أقامت «المجتمع» ندوة، عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، مع ناشطَيْن سياسيَّيْن كويتيَّيْن، هما المحامي معاذ الدويلة، وفلاح ضاحي الهاجري، رئيس جمعية الإصلاح فرع الجهراء سابقاً، تناولت الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية التي تمور على الساحة الكويتية.
بداية، أكد الناشط السياسي المحامي معاذ الدويلة أن الكويت بحاجة إلى مؤتمر وطني جاد، للخروج بمجموعة من القرارات والتوصيات العملية لإنقاذ البلد من حالة الجمود السياسي التي تعيشها على مدار ثلاثة عقود.
وقال الدويلة: نحن في دولة الكويت نعيش مسلسلاً سياسياً مُمِـلاً؛ فالأحداث نفسها تتكرر، ولكن باختلاف الأشخاص والأسماء، حيث نُجري انتخابات، وبعدها يتم تشكيل الحكومة، ثم تحدث أزمة سياسية بين المجلس والحكومة، إلى أن يتم حل مجلس الأمة، والدعوة إلى انتخابات جديدة، ثم تتكرر هذه الأحداث باختلاف الأشخاص؛ فنحن نعيش حالة من الجمود السياسي، وإلى الآن لم نحرز أي نوع من أنواع التقدم السياسي، فنحن ثابتون متجمدون في مكاننا والأحداث تتكرر خلال العقود الثلاثة الماضية.
وأرجع السبب في هذا الأمر إلى طبيعة آلية انتخاب مجلس الأمة، وآلية تشكيل الحكومة، واصفاً إياها بأنها «آلية غير ناضجة وغير فاعلة».
ورأى المحامي الكويتي أن الحل يتمثل في الإصلاح السياسي الجذري؛ لأن سبب المشكلات السياسية غياب الإصلاح السياسي، وما يترتب عليه من وجود مشكلات عديدة؛ منها المشكلة الإسكانية، والتعليمية، والاقتصادية، وحل كل تلك المشكلات وغيرها يمكن تحقيقه في عملية إصلاح سياسية جذرية، من خلال تغيير منظومة الانتخابات، وتغيير آلية تشكيل الحكومة.
ويتمثل هذا التغيير، حسب الدويلة، في نظام انتخابي متقدم، يسمح للناخب الكويتي باختيار أغلبية نيابية تمثله، ويسمح لها بتشكيل حكومة من قبل الأغلبية البرلمانية، ومدعومة منها، لتحقيق الاستقرار السياسي المنشود.
وذهب إلى أن النظام الانتخابي الحالي مصمم حتى يمنع المواطن من أن يشكّل أغلبية داخل مجلس الأمة؛ فالمجلس عبارة عن مجموعة أقليات، والتيار والتكتل الوحيد الذي يملك الأغلبية هو الحكومة، ممثلة في 16 وزيراً، فالحكومة هي الحزب السياسي الوحيد صاحب الأغلبية داخل مجلس الأمة، يدخلون الجلسة ببرنامج سياسي واحد، ويتفقون على أجندة واحدة، وعلى رأي سياسي واحد، بالمقابل نواب مجلس الأمة عبارة عن مجموعة من الأقليات المتناثرة، وهم لا يستطيعون أن يشكلوا أغلبية تمثّل الشعب، وهذا أساس الجمود السياسي الذي نعيشه.
وأشار المحامي الكويتي إلى أن أصحاب النفوذ هم المستفيدون الوحيدون من بقاء الوضع على ما هو عليه؛ فهم مستفيدون من التخلف الإداري الذي نعيشه، ومن ضعف الرقابة، ومن تراجع الدولة في كافة المجالات؛ لذلك يحاربون أي وزير أو نائب إصلاحي، ويحاربون خيارات الشعب الكويتي؛ لأنهم يريدون نائباً أصم، يدخل معهم في إدارة ومؤسسات الدولة.
العفو الشامل
وبالتطرق لموضوع مهم على الساحة الكويتية وهو قانون العفو الشامل عن بعض المحكومين من السياسيين والبرلمانيين السابقين، قال الدويلة: أقدم التحية للرموز الوطنية الموجودة في تركيا، هؤلاء الرموز دفعوا ثمن الوقوف أمام أباطرة الفساد، وثمن حرياتهم الأساسية كمواطنين وبشر، ورضوا بالغربة خارج الوطن في سبيل مواجهة الفاسدين في الكويت، لذا من هذا المنبر أوجِّه لهم التحية والتقدير والسلام، واستطرد قائلاً: د. جمعان الحربش، ومسلّم البراك، وباقي الرموز الوطنية والشبابية الموجودين في تركيا، هؤلاء يجب أن يكونوا عنصراً أساسياً في منهج التربية الوطنية، فهؤلاء مثال للمواطن الصالح، وكان من المفترض تكريمهم وليس تهجيرهم.
وقال الدويلة: على حد علمنا سيتم العفو عن هؤلاء، فقد سمعنا عن ذلك مثل آخرين، ونرجو أن يكون ما سمعناه في مسألة العفو صحيحاً، فنحن نسمع ونراقب، إلى أن تتم الأمور على خير إن شاء الله تعالى.
وحول قضية مشاركة الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) في الحكومة، ذكر عضو الحركة أن التيار الوطني المعارض بشكل عام بشتى انتماءاته من المستحيل أن يشارك في حكومة لا تحمل أي أجندات إصلاحية، أو حكومة لم تقدم أي بادرة لمواجهة الفساد، وتعمل على الإصلاح الجذري لكل مؤسسات الدولة، فلو كانت الحكومة صادقة وتعمل على مشاركة التكتلات السياسية لها في الحكومة، عليها أن تقوم بعمل مبادرات إصلاحية، مثل: حسم موضوع العفو، أو إلغاء القانون المسيء، وإصلاح النظام الانتخابي، وإصلاح قانون الجرائم الإلكترونية، وغيرها من القوانين، مضيفاً: هذه باقة إصلاحية مستحقة يجب أن تضعها الحكومة في اعتبارها، وإلا فكيف نشارك في حكومة لا نعرف موقعها من الإعراب في حل المشكلات المتراكمة التي نعايشها يومياً؟!
وقال: فلو كانت الحكومة صادقة في دعوة التيارات الإصلاحية بشتى انتماءاتها الإسلامية والليبرالية والشعبية؛ فعليها أن تعمل على اتخاذ مبادرات إصلاحية جذرية لشتى الملفات، وعلى رأسها ملف العفو.
واختتم الدويلة قائلاً: أحب أن أرى الكويت في أفضل حالة، وأروع صورة، أراها دولة متطورة تطبق شرع الله سبحانه وتعالى، وتحترم حقوق الإنسان، وأن يكون فيها نظام ديمقراطي متقدم، وتحافظ على المال العام، وتحفظ للمرأة حقوقها، وأن يكون للعادات والتقاليد احترامها ومكانتها، وأن ينال الشباب دوره في منظومة العمل السياسي، وأن توفّر البدائل المتعددة لوسائل الدخل غير النفط، وأن تدخل الكويت في مصاف الدول المصنّعة، بدلاً من الاعتماد على آبار النفط وبيعه، متسائلاً: ما الذي يمنع الكويت من الدخول في ركب الدول الصناعية الكبرى؟ لماذا لا يكون لدينا مختبرات علمية متطورة؟ لماذا لا تجري الكويت مسابقات دورية للبحث العلمي لاستقطاب العلماء والتقنيين الكويتيين لعمل منظومة صناعية كويتية متقدمة؟
مجتمع محافِظ بطبعه
من جانبه، ذكر الناشط الاجتماعي والسياسي فلاح ضاحي الهاجري، رئيس جمعية الإصلاح فرع الجهراء سابقاً، أن العمل الاجتماعي له دور كبير في تنمية اللحمة بين الشعب الكويتي، وأنه أساس العمل السياسي، فأي سياسي لا ينفك عن الحاجة لرأي يخص المجتمع لازدهاره.
وأكد، في كلمته، أن الكويت عبارة عن ديوانية مصغرة، والديوانية عبارة عن مجتمع مصغر، وفي الكويت لا ينفك العمل السياسي عن العمل الاجتماعي، فبفضل الله سبحانه وتعالى، أصبح تلاحم الشعب الكويتي ووحدته هو ما يميز هذا الشعب الكريم، فهو شعب متلاحم على مستوى أكبر، وثبت ذلك في أيام الغزو الغاشم.
وأشار إلى أن العمل الاجتماعي له دور كبير في تنمية اللحمة بين الشعب الكويتي، مستدلاً على ذلك بلجان التكافل التي سطرت أروع الأمثلة في تلاحم الشعب الكويتي مع قيادته، من خلال الصورة المشرقة لقوة وصلابة هذا الشعب الكويتي العظيم؛ فالعمل الاجتماعي هو أساس العمل السياسي، وأي سياسي لا ينفك عن الحاجة لرأي يخص المجتمع ويسعى لازدهاره، حسب الهاجري.
وأشار عضو جمعية الإصلاح إلى أن هناك دلائل ووثائق موجودة منذ أكثر من مائة عام، تؤكد أصالة الشعب الكويتي والتزامه بقيمه؛ فالمساجد مليئة بالرجال والنساء، فضلاً عن وجود الكتاتيب لتحفيظ القرآن الكريم، ووجود آلاف الحفظة للقرآن الكريم سنوياً، فهذه هي طبيعة الشعب الكويتي.
وحول بعض التصرفات التي تتنافى مع قيم وأخلاقيات المجتمع الكويتي المحافظ، التي بدأت تنتشر في بعض المجمعات والأسواق، قال الناشط الاجتماعي: المادة (49) من الدستور الكويتي تنص على الآداب العامة والأخلاق؛ لذا ندعو إلى تعزيز الهوية الاجتماعية، والآداب والأخلاق الإسلامية، وعلى الجهات التنفيذية ممثلة في وزارة الداخلية تفعيل هذه القوانين التي تحث على الآداب العامة.
وأرجعَ السبب في كثير من الجرائم والتصرفات السلبية إلى المخدرات؛ حيث قال: أريد أن أؤكد أن عدم اللبس المحتشم، وقضايا الخطف والقتل وهتك الأعراض، وغيرها من القضايا يرجع سببها الرئيس إلى المخدرات، وهناك إحصائية صدرت مؤخراً تنص على أن %65 من قضايا الإجرام في الكويت ترجع إلى انتشار المخدرات، وقد أصبحت المخدرات تباع بأبخس الأثمان، متسائلاً عن دور وزارة الداخلية في التصدي لهذا الأمر.
كما أرجع السبب أيضاً إلى عدم وجود قوانين رادعة ومنجزة؛ فالقاتل لا بد أن يُقتل حسب الشريعة الإسلامية، كما قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} (البقرة: 179)؛ حتى يكون رادعاً لمن تسوّل له نفسه أن يزهق روحاً، فلا بد أن يكون ماثلاً أمام ناظريه أن من قتل يُقتل، على الفور بدون تأخير؛ لأن التأخير في تنفيذ القصاص سيُفقد عامل الردع والخوف ويضعفهما في قلوب من يفكّرون في ارتكاب الجرائم.
ودعا الهاجري الحكومة إلى تسريع عقوبة الجاني من خلال إقرار قوانين رادعة لقضايا القتل والمخدرات، والعمل على التوعية الاجتماعية من خلال المدارس ووزارات الشؤون والأوقاف والتربية والداخلية؛ بحيث تكون كلها مجتمعة فريقاً خماسياً لمواجهة هذه القضية؛ بحيث يكون في كل حي من أحياء الدولة مركز متخصص يقوم بتوعية أفراد المجتمع ويرشدهم.
بالإضافة إلى القوانين، أكد الهاجري ضرورة إيجاد نهضة مجتمعية، والعمل على الحفاظ على الهوية المجتمعية والإسلامية، داعياً السلطتين التنفيذية والتشريعية إلى أن تكون هذه الأمور محط اهتمامهم؛ حتى يأمن الواحد على نفسه وماله وعرضه.
الشباب والمرأة
وبالحديث عن مكونين أساسيين من مكونات أي مجتمع وهما الشباب والمرأة، أشار الناشط الكويتي إلى أن الحكومة تعلن نظرياً فقط ثقتها في الشباب، أما عملياً فلا يتم ترجمة هذه الثقة على أرض الواقع؛ فلا يوجد مستشارون من الشباب، ولا مبادرات شبابية تستقطبهم، بل المبادرات التي تخص الشباب موجودة في أدراج الحكومة، وشعارهم: «قل ما تريد، وأنا أفعل ما أريد»، يحدث هذا في وقت تتجاوز برامج وسائل التواصل الاجتماعي الجهاز الإعلامي الحكومي في نقل المعلومة، حسبما قال.
أما عن المرأة، فذكر الهاجري أن المرأة وإن كانت أخذت بعض حقوقها السياسية مؤخراً، فهناك حقوق أخرى اجتماعية وسياسية لم تأخذها، مشيراً إلى أن الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) قدمت مشروعاً كاملاً منذ عام 2006م، وما زال في أدراج الحكومة، وهذا المشروع يمنح المرأة الكويتية حقوقها السياسية والاجتماعية، مستطرداً: ونحن اليوم أمام من يتبجح بأنه أعطى المرأة حقوقها، وهو في الواقع يمنعها حقوقها، وهي الحكومة.
وانتقل الناشط الكويتي إلى موضوع مهم وحساس آخر، وهو موضوع المواطنة واستخدامه كسلاح في يد الحكومة ضد مخالفيها؛ حيث أكد أن المواطنة عمل وولاء، لكن هناك شخصيات مشهورة على مستوى الوطن بمجرد مخالفتها للحكومة في الرأي يتم تهديدها بسحب الجنسية، وهذا السلاح من الحكومة مرفوض جداً؛ فالحكومة تملك هبة الجنسية، وهذا أمر سيادي، أما سلب الجنسية فيجب ألا يخضع لمزاج وزير الداخلية أو غيره.
وأضاف: نحن لا نسمح للحكومة باستخدام هذا السلاح لتهديد حرية المواطن الكويتي، فإن كان نواب الشعب لم يسلموا من التهديد بسحب جنسياتهم، فما بالك ببقية الشعب؟
وفي موضوع ذي صلة بقضية المواطنة، تطرق الهاجري لقضية «البدون» في المجتمع الكويتي، قائلاً: أنا أجزم أن إخواننا «البدون» حريصون جداً على الشعب الكويتي، وعلى الإدارة الكويتية، وعلى المسؤولين أن يقدروا هذا الفهم وهذا الوعي؛ فـ«البدون»، شئنا أم أبينا، هم أبناء هذا الوطن أباً عن جد، وأوضح قائلاً: نحن لا نقول: إن كل «البدون» مستحقون للجنسية؛ فالجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية لديه كل المعطيات، ولكن إجبارهم وإذلالهم بهذه الصورة المهينة، ونحن في بلد الإنسانية، يجب ألا يمر مرور الكرام، لا بد من محاسبة من يتسبب في ذلك.
وأضاف الهاجري: فلو وضعنا شروطاً للحصول على الجنسية الكويتية، فعلينا تنفيذها؛ فهناك من يستحق الحياة الكريمة والتطبيب والتعليم بالمجان، والإقامة الدائمة، نحن لا نجزم بأن كل «البدون» كويتيون، ولكني أجزم أن فيهم من قدّموا أرواحهم في سبيل هذا الوطن، لكن الحكومة لا تقابل هذا بشيء من التقدير؛ فهناك من «البدون» من قدَّموا أرواحهم فداء لحياة سمو الأمير، ومع ذلك يتم مماطلتهم في منحهم الجنسية الكويتية، مؤكداً أن «البدون» إخواننا، وهم أهل الكويت، وهناك منهم من يتجاوز ولاؤه للكويت سُرَّاق المال العام.
السياسة حياة
وحول اهتمام المجتمع بكل فئاته بالسياسة وأمورها، ذكر الهاجري أن هذه ظاهرة صحية؛ لأن السياسة من الدين، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يخاطب الروم والفرس من خلال السفراء؛ فالحياة السياسية لا تنفك عن الحياة المدنية، مستشهداً على ذلك بأن ابن تيمية في كتابه «السياسة الشرعية» وغيره من الكتب يتناول ذلك، مؤكداً: السياسة حياة للشعب الكويتي، وهي معاشهم وحياتهم ولا تنفك عن الدين ولا عن القضايا الاجتماعية، فالسياسة اجتماع.
وأوضح قائلاً: عندما نتحدث عن السياسة نتحدث عن الأخلاق والمبادئ والقيم والمحافظة على البلد، ونتحدث عن مقدّرات شعب وعن هوية، واليوم الهوية بدأت تنسلخ، حتى اللغة العربية نكاد نفقدها، ولا بد أن نعلم أنه من الدين المحافظة على اللغة العربية، والمحافظة على الهوية، والمحافظة على القيم والمجتمع، خصوصاً أن هناك حديثاً نشازاً بدأ يدور الآن عن إباحة الخمور، والمجتمع الكويتي يرفض ذلك بكل فئاته، فالقضية سياسية، ولكنها في الوقت نفسه قضية دينية واجتماعية.
ووجه الناشط الاجتماعي في نهاية حديثه كلمة للشعب الكويتي قائلاً: علينا المحافظة على تعاليم هذا الدين الحنيف، وللالتزام بهذه التعاليم انعكاس على تربيتنا ومجتمعنا؛ فلا بد من المحافظة على القيم، داعياً إلى تربية النشء وربطهم بالمسجد، والصحبة الصالحة، مضيفاً أن اللجان الخيرية تعينهم على حفظ كتاب الله، وعلى تجاوز مرحلة المراهقة الخطرة، وهذه اللجان الخيرية، والكلام للهاجري، موجودة في كل منطقة كويتية، داعياً إلى الالتحاق بحلقات تحفيظ القرآن الكريم، ومؤكداً أن جمعية الإصلاح الاجتماعي أبوابها مفتوحة أمام كل الفئات، ابتداء من الروضة وانتهاء بالجامعة، فالعمل الاجتماعي لا يقل أهمية عن العمل السياسي، والكل مترابط في سبيل نهضة هذا الوطن.