يعقد حزب العدالة والتنمية المغربي مؤتمره الاستثنائي يوم 30 أكتوبر الجاري، رداً على ما حققه من نتائج قاسية خلال الانتخابات التشريعية والبلدية المنظمة أخيراً يوم 8 سبتمبر2021م، والتي حل فيها بالمركز الثامن بعدد مقاعد برلمانية لم تتجاوز الـ 13 مقعداً، وكان من نتائجها الأولية “الاستقالة السياسية” للقيادة الحالية التي دبرت المرحلة.
وفي ظل ما يعيشه الحزب الذي قاد الائتلاف الحكومي لعشر سنوات من حذر ظاهر بعد تلك النتائج، يرى مراقبون أن الجواب التنظيمي يكون دائماً هو ملجؤه في كل أزمة يمر منها، يحاول أن يخرج منها معافى ويستطيع أن يكمل مساره الذي بدأه مستنداً على المرجعية الإسلامية وعلى الإصلاح في ظل الاستقرار، ومفكراً في تجديده أطروحته السياسية وعلاقته بالمجتمع وشركائه خاصة جناحه الدعوي “حركة التوحيد والإصلاح”، وضخ دماء جديدة بعروق قياداته.
العمراني: رهانان تنظيميان وحيدان للمؤتمر الوطني الاستثنائي المقبل
رهانان
ويبرز سليمان العمراني نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية في تصريح لـ”المجتمع” أن للمؤتمر الوطني الاستثنائي المقبل رهانان تنظيميان وحيدان أولهما تأجيل انعقاد المؤتمر الوطني التاسع الذي يحل أجله القانوني يوم 9 ديسمبر المقبل من هذه السنة، والرهان الثاني انتخاب أمين عام للحزب، وبعده انتخاب الأمانة العامة في المجلس الوطني.
وليست المرة الأولى التي عقد مؤتمر استثنائي لتأجيل المؤتمر العادي، فقد كان ذلك سنة 2015م، عندما صادق المؤتمر تنظيم الانتخابات التشريعية التي رأى الحزب أنها تحتاج إلى “تفرغ” من أجل الاستعداد لها.
وعن تجديد أطروحته السياسية، يشير العمراني إلى أن الحزب يحتاج فعلا إلى ذلك، لداعيين جوهريين: أولهما أنه اشتغل منذ المؤتمر الثامن المنعقد سنة 2017م بنفس أطروحة المؤتمر السادس وهي أطروحة البناء الديمقراطي، والسبب الثاني وهو أنه مدعو لقراءة جماعية لما وقع في انتخابات 8 سبتمبر والعوامل الذاتية والموضوعية التي قادت إليها، مؤكدا أنه بعد مرور 25 سنة (ربع قرن) على انعقاد المؤتمر الاستثنائي سنة 1996م الذي أرخ لمسار جديد في تاريخ الحزب وقت اندماج إسلاميي حركة التوحيد والإصلاح في حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية برئاسة الراحل عبد الكريم الخطيب، جرت تحولات كبيرة في المشهد الوطني وفي مسار الحزب تستدعي هذه القراءة الجماعية، في أفق انطلاقة جديدة ومتجددة.
قيادة
وما يزال الجدال قائماً بين مناضلي الحزب الذي يرى بعضهم أنه في حاجة إلى عودة القيادة الكاريزمية للأمين العام السابق ورئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران، بوصفه أحد أعمدة العمل السياسي للحركة الإسلامية في المغرب، وبين من يرى أن الحزب محتاج إلى التخفف من “شيوخه”، والسير بأثواب جديدة نحو المستقبل، أو على الأقل ألا يكون اسمه هو الجواب عن الأزمة خلال المؤتمر الاستثنائي، بل يؤجل ذلك إلى المؤتمر العادي.
الشويكة: مؤتمر 30 أكتوبر حاسم في مستقبل الحزب
وتبرز حليمة الشويكة عضو المجلس الوطني للحزب في تصريح لـ”المجتمع” أن مؤتمر 30 أكتوبر حاسم في مستقبل الحزب، إذ ما يزال بإمكان الحزب أن يكون فاعلاً ومؤثراً في المشهد السياسي بالرغم من تراجع عدد مقاعده في مجلس البرلمان والمجالس الجماعية، فليست التمثيلية داخل هذه المجالس هي التي تمنح الأحزاب حصرياً قوتها النضالية والدليل أن أحزاباً كثيرة هي دكاكين انتخابية لها حضور عددي في البرلمان دون أي اثر سياسي في الواقع.
وتضيف أن الشرط الذي يمكنه أن يجعل من الحزب قادراً في المستقبل على القيام بدوره النضالي والإصلاحي، ويضمن استمرارية تأثيره في الحياة السياسية هو أن ينجح المؤتمر في انتخاب قيادة قادرة على استرجاع الروح النضالية للحزب، والقطع مع منطق الصمت لأن السياسة لا تمارس بالصمت، مؤمنة بالإنجاز لكنها لا تجعل الانجاز أطروحة سياسية ولا تستبدل ممارسة السياسة بالغرق في تدبير الشأن العام، بما أن هذا التدبير الذي لا تؤطره رؤية سياسية يصبح عمل تكنوقراطيا.
وتشير الشويكة إلى الرهان على المؤتمر الاستثنائي كبير، لأن مخرجاته سوف تحكم مصير الحزب، مبرزة بحسبه ومن يشاطرها الرأي، أنه لا يخفى أن الأمين العام المحتمل هو الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران لما خبر فيه من مواصفات قيادية يمكنها أن تحقق هذا الرهان.
بدوره، يؤكد سليمان العمراني على أن القيادة التي يفرزها المؤتمر الاستثنائي الوشيك ستتولى تدبير مرحلة انتقالية تنتهي بانعقاد المؤتمر الوطني التاسع العادي في أفق زمني منظور ومعقول، والذي سيقرر في طبيعة القيادة ونوعها هو المؤتمر نفسه، والحاجة أكيدة إلى “تركيب” قيادي يجمع بين صف الجيل المؤسس وصف الجيل الثاني.
خطاب ملك المغرب خفف من وقع الصدمة التي أصيب بها مناضلو الحزب عقب انتخابات 8 سبتمبر
إشادة ملكية
وقبل المؤتمر الاستثنائي، جاء خطاب الملك محمد السادس في افتتاح السنة التشريعية الحالية، وهو يذكر منجزات الحكومة المنتهية ولايتها بقيادة الأمين العام للحزب سعد الدين العثماني، (جاء) ليخفف من وقع الصدمة التي أصيب بها مناضلو الحزب عقب انتخابات 8 سبتمبر، وهو ما رأى فيه مراقبون أن الدولة لا تقف ضد استمرار الحزب في المشهد السياسي ولعبه أدواره في ظل ما هو متاح حسب تركيبة الدولة المغربية ذاتها، وذلك على خلاف خصوم الحزب، والذين ارتفعت عقيرة أصواتهم بأن الوقت حان لكي يزول هذا الحزب المزعج من المشهد السياسي.
وأصدر الحزب بلاغاً يشيد فيه بخطاب الملك وإيراده الكثير من الحقائق والمعطيات والمؤشرات الشاهدة على مقدار الجهود الوطنية المبذولة من أجل النهوض بالوطن والرقي بمستوى عيش المواطنين في ظل سياقات وطنية وإقليمية ودولية صعبة، فضلاً عن التحديات التي تطرحها الوضعية الوبائية كما ثمن الخطاب كما يشير العمراني، بأهم الأوراش الوطنية التي تشكل رهانات المرحلة المقبلة، مما يقتضي من جميع الفاعلين استفراغ الوسع – في إطار من روح المسؤولية الوطنية – لإنجاح الرهانات المطروحة ومواجهة التحديات القائمة.
وكانت المناسبة للإشادة بالإسهام الوطني الصادق والمخلص، لرئيس الحكومة المنتهية ولايته ولكل وزراء ووزيرات الحزب وكل رؤسائه في الجماعات الترابية وعموم منتخبيه الوطنيين والترابين وعموم مناضليه، من أجل خدمة الوطن والمواطنين والمواطنات مع جعل المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار رغم كل حملات التبخيس لهذا الإسهام والاستهداف له والسعي لتحجيم دور الحزب في المؤسسات والمحاولات الفاشلة للنيل من مصداقيته.