر قضية فساد في الأردن وتهرب جمركي وتقديم رشوة واستثمار وظيفة قضية، تقدر خسائر الأردن منها بنصف مليار دينار على مدار سنوات، اذ حكم على المتهم الأولى بـ 20 سنة حبس مع الغرامات المالية وحكم على باقي المتهمين بأحكام وغرامات مختلفة.
- – عودة أحد اهم وجوه المعارضة الخارجية، والذي عاد كما يبدو بترتيب مع الأجهزة الأمنية والنظام ليصدر قرار بإسقاط الاحكام عنه إلى الحد الأدنى واستبدالها بغرامة، وتسريب معلومات عن أن هناك توجه رسمي لإغلاق ملف المعارضة الخارجية التي بدأت تشكل صداع للنظام الرسمي الأردني في الخارج.
- – سبق كل ذلك توجيه الملك رسالة إلى دائرة المخابرات بالالتزام بالمهام التي أنشأت من أجلها، الدائرة التي يتهمها السياسيون بأنها هي من تتحكم في المشهد السياسي وترسم معالمه، وأن أي عمل سياسي يجب أن يمر من خلال دائرة المخابرات.
-
النخب المشككة ترى أنه لا جدية في الإصلاح والتحول نحو الحكومة البرلمانية
تشكيك في جدية الإصلاح السياسي
النخب التي تشككك في الجدية العملية الإصلاحية تستند على مجموعة من المواقف والمبررات، التي ترى أنه لا جدية في الإصلاح والتحول نحو الحكومة البرلمانية، وأن المسألة مسألة شراء وقت وهروب للأمام مدللين على مواقفهم بعدة أمور: –
- – خطة الإصلاح طويلة نسبياً وتتعامل مع الشعب وكأنه شعب أمي سياسياً لا يستطيع أن يقرر بنفسه، وأنه يحتاج إلى عقد من الزمان حتى يتأهل لانتخاب من يحكمه، مذكرين أن الشعب الأردني مارس الانتخابات في خمسينيات القرن الماضي وشكل اول حكومة برلمانية، وان التجارب هي التي تنضج الشعوب وان الصناديق تصحح نفسها وتحسن مخرجاتها في كل دورة انتخابية وان الجدول الزمني الطويل ليس أكثر من محاولة هروب للأمام.
- – إن البرلمان المنشود في عام 2032م سيكون برلماناً معلقاً، ولن يستطيع أي حزب بموجب هذا القانون تشكيل حكومة حزبية بمفرده، وسيعاني الأردن من البرلمانات المعلقة والحكومات الائتلافية التي تعجز من خلال تجارب الأنظمة البرلمانية عن الارتقاء بالدول وقيادة نهضتها، وان العتبة المقدمة من اللجنة الانتخابية 2% وصفة لإفشال نمط الحكومة البرلمانية لا دعمه.
- – ان مخرجات اللجنة الملكية جاءت خالية من حماية وتحصين مجلس النواب من الحل اذ أبقت اللجنة النص الدستوري في المادة 34 على حاله والذي يعطي للملك السلطة المطلقة في حل البرلمان.
- – إن مخرجات اللجنة جاءت خالية من أي تعديل على نص المادة 36 من الدستور، بحيث يكون على الملك تكليف رئيس الحزب الأكبر أو التحالف الأكبر داخل المجلس بتشكيل الحكومة وبقيت المادة بدون تعديل والتي أعطت للملك السلطة المطلقة في تكليف رئيس حكومة وتعيين الوزراء واقالتهم وقبول استقالتهم دون اشتراط أن يكون هذا الاخيار من التحالف الأكبر داخل المجلس.
- – وجود قانون الجرائم الإلكترونية الذي غلظ عقوبات الذم والقدح والتحقير في قانون العقوبات، ويتم استخدامه استخداما سياسيا في مواجهة المعارضة والزج بالنشطاء في السجن لتكميم الافواه بسيف هذه القوانيين.
- – التاريخ السابق لعمل اللجان لا يدعو للتفاؤل، اذ تم تشكيل 11 لجنة للإصلاح منهن 6 لجان للإصلاح السياسي منذ عام 1990م، وجميع هذه اللجان لم ترى توصياتها النور وبقيت حبيسة الإدراج الحكومية ولم يطبق منها شيء.
-
الواقعية السياسية تحتم على النخب السياسية ان يتعاملوا وفقا لمبدأ خذ وطالب
التقارب المطلوب
من المعلوم بان الواقعية السياسية تحتم على النخب السياسية ان يتعاملوا وفقاً لمبدأ خذ وطالب، وأن الإصلاح السياسي لا يكون بكبسة زر، وأن الشعوب تحتاج إلى سنوات معقولة لتتدرب على العمل السياسي الحزبي وتحسن الاختيار وفقاً للأليات الحديثة خاصة في ظل تجريف طويل للحياة السياسية على مدار أكثر من 60 عاماً لغياب الحكومات البرلمانية.
الإغراق في السوداوية ورفض كل ما هو مطروح وممكن، الإصرار على الحالة المثالية تحت مبدأ إما أخذ الكل أو ترك الكل، يعمق الشرخ بين النظام والمعارضة شرح تعيش وتنمو به قوى الفساد والاستبداد، فما لا يدرك كله لا يترك جله.
مجرد أن يتم إقرار التعديلات بشكل قانوني ويتم استكمال جميع الإجراءات الدستورية لتصبح واجبة النفاذ نكون قد ضمنا خطوة كبيرة وقيمة على طريق الإصلاح، والوقوف على المسار الصحيح للإصلاح السياسي الذي هو أبو الإصلاح وحجر الزاوية في جميع الإصلاحات الضرورية.
تخوفات وتشكيك المعارضة له وجاهته ومشروعيته، والذي يتوجب على صناع القرار تبديد كل تلك المخاوف والإسراع في إقرار الإصلاحات، وتهيئة المناخ العام في تنفيس كل مسببات الضغط والاحتقان الشعبي للوصول إلى بداية الإصلاح الذي نريد.
نريد من النظام أن يقدم ما يبدد الشكوك والهواجس والمخاوف، ونريد من المعارضة ان تلقي سلبية التجربة التاريخية خلف ظهورها وتقبل بحسن نية على ما يطرح، نريد أن يخطو كل من النظام والمعارضة خطوات إيجابية باتجاه بعضهم البعض على طريق العبور النهائي إلى الدولة الديمقراطية الحديثة التي ينشدها الجميع.